دخل غلامٌ بُستاناً يتنزّه فيه، وكانت أشجارُ البُستان مُثقّلةً بحملها، فهي مُزدانة بألوان الفواكه اللّذيذة، وأشكال الثّمار الناضجة الشهية، فلم تمتدّ يده لتقطف من فواكهها وثمارها شيئاً، بل كان يُمتِّع نظره بالخضرة اليانعة والألوان الضاحكة في ربوع البُستان.في هذه الأثناء، كان البُستانيُّ يُراقب الغلام مختبئاً وراء شجرة، وبعد أن أنهى الغلام جولته في البُستان، وهمّ أن يُغادر، جاءه البُستاني وألقى عليه التحيّة مشفوعةً بابتسامةٍ عذبة، وقال له: لقد رأيتُ شيئاً عجباً!!
فقال الغلامُ: فعلاً، في البُستان أشياء عجيبة!قال البُستاني: لا، لا أقصدُ البُستانَ، بل أعني أنِّي كنتُ أراقبُكَ منذ أن دخلتَ البُستانَ، فتعجّبتُ كيف لم تمتدّ يدُكَ لتقطف تفّاحةً أو رمّانةً أو خوخةً، أو أيّ فاكهة أخرى أعجبتك، ولم يكن هناك أحدٌ في البُستان؟!قال الغلام: علّمتني أمِّي منذُ صغري أنّني لا أرتكب القبيح حتى إذا لم أرَ أحداً، طالما أنّ نفسي معي تراقبني، فصرتُ أكره ارتكاب القبيح أمامها!فسرّ البُستاني من جوابِ الغلام المؤدّب المُهذّب الذكي، وطلب إليه أن يجلس على بساطٍ مفروشٍ على حافّة ساقية، ثمّ قطفَ له من الفاكهة تشكيلة جميلة، وأتاهُ بها في صحنٍ وفوقها بعض الورود.قال البُستاني للغلام: تفضّل كُل هنيئاً مريئاً.قال الغلام: أرأيتْ! احتَرَمْتُ نفسي فاحتَرَمتني! -
....................
الدروس المستخلَصة:
1- الرّقابة الذاتية أفضل أنواع الرقابات قاطبةً، لأنّها تُشعل إشارة الممنوع في داخلك، حتى إذا لم يكن هناك شُرطي مرور أو إشارة ضوئية خارجيّة.
2- إذا أضفتَ إلى رقابة الذات، رقابة المَلَكين الكاتِبَين (كاتب الحسنات وكاتب السيِّئات)، ورقابة الله تعالى، فإنّ هذه الرّقابات الأربع، ستصنعُ سياجاً واقياً يحميكَ من المعاصي والمزالق والقبائح.
3- إحترامكَ لنفسك مدعاةٌ لاحترامِ الآخرين لك!
حينما اراد الله وصف نبيه ، لم يصف نسبه أو ماله أو شكله ،
لكن قال تعالى " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ "