بداية فإن 23/6/2016 سيشكل تاريخا يذكر فيه انفصال بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بعد 43 عاما من وجوده فيه، ولقد شكل هذا الانفصال صدمة للمتابعين للاستفتاء، فجيل الشباب البريطاني كان ضد الانفصال، بينما جيل بدايات الدخول في الاتحاد قالوا (لا) لبقاء بريطانيا ضمن منظومة الإتحاد الأوروبي، وحتى الان يتم دراسة التأثيرات المختلفة لأسباب الانفصال وتداعياته المستقبلية سواء على بريطانيا نفسها أو على الاتحاد الأوروبي أو على العلاقة البريطانية مع دول العالم، ويهمنا هنا دراسة تاثير الانفصال على القضية الفلسطينية .
والجدير بالذكر أن أزمة تدفق اللاجئين ومعاناة بريطانيا من قبول 10 مليون مهاجر في السنوات العشرة الأخيرة، من حيث التكوين الديمغرافي والتجارة الغير منظمة للمهاجرين، عمل على لإرباك الإقتصاد البريطاني، وأزمة المهاجرين الجدد وما خرجت به الدراسات الأمنية البريطانية أن هذه الموجات سوف تعمل على إضافة أعباء أمنية لا يمكن السيطرة عليها خلال السنوات القادمة مما قد يُفقد البريطانيون "أمنهم"، ويزداد التخوف من إمكانية دخول تركيا للاتحاد الأوروبي مما يضاعف المخاطر الامنية والاقتصادية خصوصا أنه في اليوم الأول لدخول تركيا للاتحاد سيكون هناك الالاف الطلبات المقدمة للحصول على الاقامة الدائمة والجنسية البريطانية والتمتع بكامل الحقوق، مما يشكل مرة أخرى " بلبلة سياسية واقتصادية" وجد الباحثون وصنَّاع القرار في بريطانيا أن هذا الأمر سوف يرهق المواطن البريطاني الذي يتميز عن الأوروبيين بصفات مختلفة تجعل تعايشه مع المهاجرين معقدا، وبالتالي كانت كما يقال "حكمة شيوخ بريطانيا" أكثر تأثيرا من "عاطفة الشباب"، فكان الانفصال، الذي لا أحد يمكنه التكهن او الجزم بأنه سيمر خلال السنوات القادمة بدون عواقب، وفي المقابل من السذاجة القول أن خروج بريطانيا أو دولا أخرى خلال الفترة القادمة سوف يعمل على تفكيك أوروبا، لأن هناك المادة 50 من اتفاقية لشبونة الخاصة بتنظيم عضوية الدول في الاتحاد الأوروبي تنص بوضوح " قبول الانسحاب الطوعي والأحادي من الاتحاد الأوروبي"، بهذا فمن المتوقع أن تحذو دولا اوروبية أخرى حذو بريطانيا في الانفصال .
في الوقت الذي أيد الإتحاد الأوروبي بالإجماع على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وفي يوم الإنفصال ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطابا في بروكسل بهذه المناسبة والتي شكلت حدثا دولياً، ومنعطفاً هاما للعلاقة بين أوروبا وفلسطين، وهذا ما أثار سخط غالبية قادة الاحتلال واعتبروا أن الرئيس أبومازن قد مارس أقصى درجات التحريض ضد (اسرائيل)، ومن هنا يمكن أن نفهم أن خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي سيكون قوة لفلسطين وليس ضعفا، كون بريطانيا حليف قديم جديد للاحتلال وتعتبر أن ما تقوم به (اسرائيل) من إنتهاكات ومجازر وجرائم حرب يقع تحت ما تسميه (الدفاع عن النفس وضمان الامن الاسرائيلي)، لهذا فإن الدبلوماسية الفلسطينية والحراك السياسي يجب أن ينشط فلسطينيا بعد خروج بريطانيا التي سوف تنغلق على نفسها وتغلق حدودها حتى امام مواطني اوروبا، تحت ذريعة الأمن والإرهاب وهذا هو نفس المنطق الاسرائيلي الذي يغلق كافة مسارات السلام والحلول الدولية ويصفها بالفاشلة او المنحازة لأنه منغلق على نفسه تحت ذريعة الأمن والارهاب، فتتساوى دولة الاحتلال مع بريطانيا في السلوك السياسي امام الحق التاريخي لفلسطين في التحرر وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وأخيرا فإن بريطانيا مع الوقت سوف يضعف نفوذها السياسي ولن يؤثر ذلك بصورة قوية على مواقف الإتحاد الأوروبي التي تأخذ تصاعدا في حضورها الاقليمي والدولي وتحجز لها مقعدا متقدما في إيجاد حلول للقضية الفلسطينية، ومما يعزز تلك الفرضية أن الإدارة الأمريكية وضعت في أجندتها ومنذ يوم الخميس، إمكاينة تنفيذ خطة الانفصال الاقتصادي عن بريطانيا ونقل كثير من مؤسساتها البنكية والاقتصادية من لندن الى خارج بريطانيا، وقد تنقل الى داخل دول الاتحاد الأوروبي ومما يحرم آلالاف الموظفين البريطانيين من فرص العمل، وهذا سيلقي بِظلال واعباء إقتصادية إضافية على بريطانيا.