تحقيق: مصطفى ابو حرب- آن ديسمور اسم حفظه أبناء مخيم نهر البارد بالرغم من أنه لا يمت إليهم بصلة أبداً وليس من تراث فلسطين أو أثارها، ولكنه بدأ يُشكِّل عنواناً للتخلي وللتشريد بحقهم. فكل أبناء المخيم كبيرهم وصغيرهم باتوا يعرفونها جيداً ويسمّونها بالمرأة صاحبة القلب القاسي والبعيدة عن الإنسانية، بعد إعلاناها قرار الأونروا القاضي بوقف بدلات الإيجار وإلغاء برنامج الإغاثة وشطب للتغطية العلاجية لأهالي مخيم نهر البارد ابتداءً من 1/9/2013.

 

الموقف الرسمي والشعبي من القرارات

يُجمع الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي على كون إجراءات الأونروا جائرة وتعسُّفية تخلو من الإنسانية، وتنم عن حقد تجاه أبناء شعبنا الفلسطيني، خصوصاً أنها تستهدف أبناء مخيم نهر البارد المنكوب الذين لم يعودوا إلى بيوتهم بعد، وتطالهم في إيجار المنزل الذي يأويهم والإغاثة التي تطعم أطفالهم والطبابة التي تحفظ لهم حياتهم وكرامتهم.

ولا يُخفي، مسؤول حركة "فتح" في الهيئة العليا لمتابعة إعمار مخيم نهر البارد عضو لجنة إقليم لبنان، عاطف عبد العال أن قرار الأونروا بوقف خدمات الطوارئ لأهالي مخيم نهر البارد الذي أعلنته مديرة الأونروا آن ديسمور في لبنان في 17/7/2013 جاء مفاجئاً كالصاعقة، ويوضح: "في عام 2007 صدر قرار يعتبر نهر البارد في حالة طوارئ من قِبَل الحكومة اللبنانية والأونروا وبناءً عليه أعلنت الأونروا الالتزام بإعمار المخيم وبخدمات الطوارئ إلى حين الانتهاء من الإعمار وعودة آخر مهجَّر لمنزله، لذا فهذه الخطوة تتناقض مع سياسة الأونروا القائمة على خدمة الشعب الفلسطيني. ولكن الأغرب هو ما قالته ديسمور عن كونها ناقشت هذا القرار مع الفصائل مسبقاً، وهنا أؤكِّد أن هذا عارٍ عن الصحة تماماً ولا يمكنني أن أصف ما قامت به إلا بمحاولة لإثارة البلبلة والخلاف، والتنصُّل من المسؤوليات".

وحول ردة الفعل الرسمية تجاه هذه الخطوة، لفت عبد العال إلى أن اجتماعاً جرى ما بين الفصائل الفلسطينية وهيئة متابعة ملف البارد وديسمور، حيثُ علَّلت الأخيرة سبب هذه الإجراءات بالعجز المالي في الموازنة الذي بلغ 8 مليون دولار بحسب وصفها إضافةً إلى أزمة النازحين الفلسطينيين من سوريا، وأضاف: "ولكن ردنا كان سريعاً أمام هذه الذرائع. فقد عقدنا نحن والفصائل اجتماعاً معها أوضحنا خلاله ما كان قد اتفق عليه مسبقاً حول كون موضوع نهر البارد أزمة استثنائية معزولة عن موضوع النزوح. وأبلغناها أننا نتفهم العجز الذي تمر به الأونروا، ولكننا أيضاً طالبناها بالعمل على إيجاد حلول واعتبار جميع الجهات شريكة في البحث عن حل ولكن ليس على حساب شقاء باقي الفلسطينيين. كما أبلغناها عن نيتنا بتصعيد تحرُّكاتنا من خلال اعتصامات سلمية حضارية في الشمال خصوصاً وفي كافة المناطق اللبنانية عموماً أمام مكاتب الأونروا إلى أن يتم إلغاء القرار. ونحن نعتبر أن هذه الإجراءات جرت عن سابق إصرار وترصُّد، وتشكِّل قراراً سياسياً بامتياز، يستهدف المصالح الأساسية والحيوية والخدماتية لشعبنا، ويهدف لتجويع وتركيع الشعب الفلسطيني، الذي ظل على مدى عقود النكبة محافظاً على تماسكه وخياراته وهويته الوطنية. ولكن هنا لا بدَّ من الإشارة إلى أمر آخر بغاية الأهمية، وهو أن هذا العجز ليس مصدره فقط نقص التمويل، ولكن العامل الأبرز هو التباطؤ في إعمار المخيم، ما سبَّب هدراً في المال أدى للعجز، فحتى الآن لم يتم بناء سوى أربع رزم من أصل ثمانية في المخيم القديم، ولم يتم التعويض على أحد في المخيم الجديد، وهذا الهدر تتحمَّل الأونروا مسؤوليته كاملةً. كذلك فالأموال التي رُصدت في مؤتمر فيينا لا تكفي لإعمار 8 رزم حيثُ أنه لا زال ينقصنا 137 مليون دولار أمريكي لاستكمال الرزم الأربعة الباقية. ومن هنا فأنا أحمِّل الأونروا المسؤولية كاملةً لإيجاد الحلول لمتابعة الإعمار وخطة الطوارئ بشكل عام. ونحن في الهيئة العليا لمتابعة ملف البارد وعلى صعيد القيادة الفلسطينية قمنا بإرسال رسالة لسيادة الرئيس أبو مازن حول وضع مخيم نهر البارد وقرارات الأونروا وطلبنا إليه التدخل السريع للضغط على الدول المانحة للتسريع بالتمويل، وتواصلنا مع الدولة اللبنانية للشأن نفسه".

وحول الخطة المزمع إتِّباعها في حال عدم تراجع الأونروا عن قراراتها، قال عبد العال: "أنا أدعو للاستمرار بالاعتصامات والتصعيد بتحرُّكنا، وأطلب من جميع الإخوة أن يتمسَّكوا بالوحدة والعمل المشترك والمنظم تحت سقف لجنة المتابعة والتصعيد السلمي والحضاري حتى يستعيد شعبنا حقوقه وينتهي إعمار نهر البارد كاملاً".

وحول جديد التمويل والعمار في نهر البارد، لفت إلى وجود هبة ايطالية لاستكمال إعمار نهر البارد، مشيراً إلى أنها تأخرَّت بسبب العطلة البنكية في ايطالية التي تنتهي في آخر شهر آب المنصرم، منوِّهاً إلى وجود هبة يونانية أيضاً، تحتاج لموافقة الحكومة اليونانية لصرفها، وذلك من أجل إعمار العقار39 والبنية التحتية.

من جهته، يرى مسؤول فصائل "م.ت.ف" وحركة "فتح" في الشمال أبو جهاد فياض أن قرارات مديرة الأونروا في لبنان آن ديسمور "جائرة وتعسُّفية تخلو من الإنسانية، وتنم عن تجاهل الاوضاع الماساوية التي يعيشها أبناء شعبنا الفلسطيني.

ويلفت فياض إلى أن العائلات التي عادت إلى مخيم نهر البارد القديم لم يتجاوز عددها 3000 عائلة من أصل 6000، أي أن نصف أهالي المخيم يتقاضون بدل إيجار، متسائلاً عن مصيرهم ابتداءً من أول أيلول، خاصةً أن جميع عائلات المخيم تعيش تحت مستوى خط الفقر، ويضيف: "من أين يأتون بالغذاء والمخيم مغلق؟ وكيف يُسدِّدون فاتورتهم العلاجية والدوائية؟! لذلك فمن غير المسموح للأونروا أن تتخلى عن مسؤولياتها التي تعهَّدت بها في مؤتمر فيينا حتى الانتهاء من الإعمار وعودة عائلات البارد إلى بيوتهم، وفتح المخيم أمام جواره اللبناني كالسابق، وعندها فقط لن يحتاج أهل المخيم للإيجارات والإغاثة والطبابة".

وحول الحل المقترح للخروج من الأزمة يقول فياض: "على ديسمور أن تقوم بزيارات إلى الدول الداعمة للأونروا، وأن ترفع تقاريرها حول حالة وحاجة أبناء البارد لاستمرار الدعم المطلوب. كما عليها السعي لتأمين الأموال اللازمة لتغطية الحاجات الـمُلحة للفلسطينيين في عموم لبنان، وخصوصاً مخيم نهر البارد، من خلال تحمُّل الحكومة اللبنانية لمسؤولياتها بالشراكة مع الأونروا و"م.ت.ف" وبالدعوة لمؤتمر دولي للمانحين على غرار مؤتمر فيينا. وبالطبع فنحن نعلم أن هناك أزمات دولية في سوريا، ولكن يبقى مخيم البارد أول المتضرِّرين من الإرهاب".

أمَّا عن موقف الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية فأكد فياض رفضها لهذه القرارات الجائرة جملة وتفصيلاً لأنها تهدف إلى إذلال شعبنا، منوِّهاً إلى أن الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية تداعت وقامت بعدة اعتصامات وإضرابات وقدَّمت رسائل الاستنكار والرفض لقرارات آن ديسمور لرفعها للأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون.

وتوجه فياض الى قيادة الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية بضرورة تحمل مسؤولياتها تجاه أبناء شعبنا في لبنان وخصوصاً لمواجهة هذه القرارات الجائرة واللاإنسانية بحق أبناء مخيم نهر البارد المنكوب، وأضاف: "على القيادة ممثلة بالرئيس محمود عباس إعطاء هذا الملف اهتمامها وان يتم طرحه في كافة المحافل العربية والدولية لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم تجاه شعبنا الفلسطيني شاكرين جهد الدكتور زكريا الآغا الذي بحث هذا الملف مع مديرة الأونروا في لبنان آملين إنهاءه بأسرع ما يمكن".

كما دعا فياض كافة أبناء المخيمات وأبناء مخيم البارد إلى أوسع تحرُّك لمساندة أهالي البارد في مواجهة هذه القرارات الجائرة بحقهم واللاإنسانية وذلك من خلال المشاركة في فعاليات ستنظمها خلية الأزمة التي تشكَّلت من الفصائل الفلسطينية في لبنان لمواجهة قرارات آن ديسمور الجائرة بحق أبناء البارد.

أمَّا أمين سر اللجنة الشعبية الدوري فرحان عبدو، فلفت إلى أن برنامج الطوارئ الخاص بأهالي نهر البارد لا يمكن إلغاؤه تحت أي ظرف كان لحين عودة جميع الأهالي إلى بيوتهم وانتهاء الإعمار كاملاً، مؤكِّداً ما سبق التطرُّق إليه حول التحركات الواسعة المزمع تنظيمها من أجل رفع الصوت إلى الجهات المعنية.

ويشير عبدو إلى أن العائلات المستفيدة من بدل الإيجار يبلغ عددها حوالي 3008 عائلة تتقاضى 150دولار كبدل الإيجار، ويضيف: "هذا مع العلم أن معدل بدل الإيجار سابقاً كان 250دولار وأيضاً هناك أكثر من 450 عائلة يسكنون في البركسات التابعة للأونروا. أمَّا العائلات المستفيدة من بدل الإيجار فهي 3008 عائلة قيمة بدل الإيجار 150دولار علماً أن معدل بدل الإيجار سابقاً 250دولار وأيضاً هناك أكثر من 450 عائلة يسكنون في البركسات التابعة للأونروا".

وحول برنامج الاستشفاء يوضح عبدو: "على صعيد التغطية الصحية في المستشفيات يشمل برنامج الاستشفاء صرف الأدوية المسجلة لدى الأونروا في برنامجها. أمَّا بالنسبة للتحويل الى المستشفيات فهو يقدَّر بـ 12 شخصاً كمعدل وسطي يومياً، في حين أن المستفيدين من صرف الدواء هم حوالي 450 شخصاً تبلغ كلفة طبابتهم 6500دولار شهرياً عبر تعاقد مع صيدلية الجليل".

 أمَّا عن واقع الإعمار فيقول: "للأسف ما زال الإعمار بطيئاً جداً، إذ إنه بعد أكثر من 6 سنوات لم يُستكمل إلا 30% من الإعمار ولم يعد من سكان المخيم إلا 565 عائلة أي اقل من ربع السكان، رغم أن التمويل المرصود يكفي لاعمار 52% من المخيم القديم، وأسباب التأخير كثيرة ومتعددة أهمها أسباب تعود الى الآثار التي ليس لها وجود أصلاً".

ويأسف عبدو لوجود تمييز بين فلسطيني وآخر، لافتاً إلى أن اللبنانيين المقيمين داخل المخيم القديم والجديد قد تم التعويض عليهم، في حين تُرِك الفلسطيني لبعض المؤسسات الإنسانية كي ترمي له الفتات.

ويضيف: "هناك أيضاً أكثر من 105 بيوت مهدَّمة كلياً ولا أحد يستطيع الإجابة عن مصيرها، إضافة إلى بعض البريمات التي لم يُسمح لأهلها العودة إلى بيوتهم فيها"، ويختم قائلاً: "إذا أوقفت الأونروا كل هذه التقديمات ماذا سيحل بأبناء المخيم، وإلى من سيلجؤون من أجل الإبقاء على كرامتهم لحين عودتهم إلى بيوتهم التي هدمت جراء حرب إرهابية ليس لهم أي علاقة بها.

