تحقيق/امل خليفة- وسط تشاؤم فلسطيني من العملية التفاوضية الجارية، وبغض النظر عن الموقف منها، إلا أن عملية الإفراج عن 26 أسيراً فلسطينياً جاءت كنقطة مضيئة وسط هذا الضباب الذي يلف عملية السلام. فإنهاء ملف أسرى ما قبل "أوسلو" كان لابد أن ينتهي من قبل عشرين عاماً.

ولا يخفى أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على عملية الإفراج مرغمة نتيجة ضغوط أميركية ثقيلة لا رغبةً في تحقيق السلام أو في إطار حسن نية، وإنما كجزء من لعبة سياسية تحاول فيها خلط الأوراق وإحراج القيادة ودفعها إلى اتخاذ موقف لتحميلها مسؤولية فشل المفاوضات. غير أن ذلك لا يمنع أن تكون هذه العملية مناسبةً للاحتفال والفرح بخروج شبان من حقهم أن يحظوا بحفاوة وترحيب كبيرين. غير أن الغريب في الأمر، كمن في رفض ومزايدة بعض الجهات الفلسطينية التي ترفض رؤية الجانب الإيجابي في عملية الإفراج خوفاً من أن يُحسب ذلك إنجازاً للقيادة الفلسطينية.

 

ملحمة الأسر

الأسير المحرَّر عصمت عمر منصور من قرية دير جرير قضاء رام الله، تحرَّر من الأسر ضمن صفقة الإفراج الأخيرة التي أقدمت عليها القيادة الفلسطينية، والتي تعتبر الأولى من أربع سلسلات من الإفراجات. عشرون عاماً من عمره قضاها خلف القضبان منذ 26/10/1993. أمَّا الذريعة التي أعُتِقل على خلفيتها، فهي الاشتراك في قتل مستوطن إسرائيلي في مستوطنة بيت ايل بالقرب من مدينة رام الله. ولكن الأمر من وجهة نظر منصور مختلف تماماً إذ يقول: "أولاً نحن نعتبر الاستيطان غير شرعي، لذا فالنضال حق مشروع في المقاومة ضد الاحتلال. ولكن هذه العملية ليست كما يصوِّرها الإسرائيليون على أنها عمل إرهابي، بل هي جزء من عملية النضال والمقاومة والدفاع عن حقِّنا في الحياة والحرية والاستقلال".

وأثناء فترة سجنه، تنقَّل منصور بين ما يوازي 15 معتقلاً  كان آخرها سجن نفحة، في حين كانت أطول فترة قضاها في سجن عسقلان حيثُ أمضى 7  سنوات متواصلة، وحول تنقله هذا يوضح منصور: "كنت في سنة واحدة أتنقَّل أكثر من ثماني مرات، فمسألة التنقُّل بين السجون تُتَّخذ كعقاب ضد الأسير على خلفية نشاطه داخل السجن وفعاليته للتصدي لسياسات الإدارة والمطالبة بالإجازات والمكتسبات التي تنكرها علينا. وهكذا كان يتم ارسال السجين إلى مكان بعيد عن مكان سكنه وأصدقائه ورفاقه".

أمَّا والدة الأسير، فعجزت عن وصف مدى فرحها بعودة ابنها، وعلقَّت بالقول: "منذ عشرين عاماً وأنا انتظر هذه اللحظة.  وبالطبع فالفرحة لم تقتصر علي وحدي، بل عمَّت البلد، وكان الإفراج عنه عرساً بمعنى الكلمة، إلا أن هذه الفرحة ستبقى ناقصة، وأنا انتظر باقي أبناء الشعب الفلسطيني الأسرى كي يتحرَّروا من المعتقلات الإسرائيلية. ولكن رغم أننا نعاني الأمرَّين منذ عشرين عاماً، إلا أنني نسيت معاناتي لحظة حضنت عصمت، ولن أحاول حتى تذكر تلك الأيام، بل سوف أفكر بالأيام القادمة، وكيف سأزوجّه وأرى أبناءه بين يدَي وفرحتي بعرسه ستكون كما فرحتي بالإفراج عنه، ولن اختار له العروس بل سوف اتركه ليختارها بنفسه".

ورغم أن لمنصور أربعة أشقاء وشقيقات، إلا أن زائريه كانوا يقتصرون على والديه فقط مرتين شهرياً، وذلك تبعا لحصولهما على التصريح بذلك من سلطات الاحتلال، حيثُ يوضح منصور: "اخوتي لم يحصلوا على تصريح خلال فترة سجني، لذا كان والداي فقط هما من يزورانني. وخلال فترة الاعتقال، كانت تزورني والدتي فقط، لأن والدي كان يعمل بالخارج. لذلك كانت صدمتي كبيرة عندما رأيت زوجات إخوتي وأولادهم وأخواتي وأولادهم، وبقيت أنا الأعزب الوحيد في الأسرة. ولكن هذا التضييق هو جزء من سياسات الاحتلال, ومحاولة التأثير على معنويات الأسير وردعه وإرهابه، في إطار إجراءات انتقامية أكثر منها قانونية، هي فقط للانتقام من الأسير والتنكيل بعائلته. فأمي وأبي كبرا في السن خلال فترة اعتقالي، وأصبحت الزيارة والسفر عبئاً صحياً متعباً لهما، خاصةً أن السجن الأخير الذي كنت فيه هو سجن نفحة الذي تستغرق زيارته حوالي يوماً كاملاً، بحكم مسافة الطريق، والانتظار على باب السجن وإجراءات التفتيش حتى خروج آخر زائر. وهكذا يعود الزائرون في أوقات متأخرة من المساء، ليجعلوا من الزيارة التي تُشكِّل فسحة للأسير للتواصل مع أهله وعائلته ومع العالم الخارجي، رحلةً محفوفة بالمعاناة والتعب والإرهاق".

 

معاناة حقيقية شديدة

وبسبب الخصوصية لا يعتبر الكيان الإسرائيلي الأسير الفلسطيني أسير حرب تنطبق عليه القوانين الدولية وحقوق الإنسان كما العالم بأجمعه، بل إنه وكدولة احتلال يعتبر الأسير مخرِّباً أو إرهابياً أو فرداً يشكِّل خطراً على أمنها، وعليه فإنها تفرض عليه القواعد والقوانين المجحفة بحقه التي تعتمد الأوامر والقوانين العسكرية المباشرة بحسب منصور الذي يضيف: "كنت اسمع من يتحدَّث عن معاناة الأسرى، وكنت أعتقد أنها مبالغٌ فيها، ولكنني بعد أن غدوت شاهداً حيَّاً عليها، عرفت أنها معاناة شديدة وحقيقية على كل المستويات لا تخلو من الضغط النفسي والمعنوي والجسدي. فالملاحقة تـبدأ بالتنكيل بالأسير الفلسطيني، فيُقدَّم كمخرب وإرهابي، وهذا بحد ذاته يكون له أثر سيء جداً على الأسير وتصويره أمام العالم وأمام الإسرائيليين وحتى أمام شعبه بهذه الصفة، وهذا الأمر يتبعه مجموعة من الإجراءات بحجة كونه مخرِّباً أي أنه ليس أسيراً سياسياً ولا جنائياً، فيستباح الأسير الفلسطيني بحيث لا يُخضَع للقانون الإسرائيلي، وهناك نظام معروف يسمونه (ايودوت) بالعبري وهو نظام الأوامر لقائد المنطقة العسكري، بمعنى أننا نعيش تحت أوامر قائد المنطقة أو وزير الدفاع وهذه الأوامر عبارة عن مجموعة من النُظم والقوانين التي تنسجم مع التعريف الذي يضعون الأسرى فيه، وبالتالي لا يتمتَّع الأسير بأية حقوق وقد يتأثَّر حتى بالإضرابات أو الحالة السياسية".

وحول الحركة النضالية والإضرابات الاحتجاجية، رأى منصور أن "نضالات الأسرى قد تراجعت بسبب حالة الترهل والانقسام الذي نعيشه وانعكست بشكل مباشر على السجون، في ظل عدم وجود حماية قانونية للأسير الفلسطيني الذي يخضع للأوامر المتغيرِّة في غياب أي رقابة على الأسرى من أية جهة قانونية بحيث يُكتفى فقط بالتقارير الصادرة عن إدارة السجون"، وأضاف: "هذا الأمر ينعكس على المستوى الحياتي والمعيشي. فالسجون تعاني من الاكتظاظ والإهمال الطبي الذي أدى إلى استشهاد أسيرَين تحت التعذيب، عدا عن ظروف التنقل بين السجون التي تسمى بـ"البوسطة"، وظروف البوسطة هي أصلاً كابوس، فمن يتقرَّر نقله من سجن إلى سجن أو للعيادة أو المستشفى، يتم تكبيله طوال الليل، ناهيك عن أن مقاعد السيارة التي يُنقل فيها صلبة ومؤذية، ولا يدخل السيارة لا ضوء ولا هواء. كذلك فالمعاملة تكون قاسية وفظة من قِبَل الفرقة التي تنقل الأسرى، بالإضافة للانقطاع عن الأهل وعدم وجود وسائل اتصال كافية ولا وسائل إعلام، وذلك لأنَّهم يحاولون حصر الأسير في أضيق خانة والتأثير عليه وعلى نفسيته من خلال هذه الإجراءات اللاإنسانية. ومن هنا وفي ظل هذه الظروف التي يواجهها الأسرى، فإنهم يحتاجون لدعم معنوي ولحالة سياسية مساندة ومواتية ولاستعداد دائم للمواجه، وهذه العوامل للأسف تتأثَّر كثيراً بالخارج. لذلك فرسالة الأسرى هي رسالة وحدة وطنية ومصالحة ودعوة إلى إنهاء الانقسام، لأن الانقسام أثَّر بشكل كبير على قضية الأسرى وصفقات تحريرهم وأيضاً أثّر على شكل ومستوى معيشتهم داخل السجون".

