تحقيق: ولاء رشيد -  يواجه الفلسطيني في لبنان العديد من التحديات التي ليس آخرها عبء مواصلة التحصيل العلمي ودخول الجامعة. وفي خضم الوضع الاقتصادي المتردي، يجد الطالب الفلسطيني نفسه الأكثر تضرُّراً نظراً للفاقة التي يعيشها، في ظل غياب العديد من حقوقه المدنية والاجتماعية، وذلك كله بمعزل عن الارتفاع المستمر للأقساط الجامعية. ورغم الخطوات المشكورة المبذولة من قِبل عدة أطراف عبر منح أو مساعدات مقدَّمة لهم، فلا زالت بعض التحديات محدقةً بالطلاب لتشكل هاجساً يؤرقهم يومياً.

 

وضع استثنائي يفترض مساعدات استثنائية 

ولأن وضع الطلاب الفلسطينيين استثنائي من حيثُ عدم توفُّر جامعة حاضنة لهم، وفي ظل محدودية الاختصاصات التي يمكن للفلسطيني الالتحاق بها في الجامعة اللبناني الرسمية، لا يجد الطالب الفلسطيني حلاً أمامه سوى الالتحاق بالجامعات الخاصة، التي لا طاقة له على دفع أقساطها، ليقع في دوامة جديدة، تفرض عليه ظروفاً أحلاهما مر، فإما العمل والعلم معاً، وإما مضاعفة عدد سنوات الدراسة من خلال الاكتفاء بعدد محدود من الساعات الدراسية ليتمكن من دفع الأقساط. وهذا ما يوضحه مسؤول المكاتب الحركية ممثل دائرة العمل والتنظيم الشعبي لـ"م.ت.ف" في لبنان طالب الصالح، الذي يضيف: "لا شك أن الأوضاع الاستثنائية للطلاب الفلسطينيين في لبنان أوجدت حاجة للخروج بحل للتخفيف عن كاهلهم وكاهل أهلهم، حيثُ أن أوضاع أهاليهم المعيشية لا تسمح لهم بتأمين كلفة التعليم الجامعي لهم. لذا ومن أجل بناء جيل ذي كفاءة عالية ولفتح آفاق جديدة لتحسين ظروفهم، خاصةً أن لا جامعة متخصِّصة للفلسطينيين في لبنان، فقد تمَّ في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات تشكيل صندوق لتقديم المساعدات لأبناء كادر "م.ت.ف" وحركة "فتح" والحركيين والطلاب الفلسطينيين في الساحة نظراً للأوضاع الاقتصادية في لبنان، وقد استمر الأمر على هذا الحال حتى في عهد الرئيس أبو مازن، الذي كان يعمل على تأمين هذه المساعدات بأي شكل من أجل توفير الحد الأدنى من العلم للطلاب في داخل الجامعات. وكانت الآلية تقوم على تشكيل لجان لهذه المساعدات لتدرس حالة الطالب لتقديم المساعدات للذين لم يستفيدوا من مساعدات من أي جهة أخرى، بغض النظر عن السنة الدراسية. ولكن بسبب غياب التمويل وسوء الأوضاع الاقتصادية تم إيقاف هذه المساعدات بالتزامن مع تشكيل صندوق الرئيس محمود عباس لمساعدة الطالب الفلسطيني في لبنان عام "2010.

أمَّا حول آلية عمل هذا الصندوق وكيفية تأسيسه، فأوضح المستشار الثقافي لدى سفارة دولة فلسطين في لبنان مسؤول مؤسَّسة الرئيس محمود عباس ماهر مشيعل أن الظروف والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان، دعت لإنشاء هذا الصندوق لمساعدة الطلبة الفلسطينيين ورفع مستوى التحصيل العلمي لدى أبناء الشعب الفلسطيني دون أي استثناء أو تمييز لجهة الانتماء الحزبي أو الفكري أو العقائدي، وأضاف: "نحن نعي أن العلم لدى الشعب الفلسطيني هو سلاح بيده يشق به طريقه الظلم وصولاً للحرية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ومن هنا جاء قرار سيادة الرئيس بإصدار مرسوم في 22/8/2010، لتشكيل الصندوق وذلك بعد التشاور مع الاختصاصيين والجهات المعنية لضمان مسيرة هذا المشروع، وهكذا بدأت ترجمته في العام الدراسي 2010-2011.