 

معاناة أهالي البارد

الحاج أمين شحادة الشاعر من مواليد 1947، يسكن حالياً في كراج بعد أزمة البارد. لا يملك مصدر دخل سوى بسطة أقامها في مدخل الكراج الذي يسكنه لتقيه من الحاجة الى الغير، ولكنها لا تكفي لسد حاجته إذا ما اضطر لدفع الإيجار وتأمين بدل الاستشفاء ولقمة العيش إذا قطعت عنه الإغاثة، وهو اليوم يعيش ببقية كرامة، ولكنه يتساءل كيف يعيش إذا ما أوقفت الأونروا بدل الإيجار والإغاثة وتغطية الطبابة بنسبة 100%، فهل سيجد من يرحمه أو من يستضيفه لديه إذا رمى به صاحب المخزن في الشارع؟!، ومن أين يأتي بالمال لتأمين الطبابة؟!. ولكن الشاعر لم يفقد الأمل بعد، ولا زال يردد ويقول: "أعيدونا إلى بيوتنا، فنحن لنا حق لن نتنازل عنه أبداً وهو إعادة إعمار مخيمنا القديم".

أمَّا الشاب وائل ناصر سميح ياسين، فهو تلميذ بكالوريا ثانية يعيش مع أسرته في كراج في منطقة جار القمر بعد نكبة مخيم نهر البارد. والده يعمل بالبحر ويأتي برزق يسوقه الله إليه، ولكن اعتماد العائلة يبقى على بدل الإيجار الذي تدفعه الأونروا وعلى الإغاثة التي لا زالت تلتزم بها، وعلى تغطية الطبابة بنسبة 100%. غير أن وائل بات يتساءل الآن عن مصيره هو وإخوته الخمسة، وهم جميعاً طلاب وتلاميذ، عندما توقف الأونروا كل هذه التقديمات، في ظل عجز والديه عن تأمين السقف الذي يأويهم. حتى أنه يخشى حتى ان يحلم بشهادة البكالوريا التي يعد نفسه للتفوق بها من أجل اخذ منحة دراسية يتابع بها دراسته، في حال فقد المأوى ولقمة العيش والأمان الصحي من خلال الطوارئ التي تعتمدها الأونروا، مما قد يحرمه من  تحقيق ما يصبو إليه، ليصبح مستقبله ومستقبل عائلته في مهب الريح.

بدورها لا تخلو معاناة هدى أحمد عطية من الصعوبة، حيثُ أنها تعيش مع أخيها وعائلته الذي يعمل بالفاعل في كراج، وهي تعاني من حساسية وربو. ورغم أن الكراج غير صحي وسليم ولا يتناسب مع مرضها، فان العائلة تتحمَّل دفع زيادة على بدل الإيجار الذي يتقاضونه من الأونروا، علماً أن دخل رب الأسرة لا يكفي لسداد حاجيات أسرته الأساسية، فكيف به إذا بات مضطراً لدفع بدل الإيجار وبدلات الطبابة لأسرته وشقيقته وشراء الأدوية. هكذا تصف هدى معاناتها قبل أن تردف: "حسبنا الله ونعم الوكيل بهذه القرارات الجائرة التي اتخذتها مديرة الأونروا".

بدورها تسكن الحاجة عائشة إبراهيم إبراهيم في كراج في مخيم البداوي وهي أرملة ليس لها معيل تعتمد بشكل كامل على بدل الإيجار وعلى الإغاثة لتأمين الحد الأدنى من العيش بكرامة وبما يتناسب مع عمرها السبعيني. ولكنها اليوم أصبحت تسأل بمرارة حول سبب عدم التعويض عليها رغم أنها كانت تسكن في ملكها الخاص في نزلة التعاونية؟ وتتساءل أكثر: "لماذا لا يُراعى أصحاب الأملاك الخاصة المدمرة كلياً من تداعيات هذه القرارات الجائرة بحق أبناء البارد كلهم؟ وتضيف: "ماذا سيحل بي إذا نُفِّذت هذه القرارات ومن سيرأف بحالي وينظر بوضعي وأنا التي أسكن في كراج على خطوط التماس مقابل جبل محسن وعلى مقربة من المنكوبين؟ ومع ذلك فأنا راضيةً بالخطر ولكنني لن أرضى بأن ألقى على قارعة الطريق جراء قرارات ظالمة وغير إنسانية للسيدة آن ديسمور".