 

معارضون ومؤيدون للصفقة

"لكل ظاهرة أو قضية أو أي حدث معارضون ومؤيِّدون، وهذه مسألة طبيعية. لكن إذا ما نظرنا إلى الأمام أي إلى تطلُّعاتنا، فأملنا أن يتحرَّر جميع الأسرى وأن نراهم حالاً بيننا، وطالما ردَّد السيد الرئيس الأخ أبو مازن بأننا نريد الحرية لكل الأسرى ولن يهدأ لنا بال إلا إذا تحرَّر جميع الأسرى"، بهذه الكلمات يؤكِّد منصور أهمية هذه الصفقة التي أنجزتها القيادة الفلسطينية و"قامت بعدها الدنيا ولم تقعد"، بين مؤيدٍ ومعارض. وتعقيباً على هذا الموضوع يقول منصور: "فئة أسرى ما قبل اتفاق أوسلو اكتسبت خصوصية، لأنها دائما كانت مستثناة من كل دفعات الافراجات بحجة عدم وجود إمكانية لإطلاق المعتقلين الملطخة أيديهم بالدماء، وهو قانون وجزيئات خلفيتها عنصرية ابتدعتها إسرائيل. فالمتعارف عليه في الحروب والصراعات، أنه عندما تنتهي هذه الصراعات وتبدأ المفاوضات، من المفترض أن تُطوى هذه الصفحة، ويتم إطلاق سراح كل الذين اعتقلوا وأُسروا أثناء الحرب والصراع، ولكن هذا لم يحدث مع الأسرى الفلسطينيين، وإنما تمَّ إدراج الأسرى تحت فئة أسرى الدم، ما وضع هذه الفئة تحت الفيتو طوال عملية التفاوض التي استمرت لعشرين عاماً. أمَّا الآن فقد وضع  السيد الرئيس أبو مازن إطلاق سراح هذه الفئة من الأسرى كأولوية، وحقيقة الكل يؤيِّد الرئيس لأنه من الأجدر البدء بالأقدم ومن استثني طويلاً، ليس فقط لأنه سيتحرَّر، بل أيضاً لأنه سيفتح الباب وسيكسر الخطوط الإسرائيلية الحمراء والفيتو الإسرائيلي، وسيحطم المعايير الإسرائيلية للأبد. وفي الواقع أنا أُؤيِّد عملية المفاوضات الفلسطينية في الإفراج عن الأسرى، وهذه أول مرة يتم فيها إطلاق سراح أسرى بهذه الصفة وهذا يعتبر انجازاً حقيقياً. كذلك فالإسرائيليون عادةً هم من يضع أسماء الأسرى الذين يريدون إطلاقهم، بالاتفاق على الرقم فقط مع السلطة الفلسطينية، أمَّا هذه المرة فقد قدَّمت السلطة الوطنية للإسرائيليين قائمة وتمَّت الموافقة عليها. لذا فبرأي لهذه الصفقة ايجابيات متعددة، وصحيح أن الدفعة الحالية تتكون من 26 أسيراً فقط، ولكنها ذات دلالات عميقة وكبيرة الأثر في العملية التفاوضية بما يخص قضية الأسرى. فإلى جانب مسألة الاسماء، هناك مسألة أخرى ذات أهمية وهي أن هذه الصفقة واجهت الكثير من النقد والرفض من قِبَل الحكومة الإسرائيلية ومن قِبَل الكنيست، وكان هناك أعضاء كنيست ووزراء يدعون لعدم إتمام هذه الصفقة، بل إنهم حتى دعوا لاغتيال الأسرى وملاحقتهم وقتلهم بعد الخروج من السجون، ناهيك عن أن عائلات الجنود والمستوطنين الذين قُتِلوا من قِبل الأسرى ضغطت بشكل كبير على الحكومة الإسرائيلية لتمنع إطلاق سراحنا وبدأت مجموعات تتكوَّن وتطالب باغتيالنا في حال تم إطلاق سراحنا. وتحت هذا الضغط على الحكومة الإسرائيلية، أستغرب وبشدة موقف الفلسطيني الذي ينتقد هذه الصفقة وهمه الأكبر المزاودة من أجل غرض سياسي بحت، ونحن كأسرى نرفض أن تكون عملية إطلاق سراحنا مقايضة لأي شيء لا للاستيطان ولا غيره. فنحن ضد الاستيطان في ظل قيادتنا الفلسطينية قيادة منظمة التحرير، وكجبهة ديمقراطية، ونحن ضد تهويد القدس وضد إذلاله واحتلاله وضد جميع الممارسات التي تُطبَّق عليه، وبالتالي لم يتم إطلاق سراحنا ضمن مقايضة  أو لتشريع وتطبيق هذه الممارسات. وأنا أشكر السيد الرئيس باسمي وباسم كل المحرَّرين وباسم الأسرى الذين ينتظرون التحرير وباسم الأسرى الذين انبعث في نفوسهم الأمل من جديد ما بعد تحرير هذه الدفعة. لقد كانت هذه الفئة من الأسرى كحجر عثرة أمام كل الأسرى والمعتقلين، ولكن العثرة زالت وهذه الصفقة ستفتح الباب لإطلاق سراح باقي الأسرى، فإذا تم إطلاق سراح من هم أصعب ومن كان عليهم الفيتو الإسرائيلي باعتقادي بأن البقية أسهل وسيكون هناك أمل أكبر لإطلاق سراح الجميع. لذا فكل الشكر والتقدير للسيد الرئيس على هذا الموقف النبيل والوفي، ونحن ندعو السيد الرئيس للتماسك، والإصرار، والفخر بهذا الانجاز الذي ينبغي ألا نُقلِّل من قيمته وسيظهر لنا حجم هذا الانجاز لاحقاً. ولا بدَّ من التنويه إلى أننا نتعامل مع حكومة يهودية عنصرية لا تبدي أدنى استعداد للتقدُّم في عملية السلام، بل تعطلها، لذا وفي ظل الظروف العربية والدولية ونحن نرى ماذا يحدث حولنا، ولم يحدث حتى الآن انجاز من هذا النوع،  وهذا ليس رأيي وحدي وإنما  رأي جميع الأسرى الذين شاركوني وعائلاتهم وكل من فرح واحتفل بالأسرى يشاركني بهذا الرأي، ونأمل بالفعل أن يكون هذا الانجاز خطوة أولى لانجازات أخرى.

