يزداد الإقرار في إسرائيل بأن المعركة التي خاضها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن الاتفاق النووي مع إيران باتت خاسرة. ولكن هذا الإقرار لم يغيّر من توجّهات الحكومة الإسرائيلية بمواصلة خوض الصراع ضد الرئيس أوباما في الأيام العشرة المتبقية على موعد تصويت الكونغرس على الاتفاق. ويرفض نتنياهو وأنصاره التراجع ويُصرّون على أن لا خسارة في المواجهة مع الإدارة الأميركية لأن أغلبية الكونغرس والجمهور الأميركي تقف ضد الاتفاق.
وواضح للكثيرين أن المسألة لو كانت فقط اعتبارات إسرائيلية محضة لتم اختيار طريق أخرى غير الصدام مع الإدارة الأميركية ورئيسها. ويصر هؤلاء على أن اعتبارات أميركية داخلية لعبت دوراً بارزاً في حث نتنياهو على اتخاذ هذا الموقف واعتباره معركة حياته. فالمسألة في جوهرها ليست الاتفاق النووي مع إيران وإنما مقدار التحالف بين نتنياهو كممثل لليمين الإسرائيلي، والجمهوريين خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. ولا ينسى هؤلاء واقع أن نتنياهو وأنصاره، بمن فيهم الملياردير الأميركي شلدون أدلسون، عملوا علناً وصراحة ضد أوباما في الانتخابات الأخيرة ولصالح منافسه الجمهوري.
وواضح أن جهات عديدة، سواء في إسرائيل أو داخل المنظمات اليهودية في أميركا، تطالب نتنياهو بالإسراع في حل الخلاف مع إدارة أوباما التي أبدت مراراً استعدادها للتعاون وعرضت أموراً مغرية ضمن رزمة تعويض عسكرية لإسرائيل. لكن نتنياهو، على الأقل حتى الآن يتصرّف بمنطق «الكفر عناد» ويرفض التجاوب مع العروض الأميركية التي يرى أنها موجّهة أساساً لإظهار تراجع إسرائيل عن تشددها في معارضة الاتفاق. وربما أن عناد نتنياهو دفع منتقديه إلى تشديد انتقاداتهم له.
وهكذا، رأت «هآرتس» في افتتاحيتها يوم الجمعة الفائت أن إسرائيل خسرت وأن الوقت حان لترميم العلاقات مع إدارة أوباما. وذكرت أن «رئيس وزراء متهور ومغرور فقط هو وحده القادر على شن صراع جبهوي ضد الرئيس الأميركي، زعيم قوة عظمى، هي أفضل أصدقاء إسرائيل. بنيامين نتنياهو فعل هذا، رغم كل التحذيرات. وقد قدر أن بوسعه الانتصار على باراك اوباما في ساحته الداخلية وأن يحبط اتفاق القوى العظمى مع ايران على تأجيل برنامجها النووي لعقد من الزمان على الأقل. نتنياهو أخطأ في حساب علاقات القوى في الكونغرس. فقد آمن بان قوة الزعماء اليهود الاميركيين ستدفع السناتورات والاعضاء في مجلس النواب الى أن يفضلوا حججه على مصلحتهم الوطنية كما تعرضها قيادتهم المسؤولة».
ومن الواضح أن هناك من يؤمن بأن نتنياهو ألحق الضرر ليس فقط بعلاقات إسرائيل مع الإدارة الأميركية وإنما أيضاً بعلاقاتها مع يهود أميركا. صحيح أن قسماً كبيراً من المنظمات اليهودية، وعلى رأسها اللوبي الصهيوني، إيباك، وقف ثابتاً إلى جانب إسرائيل لكن الجمهور اليهودي في أميركا كان له موقف مختلف بعض الشيء. فهم لا يريدون أن يظهروا أمام باقي الأميركيين وكأنهم أشد ولاء لإسرائيل من أميركا نفسها في مسألة تهمّ الأمن القومي الأميركي بدرجة عالية.
ورغم أن المستويات العسكرية والأمنية الأميركية واصلت تعاونها مع إسرائيل كالمعتاد إلا أن ما جرى لا بد أن يترك آثاراً لاحقة. وهذا ما أثار النقاش في أوساط أميركية وإسرائيلية واسعة حول الثمن الذي سوف تضطر إسرائيل لدفعه لاحقاً مقابل صدامها مع الإدارة. صحيح أن قادة الإدارة الأميركية جميعهم يتحدثون عن عدم توفر نية للمس بإسرائيل لكن هذا لا ينفي المرارة التي يشعرون بها تجاه تصرفات نتنياهو وأنصاره. وهناك من يؤكد أن أميركا لن تعاقب نتنياهو ولكن هناك من يجزم أن العقاب آتٍ لا محالة وأنه قد لا يكون أمنياً وإنما سياسي سواء عبر مبادرة أميركية أو عبر ترك الحلبة الدولية للأوروبيين لعرض مبادراتهم.
وفي كل حال يبدو أن إسرائيل اليوم لا تمانع في اعتبار الاتفاق النووي مع إيران أمراً واقعاً، لكنها تمني النفس بأن استمرار المعارضة يبقي المراقبة لإيران في أعلى درجاتها. فإسرائيل التي رأت في إيران، على الأقل في السنوات القليلة الماضية، العدو رقم واحد ليس فقط بسبب مشروعها النووي وإنما أيضاً بسبب دعمها لفصائل عربية مقاومة سواء في لبنان أو فلسطين، معنية بإبقاء الأنظار مسلطة على إيران. وهناك مَن يؤمن أن إسرائيل معنية بالتركيز على إيران في سياق استراتيجي آخر وهو إيجاد أرضية لعلاقات أوضح مع دول عربية، خصوصاً خليجية، تنظر إلى إيران بمنطق العداء.
ففي إسرائيل مدرسة متكاملة تنتمي لمعسكر اليمين ترى أن أميركا تضعف، بشكل متدرّج، دورها العالمي ما يقتضي إعادة بلورة تحالفات إقليمية ودولية على أسس جديدة. وتخشى هذه المدرسة أساساً من اتفاق قوى دولية بينها الصين وروسيا على محاولة ملء الفراغ في الشرق الأوسط، خصوصاً عبر تعزيز العلاقات مع قوى راديكالية معادية لأميركا أو خاب أملها في أميركا. ومع ذلك تتزايد الأصوات داخل اليمين الإسرائيلي نفسه منتقدة أداء نتنياهو وقائلة إنه تصرّف بقدر من الغرور حينما حاول أن يفرض على الإدارة الأميركية رؤيته. وكان من بين مَن أشاروا إلى ذلك، ابن أرييل شارون، جلعاد، في يديعوت حينما كتب في «يديعوت» أن «هناك حاجة للتوازن وبعض من التواضع: لسنا نحن مَن يقرّر عنهم ما هو خير لهم، وعلى الإطلاق لا يُغيّر في الأمر من شيء إذا كنا محقين وكان نهجهم تجاه الإيرانيين مغلوطاً تماماً.