خاص مجلة "القدس" الاصدار السنوي 333 كانون ثانٍ 2017
تحقيق: عدي غزاوي
منذ احتلال فلسطين العام 1948 وما زال الاحتلال الإسرائيلي يحاول الاستحواذ على جميع الأراضي الفلسطينية تحت مختلف الحجج والذرائع الواهية، ما جعل العديد من البلدات والقرى تواجه خطراً دائماً بمصادرة أراضيها ومن بينها بلدة سلواد.
قصةُ سلواد مع الاحتلال الإسرائيلي
لطالما اشتهرت بلدة سلواد بجمالها وغناها بالمزروعات. ولكنَّ قصتها مع الاستيطان بدأت مع احتلال باقي فلسطين التاريخية العام 1967. وحول وقائع استيطان القرية قال رئيس بلدية سلواد عبدالرحمن صالح لمجلّة "القدس": "منذُ اليوم الأول لاحتلالها، خاضت سلواد مواجهةً مباشرة مع قوات الاحتلال، وقدَّمت للوطن 61 شهيداً منذ العام 1967 إلى يومنا هذا، وهناك آلاف الأسرى الذين اعتُقِلوا لدفاعهم عن قريتهم سلواد".
وأضاف: "بداية الاحتلال كانت بسيطرة الجيش الإسرائيلي على نقطة عسكرية أردنية كانت في المنطقة ومقامةٌ عليها الآن مستوطنة يدعونها (عوفرا)، ووفقاً للقانون إسرائيلي ممنوع أن يكون عليها سوى جيش الاحتلال، ولكن لأنَّ الجيش والمستوطنين يتبادلون الأدوار دخل المستوطنون، واستوطنوا هذه المنطقة التي تقارب مساحتها 2000 دونم، واسمها الأصلي المزارع وخالة السلطان وهي مشهورة بالزراعة، فهي تضم مناطق جبلية كان يُزرَع فيها العنب والتين وأخرى سهلية يُزرَع فيها العدس والحمُّص والخضراوات. وبعد استيلاء الجيش على المنطقة دخلها المستوطنون خلال سنتين، وبدأوا ببناء بيوت متحركة، وقد حصلت بيننا وبين المستوطنين مواجهات كثيرة، وارتقى نحو 25 شهيداً، وهذا العام ارتقى 7 شهداء في المنطقة".
وتابع: "واصلوا استكمال مشروع التوسيع، وفي العام 1996 سمّوا أحد الجبال عامونا، وجاء 3 مستوطنون مع كرافانات، فأخلاهم جيش الاحتلال في الأسبوع الأول، وبعدها شُقَّت طرق في الجبل، وبدأت تحدث مواجهات بين جيش الاحتلال والمستوطنين حتى العام 2006 حيث جاء نحو 20 مستوطناً مع بيوت متنقّلة وحدثت بعدها مسرحية مواجهات استمرت 10 أيام ليعلن الجيش بعدها فشله في طرد المستوطنين، وبنوا 40 "براكساً" بعدها، وكردة فعل ذهبنا للمسار القانوني، فرفعنا قضية عليهم في محكمة العدل العليا الإسرائيلية واستمرَّت بجلساتها ومرافعاتها لسنة 2014، وصدر قرار بإخلاء المستوطنة التي يُسميها الاحتلال (عامونا) بدون استئناف على أن يحدث هذا الإخلاء في 25/12/2016، وحين اقترب موعد الإخلاء التفوا على القرار، وقالوا إنّ هناك 34 قطعة أرضٍ متروكة، ولأنّها متروكة ستُمنَح للمستوطنين إن لم نجلب الوثائق خلال 10 أيام، مع العِلم أنّ هذه الأراضي هي مملوكة لأشخاص، وقد أحضرنا الوثائق الخاصة بالأراضي، باستثناء قطعة واحدة مساحتها 5 دونم قالوا إنَّ أوراقها ناقصة، فاستولى عليها الاحتلال، وقد خسرنا خلال عملية المصادرة 2000 دونم أصبحت منطقة عسكرية مغلقة، وبالتالي عاد المستوطنون من نفس الباب تحت حماية الجيش".
الأراضي المتروكة أهداف إسرائيلية
يشير صالح إلى أنَّ إسرائيل تسيطر على الأراضي من خلال قانون الأراضي المتروكة الخاص بها، حيثُ يُنصَّب مسؤول عن أملاك الحكومة والأموال المتروكة في منطقة الضفة الغربية، ويتعاملون بموجب قانون إسرائيلي محدَّث حيثُ كان هناك قانون لأملاك الغائبين في العام 1967 للمهاجرين عن أرضهم، ويضمن هذا القانون للاحتلال السيطرة على الأراضي المتروكة بدعوى أنَّ لا مالك لها، فيقوم الاحتلال بإبلاغ البلدية بأنّه سيقوم بالسيطرة على الأرض إذا لم تُقدَّم وثائق الثبوتية، مع أنَّ الاحتلال يملك تلك الوثائق بالأصل، ولكنه يحاول السيطرة على الأرض بأيِّ وسيلة.
