- نشرت صحيفة الأهرام المصرية تقريرا عن عمل الانفاق الحدودية الواصلة بين قطاع غزة والأراضي المصرية مشيرة إلى أن هناك أسرار خطيرة تحيط بعملية التهريب عبر الأنفاق وهذه الأسرار ستصيب القارئ بالدهشة عندما يسمع أن التهريب عبر الأنفاق لم يضر فقط بالأمن القومي المصري.

 

ويتسبب في نشر التطرف في سيناء بل أنه بات أيضا سببا في استمرار الحصار الإسرائيلي علي غزة وليس نتيجة له بل وكان أحد أهم أسباب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة علي القطاع ولكن وللأسف فإن هذا الكلام حقيقي ويعرفه كل مواطن يعيش في القطاع وقد رأيناه بأنفسنا – حسب الصحيفة- كما أن هذا التهريب أدي إلي تدمير القطاع المصرفي في غزة وأضاع مدخرات وممتلكات الكثيرين..

 

ففي بداية شهر يونيو عام2008 توصلت حماس واسرائيل إلي اتفاق تهدئة توسطت فيه مصر وكان أهم بنوده هو أن تفتح اسرائيل تدريجيا المعابر التجارية مع غزة لادخال البضائع المختلفة والوقود وذلك في مقابل أن تتوقف الفصائل الفلسطينية عن اطلاق الصواريخ علي البلدات والقري الاسرائيلية القريبة من غزة مثل سديروت والمجدل وبالفعل التزمت حماس والفصائل المختلفة ولو علي مضض بالاتفاق وتعهدت بوقف إطلاق الصواريخ وانتظر الجميع أن تقوم السلطات الاسرائيلية في المقابل بزيادة كميات البضائع الداخلة لغزة ولكنهم فوجئوا بشيء آخر وهو استئناف اطلاق الصواريخ وقذائف الهاون بشكل متقطع رغم تأكيد الفصائل الفلسطينية عدم مسئوليتها عن ذلك ليكتشف الجميع أن التجار وأصحاب الأنفاق هم من يقف وراء اطلاق تلك الصواريخ لرغبتهم في استمرار اغلاق المعابر حتي يتمكنوا من تصريف بضائعهم بالأسعار العالية التي يبيعونها بها بوصفها بضائع مهربة من الأنفاق في حين ان فتح المعابر كان سيؤدي إلي تدفق البضائع بسعر أرخص.

 

ولأن اسرائيل كانت تبحث عن مبرر لعدم تنفيذ ما عليها من استحقاقات في اتفاق التهدئة رغم أن حماس كانت ملتزمة به ولكنها لم تبذل مجهودات كافية لردع التجار الذين يطلقون الصواريخ فقد أعطي هذا الوضع المبرر لاسرائيل لشن عدوانها الوحشي علي القطاع في السابع والعشرين من ديسمبر2008 بعد أن انتهت مدة سريان اتفاق التهدئة وهو ستة شهور ولم يتم تجديده لاشتراط حماس أن تفتح اسرائيل المعابر أولا وهكذا تسببت انانية وطمع اصحاب الانفاق والمهربين في تعرض غزة لعدوان همجي استمر22 يوما واسفر عن استشهاد أكثر من1400 شخص واصابة قرابة خمسة آلاف آخرين.

 

واذا كان البعض قد يتصور أن في الأمر مبالغة وأن أصحاب الأنفاق لايمكن أن يكونوا بالجرأة التي تدفعهم لاطلاق صوار يخ علي اسرائيل لدفعها لعدم فتح المعابر فإننا ومن واقع تواجدنا في غزة لفترة طويلة – وفق لتقرير الأهرام- نستطيع ان نثبت منطقية هذه المسألة بسهولة فالأمر بسيط جدا ويتمثل في أن الكثير من التجار الذين يحصلون علي بضائعهم من المهربين يدركون أنهم سيتعرضون لخسائر هائلة في حالة فتح المعابر بشكل كامل لأنهم سيضطرون حينئذ لبيع بضائعهم والتي يحتفظون بمخزونات كبيرة منها بأسعار أقل بكثير من تكلفتها عليهم لأنهم اشتروها في الغالب باسعار مضاعفة عما لو جاءت من تلك المعابر.

