طالب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، اليابان بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإننا ننظر إلى المواقف اليابانية باعتبارها عامل اتزان في الشؤون الدولية.

وأكد ابو الغيط، في كلمته أمام أعمال الدورة الأولى للاجتماع الوزاري للحوار السياسي العربي الياباني التي عقدت بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، برئاسة الجزائر الرئيس الحالي لمجلس جامعة الدول العربية، ومشاركة وزير خارجية اليابان تارو كونو ونظرائه العرب، أكد أن العالم العربي واليابان يتطلعان إلى نظام دولي مستقر، ومتوازن يعكس مبادئ العدالة والسلام والأمن الجماعي، ولا سيما أن المنطقتين، العربية وشرق آسيا، تواجِهان تحدياتٍ ذات طبيعة أمنية خطيرة وضاغطة، وهو ما يعزز الحاجة إلى إجراء مثل هذا الحوار بين الدول العربية واليابان للوقوف على تلك التحديات وبحث سبل التصدي لها من خلال تنسيق المواقف المشتركة في المحافل الدولية.

وقال أبو الغيط ما زالت القضية العادلة لشعب فلسطين سبباً رئيساً للتوتر وانعدام الاستقرار في الشرق الأوسط، وانه على الرغم ما يسعى إليه البعض من التذرع بإلحاح المُشكلات الأخرى بهدف ترحيل المسألة الفلسطينية إلى ذيل الأولويات، فإن هذه القضية تظل محل إجماع عربي كامل وصلب، وهي تتربع على قمة أجندة النظام العربي.

وتابع: التوترات التي شهدتها مدينة القدس الشرقية في شهر يوليو الماضي- بسبب استفزازات الاحتلال الإسرائيلي في الأساس- تذكرنا جميعاً بخطورة إهمال هذا النزاع التاريخي من دون تدخل دولي ناجز من أجل حله.

وأعرب أبو الغيط، عن آسفه لإمعان إسرائيل في الاستهانة بالإرادة الدولية الرافضة للإقرار بشرعية الاحتلال أو بقانونية المستوطنات، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صرح منذ أيام بأنه لن يسمح باقتلاع مستوطنة واحدة من الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين.

واوضح أن الحكومة القائمة في إسرائيل اليوم لا تعترف بحل الدولتين الذي يُمثل الأساس الوحيد المقبول من المجتمع الدولي لحل النزاع، وتقوم بتنفيذ أجندة جماعات الاستيطان وتكتلات اليمين التي تزداد تطرفاً يوماً بعد يوم، مشيرا إن ما يُثير الدهشة والاستنكار، أن تسعى الحكومة الإسرائيلية – التي تتبنى مثل هذه الأجندة المتطرفة- إلى تطبيع وضعيتها الدولية من خلال العمل الحثيث على الفوز بالعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن عن الفترة 2019-2020 ".

وتابع الامين العام، الأغرب أن تجد اسرائيل من يناصرها في مسعاها هذا، ويغض الطرف عن انتهاكاتها وإصرارها على إدامة احتلالها للأراضي الفلسطيني، مضيفا إن هذا المسعى يُعد سبباً للدهشة والاستنكار لأن إسرائيل نفسها لا تفوّت فرصة إلا وتنال من مصداقية المنظمة الأممية وحيادها ونزاهتها، بل ووصل الأمر إلى حد المطالبة بتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) التي تلعب دوراً حيوياً لا غنى عنه في دعم واسناد نحو 5 ملايين لاجئ فلسطيني.

وأعرب عن تقديره للدعم الياباني السخي للأونروا، داعيا إلى استمرارها في هذا النهج المسؤول، خاصة في ظل التحديات المالية المُحدقة بالأونروا والتي تؤثر على أدائها لمهمتها السامية، منوها إلى مبادرة "ممر السلام والازدهار" التي ترعاها حكومة اليابان في أريحا ووادي الأردن، والتي نحتفل اليوم بالذكرى العاشرة لإطلاقها والتي تهدف إلى إقامة تعاون إقليمي بين فلسطين والأردن وإسرائيل، وتحمل وعداً طيباً بإنعاش القطاع الخاص الفلسطيني في هذه المنطقة وذلك فضلاً عما تُقدمه الحكومة اليابانية من مساعدات مُقدرة ومعتبرة لدعم الاقتصاد الفلسطيني.

وقال أبو الغيط، إن الاقتصاد والتنمية، وأهميتهما في توفير الحياة الكريمة للفلسطينيين، لا يكفيان وحدهما كسبيل لتحقيق لاستقرار والازدهار في هذه المنطقة، مؤكدا أنه لا بديل عن التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة تضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع دولة إسرائيل، مشددا على أن نقطة البدء الصحيحة على طريق التسوية المنشودة تتمثل في إنهاء الاحتلال، وكل ما عدا ذلك استهلاك للوقت من دون طائل.

وأكد الأمين العام، أن إيجاد حل للأزمات العربية يحتاج انخراطاً متواصلاً من جانب المجتمع الدولي، خاصة وأن أغلب هذه الأزمات صارت له أبعاد عالمية وتبعات على السلم الدولي بمعناه الشامل.

وتابع أبو الغيط، إنه فيما يتعلق بسوريا فإننا نرى فرصة يتعين اغتنامها في مناطق خفض التصعيد التي جرى إنشاؤها عبر مسار الآستانة برعاية روسية"، معربا عن تطلعه لأن يفضي استقرار هذه الاتفاقات المحلية إلى تسوية سياسية شاملة في سوريا على أساس القرار 2254، بما يلبي تطلعات الشعب السوري، ويضمن وحدة هذا البلد واستقلاله وتكامل ترابه الوطني.

وأكد أبو الغيط أن آفاق التعاون بين العالم العربي واليابان واسعة وتنطوي على فرص كبيرة للجانبين، مشيرا إلى أن أوجه التعاون مؤخراً امتدت لتشمل مجالات تلمس المواطن العربي بصورة مباشرة مثل التعليم، لافتا إلى أنه بعد أيام من المنتظر أن تبدأ الدراسة في عدد من المدارس المصرية التي تعمل بالطريقة والاسلوب الياباني ووصل عددها إلى 28 والمأمول هو زيادتها خلال فترة قصيرة.

وقال أبو الغيط إن المصريين يراقبون هذه التجربة الفريدة بتقدير كبير للخبرة اليابانية المشهود لها في مجال التعليم، وبرغبة أكيدة في الاستفادة من هذه الخبرة ونقلها للبيئة المصرية، معبرا عن ثقته في أن التجربة قابلة للتعميم في مختلف أنحاء العالم العربي.

وأوضح أن آفاق التعاون العربي-الياباني لا ينبغي أن تقِف عند حدود الاقتصاد أو التجارة، أو حتى الثقافة والسياحة، بل يتعين أن تُترجم العلاقات التجارية والثقافية إلى تنسيق سياسي جاد ومستمر، معربا عن أمله في أن يكون هذه الاجتماع مُقدمة لتفعيله وتوسعة نطاقه ليشمل كافة القضايا التي تهم الجانبين "فالعرب واليابانيون يحتاجون لأن يسمعوا العالم صوتهما المُشترك في قضايا كثيرة تكاد تتطابق فيها رؤيتهم، وتتحد إزاءها مواقفهم."

وأكد أبو الغيط أن انعقاد فعاليات الدورة الأولى للاجتماع الوزاري للحوار السياسي العربي الياباني، يأتي في ظل تحديات هامة وخطيرة تشهدها المنطقة العربية ومنطقة شرق آسيا ، وعلى خلفية حالة من السيولة لا تخطئها عينٌ في قمة النظام الدولي.

وقال، إننا لم نكن في أي وقت أحوج إلى الحوار السياسي بيننا مما نحن اليوم، ونحن ننظرُ لليابان بوصفها شريكاً مهماً في قيادة المنظومة الدولية، ونستمع بإصغاء واهتمام لصوتها في القضايا الدولية، وننظر إلى المواقف اليابانية باعتبارها عامل اتزان في الشئون الدولية، ومُعبراً صادقاً عن معاني الإنسانية".

وأضاف أبو الغيط إنه لا يخفى أننا في العالم العربي لا ننظر لليابان فقط بوصفها قُطباً دولياً ذا وزن ومكانة، ولا حتى كعملاق اقتصادي وعلمي، وإنما نرى فيها تجربة مُلهِمة وقصة نجاحٍ فريدة طالما ألهبت حماس الأجيال الأولى من المُصلحين العرب الذين كانوا يبحثون عن وصفة للتقدم تمزج بين التجديد والتقليد، بين الأصالة والمعاصرة ، وقد وجدوا ضالتهم في نهضة اليابان الحديثة التي سلكت سبيلاً نادراً من المزاوجة بين الثقافة الوطنية والأخذ بأسباب الحداثة في تنظيم المُجتمع، حتى صارت مثالاً يُحتذى، ونموذجاً يجتهد الجميع لتكراره."

وتابع، لا زالت اليابان تُقدم للمنطقة العربية هذا الإلهام، ولا زالت صورة اليابان في الذهنية العربية تقترن بإنجاز المُعجزات العلمية والاقتصادية، ولعل أبرز هذه المعجزات وأكثرها إثارة للإعجاب والاحترام هو ما سطرته اليابان من نجاح باهر في الاعتماد على الإنسان كمحور لعملية التنمية وتوليد الثروة، وكغاية لهذه العملية في الوقت ذاته، مشيرا إلى أن الثروة الحقيقية لا تكمن في الموارد، مهما كثرت، ولا في الأرصدة البنكية مهما تزايدت، وإنما في البشر تعليماً واعداداً وتربيةً وثقافة.

وعبر أبو الغيط عن أمله في أن يتيح هذا الاجتماع فرصة طيبة للعمل على تطوير ودفع التعاون القائم بين اليابان والدول العربية ليشمل مجالات أكثر اتساعاً وعمقاً بما يخدم مصالح الجانبين.

وقال، إننا نُدعم الاستقرار والأمن في منطقة شرق آسيا ونتضامن مع القلق العميق الذي يُبديه المجتمع الدولي إزاء التجارب الصاروخية والنووية التي تقوم بها كوريا الشمالية، والتي كان آخرها الصاروخ الباليستي الذي أُطلق فوق جزيرة هوكايدو اليابانية، وشكل تصعيداً خطيراً وغير مسبوق أو مقبول ، بالإضافة إلى ما قامت به كوريا الشمالية من إجراء تجربة نووية سادسة مؤخراً.

وشدد الامين العام، على أن الطريق إلى الاستقرار والسلام الإقليمي في هذه المنطقة من العالم يمر عبر الالتزام بقواعد القانون الدولي، والامتناع عن سياسة التهديد والابتزاز، واحترام قرارات مجلس الأمن الصادرة في هذا الخصوص بما في ذلك قرار مجلس الأمن الذي اعتمد مؤخراً (2371 لعام 2017).

وقال أبو الغيط إن العالم العربي يمر بظرف استثنائي، إذ تواجه دوله حزمة مُركبة من التهديدات الخطيرة والمُشكلات المزمنة، ولا زال الإرهاب أخطرَ هذه التهديدات جميعاً، لأنه يضرب الأمن والنمو والمستقبل والتماسك المجتمعي في آن معا، مضيفا لقد رأينا كيف اتخذت الهجماتُ الإرهابية طابعاً عشوائيا ًوفردياً خطيراً، يوشك أن يجعل من العالم على اتساعه ميداناً لعملياته الدنيئة المُجردة من الإنسانية.