تحقيق/ امل خليفة

لم تقف معاناة الشعب الفلسطيني عند احتلال ومصادرة أرضه وسمائه، وإنما تعدت هذه المعاناة لتصل إلى سرقة مياهه التي تسير تحت أقدامه وحرمانه أبسط حقوقه بالحصول على مياه صالحة لاستهلاكه اليومي. فمياه نهر الأردن الجارية، ووجود بحيرة طبريا والساحل الممتد في غزة والأمطار الغزيرة الساقطة على الضفة الغربية، كلُّ ذلك لم يشفع للشعب الفلسطيني بالحصول على حاجته اليومية من المياه، لأن الاحتلال الإسرائيلي يمنع وصول المياه إلى المواطن الفلسطيني بطرق عديدة، وسياسات ممنهجة.

نظرة على واقع المياه

يؤكِّد وزير سلطة المياه الفلسطينية د. شداد العتيلي أن "الوضع المائي بشكل عام في الضفة الغربية وقطاع غزة هو وضع صعب جداً"، مضيفاً: "في الضفة الغربية لا نستطيع الوصول إلى مصادر المياه الجوفية أو دعم الأردن بسبب تحكُّم الجانب الإسرائيلي ليس فقط بالوصول إلى مصادر المياه، وإنما بمنعنا من إدارة ما هو متاح أيضاً. كذلك ففي قطاع غزة وصل الوضع المائي إلى درجة متدهورة بدليل أن تقرير الأمم المتحدة أظهر أن قطاع غزة لن يبقى فيه قطرة مياه صالحة للشرب في حدود العام 2017"، ويتابع موضحاً: "نحن في غزة لدينا حوض ساحلي يزوِّدنا بالطاقة المستدامة التي تستهلك ستين مليون مكعب، ولكننا نأخذ ما يقارب ثلاثة أضعاف الطاقة التي تُنتَج. لذا فهناك استنزاف كبير لهذا الحوض يصل إلى 180 مليون متر مكعب، مما أدى إلى دخول مياه البحر فأصبح هذا الحوض مالحاً جداً. وفوق كل ذلك تعود مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى البحر والجزء الآخر إلى الحوض الساحلي. وقد أظهرت العديد من التقارير بأن 60% من الأمراض في القطاع هي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ناجمة عن نوعية المياه. من جهة ثانية، يعاني القطاع أيضاً من الحصار بدليل عدم إمكانية القيام بمشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية. والآن وبمساعدة الدول المانحة، نقوم ببناء محطة للصرف الصحي في بيت لاهية لخدمة أربعمائة ألف مواطن، ومشروعنا في وسط غزة والشيخ عجلين، وإن شاء الله سيكون لنا مشروع في خان يونس. لكن القضية ليست في إيجاد التمويل، لأن التمويل متاح، وإنما في إمكانية إدخال المواد من أنابيب ومضخات. وفوق كل ذلك تعاني غزة من مشكلة الطاقة والكهرباء وبمجرد الانتهاء من هذه المشاريع الكبيرة الإستراتيجية ومحطات الصرف الصحي، وقريباً بناء محطة التحلية التي ستصل قدرتها إلى مئة مليون عام 2022 بتكلفة مقدارها 450 مليونا؛ فسنحتاج إلى ما مقداره 80 ميغا وات إضافيا من الطاقة فقط للقطاع ولمشاريع المياه.

ورغم قرار الأمم المتحدة عام2010 بأن الوصول إلى المياه النظيفة هو حق إنساني، فإننا كشعب فلسطيني محرومون من حقنا الإنساني، علماً أن المياه موجودة تحت أقدامنا، وهذا الوضع يوثِّر على 1300 ألف مواطن".

توفُّر في المال وشح في المشاريع

حول المعاناة الموجودة في الضفة الغربية للحصول على المياه يقول العتيلي: "حسب اتفاقية أوسلو، فكمية المياه المتاحة لنا في الضفة هي 120 مليون مكعب، وكان يفترض أن تصل اليوم إلى 200 مليون متر مكعب. ولكننا نعاني من إجراءات اللجنة المشتركة، وهذا لا ينطبق على القطاع لأنه محاصر أصلاً. فنحن في الضفة محاصرون بموضوع قطاع المياه من قِبَل اللجنة المشتركة التي شُكِّلت بناءً على اتفاقية أوسلو. وبالتالي، فرغم توفُّر الأموال من المانحين وتوفُّر المشاريع، إلا أننا لا نستطيع القيام بأيَّة شاردة أو واردة دون الحصول على موافقة اللجنة المشتركة، التي تبتز الجانب الفلسطيني بحيث لا نحصل على موافقتها إلا إذا تمَّت الموافقة على مشاريع لخدمة المستوطنات، ويتم بالطبع رفض ذلك جملةً وتفصيلاً. ومنذ ثلاث سنوات قدَّم الجانب الإسرائيلي قائمة وتمَّ رفضها وبذلك أعاقوا المشاريع الفلسطينية. وبسبب هذا الرفض لم تتمكن سلطة المياه من إقامة المشاريع التطويرية المائية. أمَّا النقطة الثانية فهي أنه حتى لو حصلنا على موافقة اللجنة المشركة، فإننا سنصطدم بما يسمى بالمناطق "ج"، التي تبلغ مساحتها أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية، حيثُ يتمُّ إلزام سلطة المياه بالحصول على رخص البناء من الإدارة المدنية العسكرية الإسرائيلية_ بمعنى أننا لا نستطيع مد خطوط المياه أو إقامة المشاريع في المنطقة "ج" إلا بعد الحصول على رخصة البناء_ وهذه الرخصة تتطلب المرور داخل 13 دائرة داخل الإدارة المدنية أي كحكومة داخل حكومة. وبالنتيجة فقد أدى كل ذلك إلى إعاقة مشاريع البناء، وهذا ما أشار إليه البنك الدولي عام 2009، حيثُ لفت إلى أن اللجنة المشتركة والإجراءات أدَّت إلى إعاقة تطوير هذا القطاع، وبدوره أكَّد تقرير بيت سيلم الإسرائيلي ذلك لدى مقارنته لواقع المياه في المستوطنات نسبةً للتجمعات السكنية الفلسطينية كالأغوار مثلاً. كما وصف رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية جون كليفاني أن ما يحدث في الضفة الغربية هو سياسة تمييز عنصري هيدرومائي".

وللعلم فمعدل استهلاك الفرد في الضفة الغربية يصل إلى 73 مترا، مقارنةً مع 100 لتر توصي بها منظمة الصحة العالمية كحد أدنى للاستخدامات المنزلية. ولكن المفاجأة هي أن بعض التجمعات الفلسطينية في الضفة لا يتجاوز معدل استهلاك الفرد فيها الـ10 لترات، إضافةً إلى الحرمان من بناء السدود لتجيع مياه الأمطار التي تهطل بشكل غزير في الضفة الغربية والحرمان من حفر الآبار والاستفادة من المياه الجوفية. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنه مع زيادة عدد السكان، فإن حصة الفرد من المياه تقل عاماً بعد عام. وبحسب العتيلي فإن كل ما تقوم به سلطة المياه هو تحسين إدارة هذه المياه وتحسين إدارة مياه الصرف الصحي، ولكن ذلك مقيَّد باستحصال الموافقات لبناء الخطوط وشبكات الصرف الصحي.

ابتزازات إسرائيلية

من جهة أخرى، ينوِّه العتيلي إلى العديد من الابتزازات التي تمارَس على سلطة المياه، معلِّقاً: "نعرف أن الجانب الإسرائيلي يعتمد على خزان بحيرة طبريا التي يحرمنا من الوصول إليها ونحن لدينا الحق في مياه نهر الأردن وطبريا، ولكن بسبب بقاء قضية المياه مؤجَّلة إلى مفاوضات الوضع النهائي أصبحنا زبائن لدى شركة المياه الإسرائيلية. وقد كان الابتزاز الأخير متمثِّلاً بطرح المياه بأسعار باهظة، وبالطبع فنحن ليس لدينا خيار سوى القبول بهذه الأسعار لسد رمق الشعب الفلسطيني. لذا فالكارثة التي نواجهها هنا هي قضية البقاء على هذه الأرض في ظل تعطيشنا ومصادرة أراضينا، وحرماننا من الوصول إلى مصادر المياه وحرماننا من معالجة هذه المياه. فنحن انتظرنا أكثر من خمسة عشر عاماً حتى بدأ الجانب الإسرائيلي يمنحنا الموافقات من أجل بناء محطات الصرف الصحي، وبسبب ذلك أصبح لدينا مناطق غنية بالمياه مثل طولكرم وقلقيلية وأريحا ومناطق فقيرة وشحيحة بالمياه مثل الخليل وطوباس والأغوار، وهذا أمر يخلق لدينا مشكلة في إدارة المياه. ولو تمَّ السماح لنا بمد الخطوط من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق لكان هناك عدالة بتوزيع المياه. والآن وبعد حصولنا على الدولة، وحتى قبل ذلك، نسعى من أجل حصولنا على التحرُّر من هذا الاحتلال وتطوير عصب الحياة، حيثُ أنه لدينا آبار رومانية منذ ثلاثة آلاف عام موجودة في الخليل ومضارب بيت لحم وهي تجمع ما بين 70 إلى 100 كوب، ولكن  جرَّافات الاحتلال قامت بهدمها لحرمان سكان تلك المناطق من المياه للضغط عليهم لترك هذه الأراضي من أجل بناء الجدار والمستوطنات، ونحن كفلسطينيين نواجه حرباً مفتوحة في قضية المياه وهذه المواجهة يومية صيفاً وشتاءً، ونحن ننتظر من المجتمع الدولي الدعم سواء أكان من الرباعية أم من كافة الدول المانحة لتعزيز الدعم المالي بالدعم السياسي، وإلا فسوف تبقى الأموال كما بقيت عشرة أعوام تنتظر الموافقات الإسرائيلية والإدارة المدنية واللجنة المشتركة من أجل القيام بالمشاريع".

برامج ومشاريع تطويرية

أمَّا عن برنامج سلطة المياه الفلسطينية فيقول العتيلي: "لدينا برنامج طموح وهو ما سميناه قضية إصلاح قطاع المياه، حيثُ صادقت الحكومة الفلسطينية على هذا البرنامج. ومنذ عامين ونحن عاكفون على تغيير القوانين العثمانية والبريطانية والمصرية والأردنية السارية، ولدينا قوانين الإدارة الإسرائيلية والمصرية، وكل ذلك يؤدي إلى تشويه قطاع المياه والصرف الصحي وإدارته. واليوم نحن نعمل على إصدار قانون مياه حفري فلسطيني، ولن ننتظر انتهاء الاحتلال ولكننا سنصدر هذا القانون من أجل إدارة ما هو متاح بشكل أفضل. ولكنْ كلُّ ذلك لن ينسينا الهم الأكبر في استرداد حقوقنا المائية في نهر الأردن والأحواض المشتركة والحوض الساحلي الممتد أسفل قطاع غزة، وأيضاً في استعادة السيادة والقرار فور تقرير المشاريع الفلسطينية".