ويضيف: "مَن يسمع أننا استطعنا تأمين جميع أوراق الأراضي المهددَّة بالمصادرة خلال 10 أيام يظن أنَّ الموضوع سهل، لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، فقد عِشنا أياماً صعبةً في محاولة الوصول إلى أصحاب الأراضي الذين يعيشون خارج فلسطين، وكنا نعمل 24 ساعة في اليوم كي نؤمِّن الوثائق بأسرع وقت لئلا تُصادرَ الأراضي. وبدورهم عاش أصحاب الأراضي مسلسل رعب من فكرة استحواذ إسرائيل على أراضيهم، وأجريتُ العديد من المكالمات للوصول إلى الوثائق، ومَن كان يتقاعس في تأمين الأوراق كنت أُذكِّره أن تقصيره خيانة لأرض الوطن، ومن القصص التي يجدر ذكرها أنَّ شخصًا قَدِم من أمريكا إلى فلسطين خلال 48 ساعة مُحضرًا معه جميع الأوراق المطلوبة بعد أن أخبرته أن أرضه ستُصادَر، وآخرٌ يعيش في الأردن لم يستطع الوصول لامتلاكه جواز سفر أردني فقط، فأرسلتُ له كاتب عدل من القدس معتمَداً لدى سلطات الاحتلال أنهى معه كل الأمور والوثائق القانونية، علماً أنَّ لدينا 5204 دونم أغلبها في المنطقة "ج" الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، لكن مساحة سلواد 18,800 ونحن عازمون على الحفاظ على كل متر من أرضنا".
الاقتراب من الأرض ممنوع تحت طائلة الموت!
يمتلك صالح 11 دونماً من الأراضي لكنَّه لا يستطيع الوصول إليها لوقوعها ضمن المنطقة العسكرية الإسرائيلية المغلقَة، وحول ذلك يقول: "إذا حاولتُ الاقتراب من أرضي سيتم إطلاق النار علي أو اعتقالي، وبسبب هذه السياسة أصبحت الأراضي خرابًا رغم شهرتها قديمًا بالعنب والتين والزيتون والقمح والعدس وغيره، فهي مهمَلة ليس منذ الـ1996 بل منذ العام 1967 لصعوبة الوصول إليها، ولو أنّك ترى جذع شجرة التين ستبكي عليه، لقد أصبح يابساً والقوارض نهشت جزءًا كبيراً منه، وبعد أن كان في الأرض أكثر من 50 شجرة تين و200 شجرة عنب أصبح ما تبقّى من الشجر اليوم مُتهالكاً. حتى أن سلواد نفسها كانت تشتهر بكثرة باليقطين والعنب والتين بصنوفه، أمّا اليوم فباتت هذه الثمار نادرة".
ويردف: "آخر مرة زرتُ فيها أرضي في العام 2013 خلال شهر رمضان، وكان التين ينضج وقتها، وأذكر تمامًا تلك اللحظة وأنا أقوم بالتقاط التين لتناوله على الإفطار، وفجأة وأنا على رأس الجبل رأيتُ ثلاثة جنود ينزلون من جيب عسكري، ويبحثون عني بعد أن رأوا سيارتي بمحاذاة الشارع، وعندما نزلتُ حذّروني من العودة ثانية لأرضي، وقد حصلت أكثر من حادثة قتل لفلسطينيين في المكان، ومنهم امرأتان إحداهما من سلواد والأخرى من عين يبرود أُطلِق النار عليهما لدى اقترابهما من الأرض المحظورة".
الدفاعُ عن الأرض مفتوحٌ على عدة جبهات
ينوّه رئيس بلدية سلواد لخوض أهالي البلدة حراكاً قانونياً جاهداً للدفاع عن أراضيهم، ويوضح ذلك قائلاً: "حراكنا القانوني يتم عبر وزارة الدولة لشؤون الجدار والاستيطان التي شكَّلها سيادة الرئيس محمود عبّاس والتي أبدت تفاعلاً مع القضية، وهم في تواصل دائمٍ معنا وعلى اطّلاع دائم بما يجري، ومن خلال نحو 7 محامين أثبتوا جدارتهم في هذا المساق بالإضافة إلى حركة "السلام الآن" (حركة إسرائيلية ناشطة تدافع عن حقوق الفلسطينيين)، والنواب العرب في الكنيست الذين يدافعون عن حقوق الفلسطينيين بشدة في الكنيست ويعرضون قضيتنا للضغط لسحب المستوطنين من المنطقة، وهناك أيضاً أعضاء كنيست إسرائيليون يقومون بالضغط لصالحنا، إلى جانب العديد من المؤسسات الحقوقية التي نتعاون معها لحل قضية الاستيطان بشكل نهائي في سلواد".
ويضيف "برأيي على كل رئيس بلدية أن يلتقي جميع مواطني بلدته ممَّن لديهم أراضٍ في المنطقة "ج" ويجمع الوثائق المطلوبة منهم ويُقدِّمها ليُفشل موضوع الاستيطان. وقد دعوت لاجتماع لمعظم رؤساء البلديات المقامة عليها مستوطنات لأفيدهم من تجربة سلواد حول الطريقة التي يجب السير بها ليستردوا أراضيهم لأن مَن يتهاون في موضوع الأرض وكأنه يهدي الاحتلال أرضه، نحن نتعامل مع احتلال يمارس المماطلة باحتراف، ويجيد الوصول إلى حلول في مصلحته، وعلينا دائماً أن نكون مستعدين لأن صراعنا مع المحتل هو صراع على الأرض".
ويختم صالح كلامه قائلاً: "الاحتلال لا يدوم أبدًا، والدول لها أعمار مثل الإنسان، وقد قارب عمرهم على 70 سنة وهم الآن في عد تنازلي، وكلي ثقة أنَّ لديهم مشاكلهم، وأنَّ ترامب الذي يعوّلون عليه سيأتي بآخرتهم، نحن أملنا بالله وبشعبنا وبكل المؤسسات كبير، وأدعو بالصلاح للشعوب العربية التي تُدّمر أوطانها وتقتل أبناءها بيدها وبأموالها وبسلاح العدو بدل توجيه السلاح باتجاه العدو".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها