تعيش حركة حماس منذ فترة غير وجيزة جملة من الازمات السياسية والداخلية (التنظيمية والعسكرية) والمالية والقانونية والاخلاقية، والاهم أزمة ثقة بينها وبين الجماهير الفلسطينية في محافظات الجنوب. وفي محاولة للهروب من دوامة الازمات، تلجأ لتعليق ازماتها على شماعة الرئيس محمود عباس وحكومة التوافق الوطني، وتقوم بين الفينة والاخرى دون أية مقدمات بشن حملات إعلامية وافتعال واستنساخ الذرائع لمهاجمة اركان القيادة الشرعية لتوتير الاجواء والحؤول دون إحداث اي نقلة نوعية على طريق المصالحة الوطنية.

ولعل ما جاء في خطاب خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي في إستنبول في ال22 من إبريل/ نيسان الماضي بمؤتمر الاخوان المسلمين تحت عنوان "شكرا تركيا"، الذي حضره عدد من الوفود العربية، ما يشير لعمق الازمة الداخلية، التي تعيشها حركة حماس، حيث أشار دون لبس او غموض إلى: خروج حماس من المولد دون حمص، نتاج التزامها تنفيذ قرارات التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين، وتورطها في معارك مع حلفاء الامس (إيران وسوريا والعراق وحزب الله) وفقدان الحاضنة السياسية والمالية، وازدياد حالة العزلة، وتخلي انظمة الاخوان وحلفائهم عن الحركة، وعدم تفهم خصوصية حماس. وسجل عتبا شديدا على اقرانه إخوان مصر، الذين لم يتفهموا اوضاع الحركة. واعلن بالفم الملآن، ان الزيارة إلى مصر، كانت عبارة عن صفر كبير ومكعب، ولم ينجم اي شيء عنها، بل العكس حسب قوله، أن القيادة المصرية ضحكت عليهم وعلى الوسطاء العرب. وابلغ المؤتمرين ان الوقت يمضي بسرعة، والحبل يقترب من الاعناق، وإمكانية حدوث إنفجار في أي وقت، بات إمكانية قائمة. وهذا ما عمقتة رسالة الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، الذي لم يشارك في المؤتمر، حيث خلص في رسالته، إلى انها المرة الاخيرة، التي يشارك فيها في مؤتمرات الاخوان المسلمين، لان اولويته باتت تونسية إسلامية حسب النص.

وبالعودة لحركة حماس وازماتها، فتتمثل في الاتي: اولا ازمة سياسية خانقة نتاج ما اشار له رئيس الحركة في مؤتمر "شكرا تركيا"؛ ثانيا ازمة مالية متفاقمة، لذا تلجأ لاستنزاف جيوب المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة عبر فرض الضرائب، التي لا تمت بصلة للنظام الضريبي الرسمي؛ ثالثا ازمة مع الجماهير الفلسطينية، التي تتمثل بزيادة عدد حالات الانتحار في اوساط الشباب، وحرق العائلات كما حصل مع عائلة ابو الهندي في معسكر الشاطئ؛ رابعا الازمة التنظيمية المتصاعدة بين الاقاليم الثلاثة: اقليم الخارج واقليم غزة واقليم الضفة، فضلا عن الازمة مع قيادة التنظيم الدولي للاخوان المسلمين؛ خامسا الازمة بين المستويين السياسي والعسكري للحركة، حيث تناور القيادة السياسية لضرب العسكر ببعضهم البعض، وتصفية الرؤوس الحامية بالقسام وخاصة يحيى السينوار، الذي حاولت إسرائيل إغتياله اكثر من مرة في الاونة الاخيرة، اضف الى محاولات البعض من القسام والسياسيين التخلص منه؛ سادسا الاهم من ذلك، العمل لبلوغ خيار الامارة وإقامة الميناء والمطار إن أمكن، والثمن لذلك رأس كتائب القسام، حيث وافقت القيادة السياسية لحماس لحلفائها العرب والمسلمين قصقصة أظافر القسام للحد الاقصى، ولعل تسليم بعض كوادر حماس المعنيين بالانفاق في الاونة الاخيرة انفسهم لاسرائيل كما حصل مع ابو عطوة وغيرهم، ممن إدعت إسرائيل، انها إختطفتهم، وقيام الجيش الاسرائيلي بالتصعيد، ووضع اليد على عدد من الانفاق، لم يكن بالصدفة، وانما نتاج معلومات استقتها ممن إعتقلتهم، وايضا عبر الرسائل، التي ارسلتها القيادة السياسية لحماس في القطاع لاسرائيل عبر الوسطاء العرب ومندوبيها المسؤولين عن التنسيق مع إسرائيل.

حماس تتآكل من الداخل الخارج على حد سواء، ولم يبق سوى النهوض الشعبي لازاحة انقلابها عن ظهر الشرعية، لانه بات عبئا ثقيلا على الشعب والقيادة، وعلى الاشقاء العرب، ولم يبق لها سوى إسرائيل وبقايا مواقع لم تعد قادرة على حملها. بتعبير ادق بقاء الانقلاب الحمساوي في محافظات الجنوب ليس نتاج قوة حماس، بل بسبب وهن وضعف الاخرين. فهل يدرك المعنيون الامر قبل فوات الاوان.