من جهته، يلفت مدير عام وزارة الزراعة د. فرح صوافطة إلى أن الضفة الغربية تحتوي على ثلاثة أحواض جوفية مائية وهي: الحوض الشمالي والشرقي والشمالي الغربي، ويضيف: "حسب اتفاقيات أوسلو للعام 1993، كان هناك لجنة مشتركة للمياه سواء أكانت المياه السطحية أم الجوفية أم مشاريع المياه بشكل عام من شبكات وآبار وخزانات وغيره من أمور. وحسب هذه الاتفاقية وتحديداً في العام 1998، تمَّ إقرار حصة مائية إضافية للفلسطينيين تُقدَّر بـ 20 مليون متر مكعب من المياه التي كانت في وقتها حوالي 110 مليون متر مكعب، وحتى الآن ورغم الاتفاق فإننا لا نحصل على أكثر من 12 مليون متر مكعب من هذه الحصة المقرَّة"، ويتابع: "رغم أن كمية المياه المتجدِّدة في الضفة الغربية تبلغ 750 مليون متر مكعب، إلا أن حصتنا لا تتجاوز 120مليون متر مكعب وباقي الكمية يتحكَّم بها الاحتلال الإسرائيلي أي بنسبة 85% من أصل المياه الموجودة. وبالعودة لاتفاقيات أوسلو فإن الزيادة التي أُقرَّت كانت فيما يخص مياه الشرب. أمَّا بالنسبة للمياه الزراعية، فالوضع بقي عما كان عليه سابقاً، باستثناء ترميم بعض الآبار أو زيادة عمقها أو تنظيفها أو إعادة تشغيل المعطَّل منها ولم يسمح الاحتلال بحفر آبار جديدة، رغم حاجة الجانب الفلسطيني الملحَّة لذلك. ولا بدَّ أن ننوه إلى أن أبرز المعيقات والمحددات تضعها إسرائيل بشكل خاص في الحوض الغربي الذي يقع بشكل مشترك بين الأراضي الفلسطينية والأراضي التي احتُلَّت في العام 1948، ولم تحصل السلطة الفلسطينية على أي إذن بالحفر في هذا الحوض من العام 1998. كذلك الأمر بالنسبة للحوض الشمالي الشرقي الذي تمرُّ فيه المياه ذهاباً وإياباً دون أن تكون لنا قدرة على السيطرة على حركة الماء بالكامل، عدا مناطق الأغوار الفلسطينية ومدينة أريحا حيث لنا سيطرة جزئية على مصادر المياه هناك. ونتيجة الآبار التي قامت إسرائيل بحفرها وعلى أعماق أكبر مما هي عليه في أراضي السلطة إضافة لطريقة الحفر الحديثة التي تستخدمها لجعل الآبار التي لديها ذات إنتاجية أعلى، فإن إسرائيل تُسيطر بهذه الطريقة على ما يقارب الـ85% من المياه التي تتواجد تحت الأرض في الضفة الغربية. أمَّا الآبار التي تتواجد في مناطق السلطة فقد تمَّ حفر معظمها قبل العام 1967، وتمَّ تجديد البعض منها، والبعض الآخر ما زال على حاله. ووزارة الزراعة منذ نشأتها حاولت تطوير قطاع المياه الزراعية بتطوير بعض الآبار وكهربة عدد من الآبار لزيادة إنتاجيتها. كذلك تمَّ إنشاء بعض السدود وكان أولها سد العوجا القريب من أريحا بسعة تخزينية بلغت 700 ألف متر مكعب، وهناك دراسات في مناطق أخرى لإنشاء السدود فيها  مثل منطقة الفارعة وطوباس والخليل في حال توفر التمويل لها".

وينهي صوفطة حديثه بالقول: "رغم أن المياه مثلها مثل أي سلعة أخرى تخضع للعرض والطلب، إلا أنها سلعة إنسانية يجب ألَّا تتعرض للاحتكار. ولكن بسبب احتكارها، ونتيجة للنقص في كمياتها وتنافس المزارعين، فقد أدى ذلك لرفع سعر المياه في الجانب الفلسطيني عمَّا هو مفروض، مما أدى إلى رفع تكلفة الإنتاج، إضافة إلى عدم كهربة الآبار وحفر الآبار الجديدة وتحكُّم الجانب الإسرائيلي بمصادر المياه، وعدم قدرة المزارع الفلسطيني على توفير المياه، وفي كثير من الأحيان يؤدي ذلك إلى هجر مهنة الزراعة في الجانب الفلسطيني والتوجُّه للعمل في المستوطنات الإسرائيلية الزراعية حيث تتوفَّر المياه بربع السعر الذي تتوفر فيه للمزارع الفلسطيني".