ومؤخرَّاً تمَّ ضم صندوق الرئيس محمود عباس لمساعدة الطلبة الفلسطينيين إلى صندوق التكافل الأسري والتمكين الاقتصادي، وتمَّ توحيدها جميعاً تحت مسمَّى جامع هو مؤسَّسة محمود عباس وهي جمعية غير حكومية".

وحول مصدر تمويل الصندوق يقول مشيعل: "مصدر تمويل الصندوق هو تبرعات الشعب الفلسطيني في الداخل سواء أكان على مستوى القطاع العام أو الخاص أفراداً ومجموعات، والشركات المتعهِّدة بتقديم المساعدة بشكل سنوي، إضافةً إلى دعم جزئي من الحكومة، ولكن ما نفتخر ونعتز به هو الأسرى البواسل القابعين في معتقلات العدو الصهيوني الذين أبوا إلا أن يشاركوا في تمويل الصندوق بما يستطيعون من قوتهم اليومي، وفعلاً فهُم قد قدَّموا في العام الأول حوالي 120 ألف دولار، إلى جانب مساهمات كافة موظفي دولة فلسطين التي بلغت حوالي مليون دولار أمريكي، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عظمة الشعب ووحدته أينما كان".

وحول الشروط الأساسية المطلوبة للاستفادة من الصندوق أوضح مشيعل: "على المتقدِّم لطلب المساعدة الدراسية الجامعية هذا العام أن يتقدَّم ابتداءً من تاريخ 19/8 وحتى 15/ 10، وأن يكون لاجئاً فلسطينياً في لبنان، حاصلاً على شهادة الثانوية العامة اللبنانية بنجاح، وملتحقاً بجامعة على الأراضي اللبنانية معترف بها من وزارة التربية والتعليم اللبناني العالي، وغير حاصل على منحة أو مساعدة من جهة أخرى، هذا إضافةً إلى طلب يملؤه الطالب، ونأخذ بهذا الطلب كافة الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية من حيثُ دخل الأسرة وعدد أفرادها مقسومين على فئتين هما الفئة الجامعية والفئة المدرسية أو ما دونها، ومكان سكن الأسرة، والمدرسة التي تخرَّج منها الطالب، ومعدله في الثانوية العامة والتي يحل محلها فيما بعد معدله الفصلي في الجامعة، والحالة الصحية المستعصية في الأسرة إن وجدت، وهذه الأمور بالطبع تحتسب عليها نقاط محدَّدة في جدول معتمد من مجلس إدارة الصندوق والمجلس التمثيلي، وبناءً على هذه العوامل نحدِّد قيمة المساعدة الممنوحة من تكاليف الساعات الدراسية المعتمدة للتخصص دون ساعات التقوية أي الـRemedial، حيثُ أن المساعدة بشكل عام تتراوح ما بين 35% إلى 90% تعطى في بداية العام الدراسي، ويتم تجديدها حتى التخرُّج، وخلال هذه نكون على تواصل وتنسيق تام مع الجامعات، وتُرسل المعلومات لرام الله لاعتمدها وتحويل المبالغ للجامعات، ونحصل منها على إيصالات بالمبالغ، ونكرِّر العملية مرَّتين خلال العام الدراسي أي في الفصل الأول والثاني".