 

اثر الصفقة على معنويات الأسرى

لم يكن الاحتفال بإطلاق سراح الأسرى خارج السجون فقط وإنما الأسرى أنفسهم كانت لديهم مبرراتهم للاحتفال أيضاً  كما يقول منصور الذي يضيف: "كنا نتمنى أن يتم الإفراج  عن الجميع، خاصةً ان هناك أسرى قضوا أكثر من 30  عاماً في السجن، وهناك فئة المؤبدات وهذه الأخيرة كانت مستثناة من كل صفقة، ولكن رغم ذلك فحتى الأسرى الذين لم يُطلق سراحهم فرحوا من أجلنا، خاصةً أنه بمجرد أن تمَّت هذه الصفقة علم الجميع بإمكانية إطلاق سراح الباقين لأن مجرد موافقة الصهاينة على التفاوض لإطلاق سراحنا يعدُّ انجازاً بحد ذاته، وتحطيماً لكل القيود والإجراءات والاستثناءات التي كانت تضعها الحكومات الإسرائيلية على أسرى المؤبَّدات ومن تسميهم بأسرى الدم.

ولكن لا أحد يتخيَّل مدى فرحة وشعور الأسرى بالنصر عندما أُبلِغنا بنجاح الصفقة بعد ان كنا قد فقدنا الأمل، وآمنا في قرارة انفسنا بأننا لن نخرج أحياءً وإنما جثثاً هامدةً. لذلك فالمعنويات الآن في أوجها، وقد ازدادت الثقة بالقيادة الفلسطينية، وبمصداقية المفاوضات لدى الشارع والمواطن والأسير الفلسطيني. ونحن قد تعوَّدنا أن قضية الأسرى دائماً حاضرة على رأس الأولويات في سلم المفاوضات الفلسطينية".

 

وبدأ زمن الحرية

مشاريع ومخططات شخصية منها ووطنية تنتظر الأسير المحرر عصمت منصور لتحقيقها، وعن خططه المستقبلية يقول: "المشاريع كثيرة والإنسان يخرج من السجن وهو متعطش لكل شيء. وأنا لدي مشروع ثقافي، حيثُ أنني قمتُ بتأليف ثلاثة كتب وحصلت على بكالوريوس في الصحافة في السجن، وارغب في أن أوسِّع آفاقي واعمل  في مجال الأدب. وأيضاً هناك طبعاً مشروع الزواج وهو الأكثر أهمية، لأنه مشروع لكل إنسان، والكل يخطِّط لهذه اللحظة، لكن للأسف قد اضطر لتأجيل هذا الموضوع لحين إعادة التأهيل والتكوين والاستعداد بشكل جيد من الناحية المادية والنفسية. وبعد انجاز بعض هذه المشاريع، لدي أمل في إكمال دراستي الجامعية وأرغب في التخصُّص في الشؤون الإسرائيلية خصوصاً بعد أن تعلَّمت اللغة العبرية في السجن وأتقنت قراءتها وكتابتها، فهذا مجال أجد نفسي فيه ويمكِّنني من خدمة شعبي وقضيتي بشكل أفضل. فنحن الأسرى لا نخرج للتقاعد من السجن، بل نخرج من ميدان لميدان حيث الجوهر واحد والمكان هو المختلف".

أمَّا والد الأسير منصور فيقول: "كان شعوري لا يوصف حين علمت بالخبر، وقد كان من المستحيل خروجه من السجن ولم نكن نتأمل بهذا الخروج، لأن ولدي من الأسرى المعتقلين قبل دخول السلطة الوطنية. وفي كل مرة كنا ننتظر أن يُفرج عنه عبر الصفقات السابقة، كان أملنا يخيب بعدم خروجه، فقد وُعِدنا بأكثر من مرة أن اسمه سيكون ضمن الصفقة التالية، إلا أن الإسرائيليين كانوا يرفضون في اللحظة الأخيرة، وهذا كان يسبب لنا الأزمات المعنوية والجسدية ويشكل لنا ضغطاً نفسياً، وأنا اعرف تماماً معاناة الأهل في الزيارات إلى السجون ورؤية أبنائهم مكبلين أمام أعينهم والاضطهاد الذي كانوا يتعرَّضون له، وأنا اليوم أدعو الله تعالى أن يفرج عن الجميع وُيدخِل الفرحة إلى قلوب كل الآباء والأمهات كما ادخلها إلى قلوبنا. كذلك أقول لقيادتنا الفلسطينية إن البشر أهم من الحجر، لذا يجب أن يكون الأسرى هم الأولوية في كل شيء" .

 

العودة للحياة والولادة من جديد

حول تجربته بعد خروجه من السجن يقول منصور: "بدأت أتعرف إلى كل الأشياء من جديد، إلى عائلتي وأهلي، إلى والدي ووالدتي، حتى إلى الأماكن التي تغيَّبتُ عنها لأكثر من عشرين عاماً مجبراً، لم أكن أعرف حتى أسماء زوجات إخوتي وأزواجهم، فلم تكن الخمسة وأربعون دقيقة كل أسبوعين كافية لأعرف ما يدور هناك بالخارج، ثمَّ بدأت أتعرف إلى هذا التغير العمراني والمؤسَّساتي الذي طرأ بعد دخول السلطة الوطنية الفلسطينية، وحقيقة فعندما أريد الانتقال من مكان إلى آخر استعين بأحد من عائلتي أو احد من أصدقاء الطفولة. ولكنَّ الذي لم ولن يتغير أبداً هو حفاوة شعبنا العريق وقيادتنا العريقة، التي جعلتنا ننسى المعاناة الطويلة منذُ لحظة وصولنا. وصحيح أننا قد نجد صعوبة في التعرُّف إلى الأماكن بعد هذه المدة، ولكننا لن نجد أية صعوبة بالتمسُّك بالهوية والثوابت الوطنية، وستبقى البوصلة ثابتة تجاه شعبنا وحقوقه". بهذه الكلمات أنهى الأسير عصمت منصور حديثه دامعاً متمنِّياً الإفراج العاجل عن كافة الأسرى داخل سجون الاحتلال والنصر القريب لأمتنا العربية والإسلامية وإنهاء الانقسام الفلسطيني.