تحقيق/ منال خميس- على وقع التغيُّرات الحادة والحراك السياسي المضطَّرب في جمهورية مصر العربية، وعلى وقع الأمن الهش في شبه جزيرة سيناء، الجارة الأقرب لبوابة غزة الجنوبية، تواصلت في الأيام الأخيرة المسيرات وتصاعدت لغة الخطابات والهتافات، وارتفعت بعد صلاة الجمعة في مدينة رفح الحدودية الجنوبية اللافتات التي تحمل صوَرَ الرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي، واستعرضت كتائب القسام الجناح المسلَّح لحركة حماس قوَّتها، وارتفعت الأصابع التي ترفع شعار "رابعة" تضامناً مع إخوان مصر.

 

تدخلات حماس بمصر غباء سياسي

فيما رجح البعض أن تكون هذه الخطوة محاولة من حماس لترك أثر حمساوي واضح يؤكِّد سيادة الأيديولوجيا، رأى مُحلِّلون أنها محاولة لتوجيه الذائقة السياسيّة لدى السكان للتعاطف مع الوضع المصري.

أمَّا عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية رباح مهنا فقد قال معلِّقاً "للقدس": "التدخل في الشأن المصري هو عدم إدراك للواقع المعقَّد، وهذا قد يكون مبرراً للمزيد من تشديد الخناق على غزة، وهذه السلوكيات الغبية بالمعنى السياسي تؤدي إلى مثل هذا الحصار". وطالب مهنا حماس بحصر اهتمامها بالشأن الفلسطيني، وتجنيب سكان قطاع غزة ويلات بدأت آثارها تتجلَّى بشح الوقود، والمواد الغذائية، والأدوية، وعدم السماح بإدخال حالات مرضية خطرة للعلاج في مشافي مصر.

من جانبه أكد الناطق باسم حركة "فتح" في قطاع غزة الدكتور فايز أبو عيطة "للقدس" أن ما يحدث في مصر شأن داخلي، وأضاف: "علينا أن نترك الأمور تسير في مصر باتجاه الحل بعيداً عن التدخلات من جانبنا أو من جانب غيرنا، ويجب أن نسعى لتجنيب شعبنا الفلسطيني أي انعكاسات سلبية لما يحدث هناك".

وكانت حركة حماس قد أصدرت بياناً أكَّدت فيه التزامها بموقفها الثابت بعدم التدخل بالوضع الداخلي لمصر مما يعكس مدى التناقض ما بين النظرية والتطبيق في سياستها.

 

تدابير مصرية تُضيِّق الخناق على غزة

هذا وعلى وقع أصوات التفجيرات التي تعيشها مدينة رفح، جرَّاء تفجير وإغلاق الأمن المصري المتواصل للأنفاق الحدودية على طول الشريط الحدودي لمدينة رفح، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر عسكري في الجيش المصري أنه "تم تدمير 805 أنفاق على الحدود مع غزة خلال ثلاثمائة يوم". وبشكل أكثر تفصيلاً، أعلن المتحدِّث العسكري للقوات المسلَّحة المصرية العقيد أركان حرب أحمد محمد علي أن الحملات الأمنية التي تقوم بها عناصر القوات المسلَّحة والشرطة في سيناء بالتعاون مع قوات حرس الحدود تمكَّنت من اكتشاف وتدمير 343 نفقاً على الشريط الحدودي بمنطقة رفح، حيثُ بلغ إجمالي الأنفاق التي تمَّ تدميرها خلال الفترة الممتدة ما بين 30 تموز إلى 20 آب حوالي 520 نفقاً، إضافةً إلى تدمير 62 بيارة وقود بإجمالي سعة تخزين تقدر بحوالي 3.23 مليون لتر سولار وبنزين، وضبط 49 عربة، و5 دراجات بخارية تستخدم في تهريب البضائع عبر الأنفاق.

أمَّا على صعيد حركة التنقُّل، فبعد أن كانت مصر قد أغلقت معبر رفح عقِب مقتل 25 جندياً مصرياً في رفح المصرية لدواعٍ أمنية، فقد تمكَّن أخيراً قرابة ألف فلسطيني من المرور عبر معبر رفح البري الذي أُعيد فتحه يوم السبت 24/8/2013 لأربع ساعات وفق آلية تشغيل جديدة أعلنتها مصر تقضي بفتحه أربع ساعات يومياً ما عدا الجمعة. وأوضح مدير الجانب المصري في معبر رفح اللواء سامي المتولي ان إجمالي المسافرين الفلسطينيين بهذا اليوم بلغ 950 عبروا في كلا الاتجاهين.

وكان قطاع غزة قد تعرَّض إلى حصار إسرائيلي مُحكَم، عقب سيطرة حماس بالقوة المسلَّحة على مقاليد الحكم عام 2007. ورافق هذا الحصار رفض النِّظام المصري في عهد الرئيس السابق حسني مبارك فتح معبر رفح بصورة طبيعية، واشتراطه ذلك بإنهاء الانقسام. ولكن حماس تنفَّست الصعداء، بعد فوز مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي في الانتخابات المصرية، أملاً بانفتاح قطاع غزة بشكل كامل على العالم الخارجي عبر مصر. ولكن الرحيل المفاجئ للرئيس مرسي، بعد عام فقط من حكمه، شكَّل إرباكاً كبيراً لتطلعاتها.

 

خطوة هنية تثير الجدل

وفي أجواء حذرة تتعلَّق بالشأن الفلسطيني الداخلي، شكَّلت دعوة رئيس حكومة حماس في قطاع غزة اسماعيل هنية للفصائل الفلسطينية المشاركة في إدارة حكم قطاع غزة مفاجأة غير متوقَّعة، حيثُ أن كل المؤشّرات بحسب المحلِّلين، تدفع بحماس للهروب إلى الأمام والتوجُّه نحو بوابة المصالحة الداخلية وانهاء الانقسام.

من جهته، رأى د. أبو عيطة أن المشكلة لا تكمن في إدارة غزة أو غيرها من الأراضي الفلسطينية، وأوضح: "المشكلة الحقيقية هي في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. فالمطلوب من حماس الالتفات فوراً إلى تنفيذ اتفاق المصالحة. أمَّا البحث عن مبادرات جديدة والمفاوضات حولها، فسيُطيل أمر الانقسام، إضافة إلى أن التوافق على إدارة قطاع غزة ليس حلاً للأزمة، ولكن الحل الفعلي هو انهاء هذا الانقسام وأن يستعيد شعبنا وحدته لمواجهة كافة التحديات الإسرائيلية التي تستهدف وجوده ومقدساته وحياته".

أمَّا عضو المكتب السياسي لحزب الشعب وليد العوض فاعتبر أن دعوة هنية تفتقر إلى الجدية، معلِّقاً "للقدس": "الأصل في هذا الأمر أن يتم الجلوس على طاولة مُشترَكة تضم الجميع وبحث سُبُل هذه المشاركة. فنحن في حزب الشعب الفلسطيني نرى أن هذه الدعوة يُمكن أن تصوِّر أن إدارة القطاع يمكن أن تتم بمعزل عن الكيان الفلسطيني، وهذا يُؤكِّد الانقسام ويزيد من تعقيدات إنهائه، وبالتالي فهذه المسألة يجب أن تُبحَث في إطار تنفيذ اتفاق المصالحة وليس في قطع الطريق على تنفيذ الاتفاق أو على حسابه".

وتابع العوض: "حماس في مأزق وهذا ينسحب على مُجمَل الوضع الفلسطيني وخصوصاً بعد التغيُّرات التي حدثت في مصر والمتوقَّع أن تحصل في المنطقة العربية، والخروج من هذا المأزق يَفترِض العودة مجدداً إلى مسار المصالحة، وتطبيق روح اتفاقاته إن لم يكن بالإمكان تطبيقه بحيثياته التي تم الاتفاق عليها في 2011". وأضاف العوض: "نحن في حزب الشعب نقترح أن يتم تشكيل مجلس تأسيسي للدولة الفلسطينية بمشاركة المجلس التشريعي والمركزي والشخصيات المستقلَّة لإدارة المرحلة الانتقالية تمهيداً لإجراء الانتخابات العامة الوطنية والتشريعية والرئاسية".

فيما رأى عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي محمود الزق في دعوة هنية رسالة صادمة وبائسة، موضحاً موقف جبهة النضال بالقول: "نحن حتى لا نفكر بتلبية الدعوة، إذ إنه في هذا الملف ليس مطلوباً أن تشارك القوى السياسية في حكومة غزة، لأن هذا لا يتعدَّى كونه محاولة لتجميل حكم غزة بتلوينه بالفصائل الأخرى. غير أنَّنا كنا ننتظر من هنية مبادرة شجاعة تقترب من الهم الأساسي، وتعلن موافقة حركته على تشكيل حكومة توافق وطني وانتخابات وطنية، ولكنه للأسف الشديدلم يقترب من الجوهر بل حاول تجميل هذا الانقسام الأسود".

وحول تعنُّت حماس فيما يتعلَّق بملفات المصالحة قال الزق: "حماس حتى هذه اللحظة للأسف الشديد التصقت بالايديولوجيا وارتبطت بمنظمة الإخوان الدولية من حيثُ المرجعية على حساب المصلحة الوطنية وهذا هو الخطأ الجوهري الذي ارتكبته ولازالت، لذا فالمطلوب منها أن تُدرك بأن لا عمق ولا مرجعية لشعبنا سوى فلسطين".

بدوره رأى مهنا في هذه الخطوة تكريساً للانقسام، وأكَّد رفض الجبهة الشعبية لها وأضاف: "نحن رحَّبنا وأيَّدنا فقط دعوة هنية إلى إجراء انتخابات بلدية وتشريعية ونقابية وطلابية، لأننا نرى في ذلك خطوة نحو تفعيل مؤسَّسات المجتمع الشعبية وجعلها ديموقراطية، واعتبرنا ذلك خطوة في طريق إنهاء الانقسام، والحل بالاتفاق على برنامج سياسي يضمن وحدة الموقف السياسي الفلسطيني وكذلك تفعيل الإطار المؤقت لمنظمة التحرير". وتابع مهنا: "الشعب الفلسطيني يواجه الكثير من التحديات إن على صعيد المفاوضات أو الممارسات الإسرائيلية وغيرها، لذا فالحل هو التوحُّد حتى نستطيع الخروج من هذا الوضع، فشعبنا مرَّ بأقسى من هذه المراحل ولكن بوحدته استطاع أن يجتاز الصعوبات".

ولكن أستاذ التاريخ في جامعة الأزهر الدكتور أسامة أبو نحل يرى أن الأوضاع فلسطينياً ستبقى كما هي، ويوضح: "المصالحة مازالت بعيدة لأن قبول حماس للمصالحة بالوقت الحالي يمثِّل إقراراً بالهزيمة وهذا ما تتحاشاه قدر الإمكان"، مؤكِّدا ًأن الشعب لن يثور ضد حكم حماس في قطاع غزة، وأن الرهان على ذلك خاسر. ومضيفاً: "الوضع بالمنطقة مرتبك، وحماس فقدت أنصارها في سوريا، وحزب الله، ونوعاً ما إيران، وخسرت وجود حليف قوي هو الإخوان في مصر، ولكن هذا ليس معناه أنها فقدت سيطرتها على غزة، وغزة أساساً ًليست دولة، ولكن الناس لن تخرج ضد حماس لأن النتائج معروفة، وهي العودة إلى مربع الدم الذي لا يريده أحد".

واستطرد د. أبو نحل بالقول: "إذا دعت حماس الفصائل للمشاركة بإدارة الحكم بغزة فالفصائل على الرغم من أنها بلا وزن كبير سترفض ذلك، لأن في ذلك شرعنة للانقسام من جهة، ولأن تلك الفصائل مرتبطة بمنظمة التحرير ولن تشارك بحكومة غزة بمعزل عن الضفة الغربية التي تمثِّلها المنظمة من جهة أخرى".

ولفت د. أبو نحل إلى أن مجمل الوضع الفلسطيني الآن في ورطة، وليس حماس وحدها، وأضاف: "حماس لن تدفع ثمناً غالياً وتندفع نحو المصالحة، حتى إذا كانت تعاني الآن من مضايقات مالية أو غيرها، لأن هذه الأمور مؤقتة وحماس تستطيع تدبير أمورها وستتصالح لاحقاً مع حلفائها لتستعيد الدعم، وهي عملياً لن تستطيع الانسلاخ عن جلدها".

 

غزة غير مستثناة من الانتخابات

وعلى صعيد آخر، زعمت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي في تقرير لها، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعتزم الإعلان عن إجراء انتخابات عامة وحث حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة على المشاركة فيها أو إعلان القطاع إقليماً متمرِّداً في حال رفضها المشاركة في هذه الانتخابات. وزعم محلَّل القناة للشؤون العربية ايهود ايعاري، نقله عن مسؤولين في السلطة الفلسطينية قولهم إن "الرئيس محمود عباس سيتَّخذ خطوات أكثر دراماتيكية قريباً وأنه ماضٍ في الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة". وأضاف: "إن هذه الخطوة تأتي لتحدي حركة حماس"، مشيرين إلى أن "الرئيس عباس سيطلب من لجنة الانتخابات المركزية طرح فكرة إجراء الانتخابات على حماس بغية استطلاع موقفها، وفي حال رفضها سيعلن عن إجراء الانتخابات في الضفة الغربية وحدها واعتبار قطاع غزة إقليما متمرداً أو ان السلطة الفلسطينية ستعيد النظر في تحويل الأموال التي تُقتَطع من الموازنة العامة، وتبلغ قيمتها 49 إلى 52% من إجمالي موازنة السلطة، إلى قطاع غزة".

ولكن الرئيس محمود عباس شدَّد على "ضرورة تحقيق المصالحة الفلسطينية قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية". وقال في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الفرنسي الذي زار رام الله بعد ظهر السبت 24/8/2013، رداً على سؤال حول الذهاب لإجراء الانتخابات في الضفة في حال رفضت حماس إجراء الانتخابات إنه "لا بدَّ من أجل الانتخابات أن تكون هناك مصالحة". وأضاف: "هذه المصالحة لها ظروف وشروط لا بد من الاتفاق عليها، وبعد ذلك نحن جاهزون للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني أيضًا".

ومن ناحيته، أكد أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" أمين مقبول أن الانتخابات حق أساسي للشعب الفلسطيني لا يجوز ولا يحق لأي فصيل مصادرته أو رهنه بأجندات حزبية أو خارجية.

وقال مقبول في حديث خاص بـدائرة الإعلام والثقافة التابعة لحركة "فتح"، لدى زيارته إلى غزة "نحن مُصِّرون على الذهاب للانتخابات ونأمل أن نتفاهم على هذا الأمر مع جميع القوى بما فيها حماس"، وأضاف: "إن الانتخابات التي ننشدها ونسعى لها تجرى في الضفة وقطاع غزة والقدس والشتات"، وردَّاً على سؤال حول ما إذا كانت هناك خيارات أخرى لدى القيادة الفلسطينية في حال رفضت حماس الانتخابات، قال مقبول: "لم نسمع من حماس أنها ترفض الانتخابات، لكن إذا سمعنا ذلك، فربما نلجأ في حينه لخيارات صعبة ومؤلمة نأمل ألا نصل إليها". ونفى مقبول أن يكون من بين هذه الخيارات إعلان قطاع غزة إقليماً متمرِّداً، مؤكِّداً أن ما تم الحديث عنه بهذا الصدد لا يمثِّل القيادة الفلسطينية، وأنه لم يناقش هذا الموضوع على طاولة القيادة في اللجنة المركزية أو المجلس الثوري.

وتعقيباً على تلك الأخبار، أكَّد عضو اللجنة التنفيذية لـ"م.ت.ف" تيسير خالد في بيان وصل "القدس" نسخة عنه، أن اللجنة التنفيذية للمنظمةلم تناقش إمكانية إجراء انتخابات رئاسية أو تشريعية لا يُشارك فيها المواطنون في قطاع غزة، ولفت إلى أن استعجال الخلاف حول الانتخابات هو أمر سابق لأوانه ولم يُطرح على جدول أعمال اللجنة التنفيذية، مشدِّداً على أن الانتخابات لا يمكن أن تجرى مع استثناء قطاع غزة أو أي طرف من الأطراف، ومؤكِّداً أن موقف "حماس" من الانتخابات "يعود بالضرر عليها ويقدمها للرأي العام الفلسطيني على أنها تتعامل مع الممارسة الديمقراطية كما لو كانت حقاً للمواطن لمرة واحدة أو صوتاً واحداً للناخب الواحد ولمرة واحدة فحسب".