استنكفت حماس عن اهتبال الفرصة، وإسماع العالم العربي إدانتها بأقسى العبارات، للعمل الإرهابي الذي أردى النائب العام المصري المستشار هشام بركات، مع عدد ممن كانوا معه أو من عابري السبيل. لو أنها فعلت ذلك، لكانت تقدمت في سياق التقارب مع مصر الدولة، على النحو الذي ربما يؤهلها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى من "إخوان" مصر أنفسهم، من خلال تسوية لاستيعابهم في إطار الجماعة الوطنية الأهلية، على قاعدة الحق في التعبير عن الرأي، بما لا يزعزع السلم الاجتماعي والأمن. لكن المصيبة، هي أن "الإخوان" الحمقى، عاشوا حياتهم وظلوا طوال تاريخهم، يجعلون الأحقاد والمظلوميات والبكائيات المديدة، هي المحرك الأساس لتنظيمهم واجنداتهم وتطلعهم الى المستقبل. ففي العدوان الثلاثي، كانوا مع سقوط الدولة وعودة المستعمر، ثأراً للخمسة الذين أعدموا في ضربة العام 1954 بعد حادث إطلاق النار على عبد الناصر.

وخلال الخمسينيات والستينيات، وخلال معارك التنمية والقمح والكهرباء والتسلح والتصنيع والإصلاح الزراعي وغيره، كان تحالفهم مع دول وأنظمة تقليدية صديقة للبريطانيين والأمريكيين، ومع عملاء يريدون أن تظل مصر رازحة تحت نير المستعمر وفي حال التخلف، وكل ذلك نكاية في الأنظمة الوطنية وبذريعة المظلوميات وخصيات الشيوخ. لم يستطيعوا ايجاد صيغة للتكيف مع انظمة واحزاب مناهضة للاستعمار وللصهيونية، وهم الذين وجدوا الصيغ للتحالف مع كل عمل ومرتهن للبريطانيين والأمريكيين. فلى امتداد تاريخ هذه الجماعة، تبدى الغباء جلياً في قراءة اللحظات التاريخية، ودفعت أجيال من الشباب أعمارها ثمناً فادحاً لهذا الغباء. فماذا ستكون استفادت جماعة "الإخوان" لو جاءت ردود أفعال الدولة على الإرهاب، تنفيذاً مؤكداً وعاجلاً، لأحكام القضاء بحق كل من أدين بالقتل أو بالتحريض عليه؟! ألم تكن الدولة، هي التي انقضّت، من خلال البوليس السياسي، على حسن البنا نفسه (12/2/1949) ثأراً لرئيس الوزراء النقراشي، الذي اغتالته الجماعة قبل ذلك بــ 42 يوماً فقط (28/2/1948)؟ أيامها لم تنتظر الدولة، انتهاء مطولات القضاء، ولا فكرت في أن تتقبل احتمال مراوغات "الإخوان" دقيقة واحدة، وكان ذلك في عهد النظام الملكي الذي تتباكى عليه الجماعة وتسمي الثورة عليه انقلاباً وحكماً للعسكر استمر حتى اليوم؟!

جماعة "الإخوان" تتخيل أو تفترض أنها ستعود الى الحكم في مصر، حتى لو لم تنكشف سوءة الإسلامويين في البلاد العربية، أو لم تترسخ قناعة الشعوب، بأن هؤلاء سيقاتلون بعضهم بعضاً إن لم يجدوا من يقاتلونه، وأنهم مشروع قوة لا تزال حياتها إما عادية أو معدوٍ عليها. فالناس باتت تعلم يقيناً، أن لا عدالة ولا استقرار، ولا حتى دين وتقوى، في ظل حكم هؤلاء. ويستهجن واحدنا، أن تكون المعادلة بالنسبة الى هؤلاء هي أن نحكم أو أن نحرق ونقتل أو أن نقسّم الأوطان. لقد كانت واضحة معادلة "الإخوان" قبل انتخابات الرئاسة التي أُعلن بعدها عن فوز مرسي، وصرف النظر عن الخروقات ومنها طباعة أوراق الاقتراع واختراق المطبعة الأميرية. فقد كتبت على الجدران "مرسي أو نولع البلد". إن هذه سياسات انتحارية ومدمرة للأوطان.

يُفترض أن يكون المقتضى العقلاني الآن، بعد كل الذي جرى في مصر، هو استرضاء وتهدئة الدولة، وإنقاذ السلم الأهلي، والمساعدة على فتح باب الأرزاق للناس، ومحاولة انقاذ رؤوس المحكومين بالإعدام، بدل تفجير موكب النائب العام وقتله، فيما يشبه التساند بين من يزعمون أنهم قوة وسطية ومن يعلنون أنهم دواعش وسلفية جهادية. أما حماس، فإن أمرها يستدعي تدخل الأطباء النفسيين، لكي يعرفوا هل هي تستهبل أم إنها عبيطة فعلاً. إن كانت تستهبل، وتظن أنها بصمتها على جريمة تفجير موكب النائب العام وقتله، تربح "الإخوان" ولا تخسر المصريين، فهي التي توقع نفسها في مأزق جديد. أما إن كانت هي عبيطة أصلاً، فعندئذٍ من الطبيعي أن ترى نفسها قاهرة المغول وفاتحة القسطنطينية، وأن الآخرين يكتفون منها بكف الأذى ويشكرونها.

ولعل حماس فعلاً، ترى نفسها قوة عظمى بشفاعة الأمن الداخلي الذي يقهر مجتمعاً صغيراً محاصراً وفقيراً أثخنه المحتلون بالجراح، وهذه هي الحماقة التي أعيت من يداويها. فحماس عندما نفذت انقلابها الدموي، لم تهزم دولاً ولا أمبراطوريات، وإنما دحرت سلطة، كانت محاصرة بسبب سماحها لحماس بدخول النظام السياسي، وكان جنودها في حال الفاقة ولا يتلقوا ثقافة تجيز قتل الأخ، وإن حضروا في مواقعهم، فقد كانوا جائعين بلا طعام أو أجزاء من رواتب. فلا تتخيل حماس نفسها قاهرة الجيوش والدول والأساطيل وتصدق الإذاعة العبرية التي نعرف كيف تتعمد تضخيم عدوها لتضخيم انجاز جيشها عندما يدمر منازلنا ويفرض التهدئة.