 

وتضيف الصحيفة ' وهناك سبب هام آخر يجعل مسألة استمرار اغلاق المعابر مصلحة للكثيرين في غزة هو حجم الأموال المستثمرة في تجارة التهريب عبر الأنفاق فأننا لن نبالغ في القول إذا قلنا أن التهريب بات اهم نشاط اقتصادي في القطاع بل أنه أثر سلبا علي انشطة اخري كثيرة مثل النشاط المصرفي حيث قام عشرات الالاف من المواطنين بسحب أموالهم من البنوك والمصارف الموجودة بالقطاع واعطوها للمهربين لاستثمارها ووصل الحال بالبعض من الحالمين بالثراء السريع ان قاموا ببيع بيوتهم وسياراتهم ليقوموا بتشغيلها في تجارة الأنفاق أو حتي حفر الأنفاق وتأجيرها للمهربين والتجار او بيعها وتعرض كثير من هؤلاء لصدمات قاسية بعد أن هدمت اسرائيل الكثير من تلك الأتفاق خلال عملية الرصاص المصبوب '.

 

وقد استغل بعض النصابين انتشار ظاهرة استثمار الأموال في التهريب عبر الانفاق للنصب علي المواطنين البسطاء حيث اخذوا يجمعون الاموال علي أمل تقديم ارباح كبيرة وسرقوا تلك الأموال وهربوا بها خارج غزة كما أن بعضهم تعرض بالفعل لخسائر فادحة ولم يستطع رد الأموال لأصحابها.

 

وفي تقرير بثته وكالة رويترز من غزة منذ فترة قدر عمر شعبان الخبير الاقتصادي الفلسطيني حجم الأموال التي ضاعت بسبب التهريب والانفاق بما يتراوح بين ربع مليار ونصف المليار دولار رغم صعوبة التوصل إلي أرقام دقيقة في اقتصاد معزول عن العالم تهيمن عليه التعاملات السرية حسب وصف الوكالة.

 

ونقلت رويترز عن المدرس الجامعي جاد صبري كيف كسب- ثم خسر- مبالغ لم يكن يحلم بها في تجارة الأنفاق بعدما استثمر جزءا كبيرا من مدخراته فيها في مطلع.2008

 

وقال لرويترز وضعت60 ألف دولار في نشاط الأنفاق. بعد بضعة شهور عاد إلي التاجر قائلا إن أموالي اصبحت500 ألف دولار حملها إلي. كان أمرا لا يصدق.

 

وأضاف قائلا: شعرت بسعادة غامرة.. أعدتها إليه وطلبت منه استثمارها لي أملا في أرباح أكبر

 

وقال صبري: لقد خدعونا. كانوا يدركون أنهم إذا أخبروا شخصا ما أن دولاراته العشرة ارتفعت إلي خمسة أمثالها في شهرين فسيصر علي ضخ المزيد( من الاستثمارات).

 

وقال أبو علي الذي يتاجر في الملابس في غزة إنه خسر حوالي200 ألف دولار لكن هناك من فقدوا أكثر من ذلك.

 

وأضاف قائلا كان البعض طماعين وكان هناك آخرون لم يكن بإمكانهم حتي مساعدة أنفسهم يبحثون عن الارباح.

 

وقدر عمر شعبان الخبير الاقتصادي في غزة حجم الخسائر بما يتراوح بين250 مليون إلي500 مليون دولار خلال3 أعوام فقط..

 

اما زياد الظاظا وزير الاقتصاد السابق في الحكومة المقالة في غزة فقدر الخسائربسبب الأنفاق بنحو60 مليون دولار في عام2009 فقدها الآلاف من سكان غزة البالغ عددهم1.5 مليون نسمة من ربات منازل إلي تجار أثرياء ضخوا أموالا من خلال وسطاء لتوسيع شبكة الانفاق.

 

وعلاوة علي التأثير السلبي للأنفاق علي الوضع الأقتصادي والأمني في غزة فأنها باتت تشكل خطرا علي الحياة نفسها حيث يتعرض العاملون فيها والذين يقدر عددهم بحوالي12 ألف عامل لخطر الموت يوميا وبلغ عدد القتلي نتيجة الانفاق منذ عام2006 حسب إحصائية مركز الميزان لحقوق الانسان بغزة نحو200 قتيل وعدد المصابين800 مصاب حتي منتصف عام2009.

 

والمحصلة هي ببساطة أن تدمير الأقتصاد الفلسطيني وسرقة اموال البسطاء والتامر من أجل عدم رفع الحصار الاسرائيلي علي غزة وفتح معابر القطاع كانت إحدي صور الوجه الآخر للتجارة عبر الأنفاق والتي كان البعض يصفها في يوم من الأيام بأنفاق الحياة ولكنها توصف الان بأنفاق الموت والخراب.