من جهة أخرى نوَّه مشيعل لضرورة حصول الطالب على معدل 2/4 GPA كحد أدنى لاستمرار المنحة، مشيراً إلى أنه في حال رسوب الطالب تتوقَّف المساعدة عن الفصل الذي رسب فيه، ولكنه يُعطى فرصة واحدة لتحسين وضعه الأكاديمي، وفي حال فعل تعود المساعدة مجدَّداً. أمَّا في حال قرَّر الطالب تغيير الاختصاص فيجب أن يُبلِغ مجلس الصندوق مسبقاً بذلك، وبدوره المجلس يوافق أو يرفض حسب الأسباب المقدَّمة له.

وحول التحديات التي يمكن أن تواجه الصندوق في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، وفي خضم التقليصات والتقشف الذي يسود المؤسَّسات والجهات المانحة للمنح والمساعدات، لفت مشيعل إلى أن صندوق الرئيس منذ تأسيسه يُقدِّم المساعدة لكل من يتوجَّه له مهما بلغ العدد، ولكن بنسب متفاوتة تبعاً للعوامل المذكورة سلفاً، ويعمل ضمن خطة مدروسة، حيثُ انه خلال الأعوام الثلاثة التي مضت على تأسيسه كان يوفِّر المساعدة لحوالي 700 إلى 800 طالب جديد من أصل 1200 طالب فلسطيني متخرِّج سنوياً.

أمَّا جديد الصندوق، فبعد خطوة العام الماضي التي تمثَّلت بمنح طلاب الجامعة للبنانية مبلغ 300 دولار لكل طالب ناجح ومستوفٍ للشروط، أعلن مشيعل عن قرار الصندوق هذا العام بمنح مساعدة الطلاب الذين التحقوا بمركز سبلين للتدريب المهني ويرغبون في استكمال دراستهم الجامعية، وهي خطوة تمّ الإعلان عنها من خلال زيارة وفد من الصندوق لمعهد سبلين.

من جهة ثانية، يؤكِّد مشيعل الرضا التام عن أداء المشروع من حيثُ الدِّقة والشفافية العالية المتَّبعة في العمل وعدم وجود أية مشاكل مع الطلاب، وما يتم لمسه من مسموعات طيبة وراحة موجودة لدى الطلاب وأهاليهم، ويضيف: "لا بدَّ أن نوجِّه الشكر والتقدير لسيادة الرئيس محمود عباس لدعمه الصندوق ومتابعته الحثيثة والدائمة لأوضاعه والحرص على نجاح المؤسَّسة ومضاعفة مواردها، كما نشكر جميع المساهمين في دعم الصندوق. كذلك فنحن نوصي إخواننا وأخواتنا الطلاب بأن يجتهدوا ويثابروا من أجل النجاح وعدم هدر المال، آملين من كل من أمكنه دعم هذا الصندوق أن لا يتوانى عن ذلك لأن مستقبل الطلاب يقع بين يديه".

 

طلاب علم ..ولكن

كل عام يحصل حوالي 1200 طالباً فلسطينياً على شهادة الثانوية العامة بنجاح. وبعدها ينقسم الطلاب بين قاصدٍ لسوق العمل أو منصرف للتعليم المهني، أو راغب في متابعة تعليمه الجامعي. وفقط عندما يظن الطالب الفلسطيني أن المرحلة الصعبة انتهت، تبدأ المشكلات بالتوالي عليه من كل حدب وصوب، أو هذا على الأقل ما تعرَّض له أحمد الذي تخرَّج عام 2011 من فرع الاجتماع والاقتصاد. وحول أبرز محطات معاناته يقول أحمد: "رغم أنني كنت من الأوائل في صفي في ثانوية الدكتور نزيه البزري الرسمية، إلا أنني حين تقدَّمت لشهادة الثانوية العامة،لم أحرز معدلاً عالياً، بل إنني حتى كدت أن أرسب. ويوم علمت بنتيجتي عرفت أن حظي لن يكون كبيراً في الحصول على منحة وخاصةً من الجهات التي تُقيم وزناً لعلامات الطلاب. لذلك ورغم رغبتي في دراسة إدارة الأعمال، إلا أنني توجَّهت مرغماً بسبب وضعنا المعيشي الصعب لدراسة الأدب الانكليزي في الجامعة اللبنانية. كنت أتمنى لو أنني نلت معدلاً عالياً فذلك كان ليساعدني ويرفع من حظوظي في الحصول على مساعدة بنسبة عالية من الأقساط. ولكن بمعدلي هذا علمت أنني لن أحصل على مساعدة، وحتى وإن حصلت فمن أين لي بالمبلغ المتبقي". هذا ولأحمد أربعة أشقاء وشقيقات لا يزالون في مرحلة الدراسة، في حين أن والد أحمد يعمل أجيراً لدى أحد أصحاب المحلات ويكاد لا يقوى على تأمين كافة احتياجات الأسرة.

أمَّا آية فقد تخرَّجت هذا العام من فرع الاجتماع والاقتصاد بدورها، ولكنها أحرزت معدلاً جيداً يخوِّلها اختيار التخصُّص الذي ترغب به. ومن هنا فقد قامت آية بالذهاب للسفارة حيثُ قدَّمت أوراقها بانتظار الرد. وحول أبرز الهواجس التي تؤرقها تقول: "أرغب في دراسة إدارة الأعمال في إحدى الجامعات الخاصة، وقد حظيت بقبول منها. غير أن ما يقلقني هو أنني لا أعلم قيمة المساعدة التي سأحصل عليها. ولكنني في كل الأحوال سأضطر للبحث عن عمل بدوام جزئي لأن المساعدة لن تغطي لي كافة تكاليف الجامعة، خاصةً أن أخي بدوره شارف على التخرُّج من الجامعة ويحتاج لكثير من المصاريف، وأبي لا يمكنه أن يدفع لكِلينا في الوقت ذاته، خاصةً أن الوضع الاقتصادي أثَّر على محل السمانة الذي يملكه، فلم يعد يحقق مدخولاً جيداً كما في السابق.

بدورها تعاني عبير من وضع اقتصادي متردٍ حيثُ أن والدها قد توفي حين كانت لا تزال في الخامسة من عمرها لتجد والدتها نفسها المعيلة الوحيدة لطفلين. ومن هنا لم يكن أمام والدتها سوى العمل في إحدى الروضات الخيرية، لتأمين قوت العائلة. وتشير عبير إلى أنها لم تتأثَّر هي أو شقيقها كمال بوضعهما الصعب، بل إنهما قرَّرا أن يساعدا والدتهما بأن يتفوقَّا في دراستهما ليتخرَّجا ويعملا ويساعدها، وتضيف: "وهكذا كان أن حصلتُ على درجة جيد جداً في علوم الحياة عام 2012، واخترت أن أتخصص في علم الأحياء Biology في الجامعة العربيةببيروت، فقصدت سفارة دولة فلسطين حيثُ قدَّمتُ أوراقي، وحصلت على مساعدة بنسبة جيدة. ولأنني واظبت على إحراز العلامات الجيدة استمرت هذا المساعدة. ولكنني في البداية كنتُ قلقةً لأنني لم أعرف كيف سأستطيع أن أوفر الكلفة المتبقية التي لا تغطيها المساعدة، إلى أن قرَّر أحد فاعلي الخير الفلسطينيين مساعدتي بعد عرف بوضعي وظروفي من إحدى صديقاتي، فتعهَّد أن يقدم لي بقية المبلغ إضافةً لأية تكاليف أخرى كأجرة الطريق والكتب وغيره. ولذا فأنا أوجِّه جزيل الشكر بدايةً لسيادة الرئيس محمود عباس لإتاحته لي هذه الفرصة لاستكمال تعليمي من خلال الصندوق الذي أسَّسه، فلولا هذا الصندوق لما تمكَّنت من مواصلة تعليمي، والاعتماد على نفسي لاحقاً. كما أتوجَّه بالشكر لكل من قدَّم لي المساعدة سواء أكانت معنويةً أو ماديةً، وبالأخص أشكر والدتي التي شكلت لي الدعامة دائماً والتي كانت الدافع الأساسي لمواصلتي لتعليمي".