يوماً بعد يوم تتوضح، وبكشل صريح وواضح معالم الكانتون "الدولة" الكردية في القسم الشمالي العراقي المعروف بكردستان العراق وشمال سوريا الممتدة من محافظة القامشلي حتى شمالي مدينة حلب، وهذه الخريطة المستجدة يبدو أنها ترسم بالحديد والنار مدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. وهذا الحلم الآخذ في التحقق في العراق وسوريا وعلى رقعة ايضاً من شمال ايران، يبدو أنه يستفيد من كل الظروف الدولية والأقليمية والسياسية المتاحة أمامه بسهولة ويعتبر الظروف مؤاتية لاقامة "الدولة" الموعودة.
فالأكراد انتقلوا الى المرحلة الثانية من مشروعهم بعدما استطاعوا اقامة كيانهم السياسي بعيد اسقاط النظام العراقي السابق والدخول الأميركي اليه، والتي كان من أحد أهدافه تقسيم العراق الى ثلاثة "دول" أوكانتونات على اساس عرقي وديني وطائفي وهو ما يبدو أنه أصبح واقعاً فعلياً على الأرض.
فالأكراد بعدما حازوا على الاعتراف السياسي وتشكيل المرجعية الكردية المجسدة بالحزبين الرئيسين حزب الاتحاد الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا ما ألمح اليه السياسي الكردي السوري نوري بريمو من خلال نشره خريطة كردستان سوريا الممتدة من عين ديوار من أقصى الشمال الشرقي حتى لواء الاسكندرون غرباً.
هذه الخريطة القديمة – الجديدة التي نشرت قبل عدة شهور جاءت التطورات الميدانية لتدعم صديقتها على الارض. خصوصاً وأن هذا "الكانتون" استطاع ان يتوسع جغرافياً بعدما استطاع "الجيش الكردي" وصل كانتوي الجزيرة "الحسكة" بكوباني "عين العرب"، وبعدها امتد نحو عفرين في أقصى الشمال الغربي التي بقيت وحدها تفصلها عن البقية منطقة جغرافية تسيطر عليها جبهة النصرة وداعش خصوصاً وان الجيش "الكردي" اصبح من الناحية العسكرية واللوجستية جيشاً مدرباً ويمتلك قيادات وعناصر مجربة وخبيرة في القتال المتنوع وبكل اشكاله وتدعمه مظلة جوية فاعلة وقوية بعد اقدامه على تطبيق الخدمة العسكرية الاجبارية في مناطقه تعمل تحت مظلة "التحالف الدولي" والذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ذاتها وتشارك فيه عدة دول اوروبية تتسابق لعقد الاتفاقيات التجارية والاقتصادية المختلفة مع المسؤولين الاكراد "وحكومتهم" وخصوصاً تلك المتعلقة بالاقتصاد فالدولة المفترضة والموعودة تشكل من جهة سوقاً استهلاكياً ومكاناً آمناً للاستثمارات المختلفة باعتبارها منطقة بكر وخام بحاجة الى مختلف الاستثمارات مهما كان حجمها وتنوعها.
بعدما أدركت هذه الدول أن "الدولة الوليدة" لديها من الامكانيات المالية ما يؤهلها الايفاء بما يترتب عليها من خلال سيطرتها على حقول نفطية ومعامل غاز ومراكز انتاجها وتحضيرها للتصدير الى مختلف المناطق والاتجاهات اضافة الى سهول القمح وتجارة المواشي  المزدهرة في المنطقة وكذلك اتمام المظلة السياسية من خلال تكرار اللقاءات مع واشنطن وصولاً الى اللقاء مع الرئيس الفرنسي الذي اعتبر انجازاً سياسياً هاماً في قصر الأليزيه بعدما حضره عدد من القيادات الكردية العسكرية والسياسية. وهذا الانجاز "التاريخي" يبدو انه استفاد من تراجع قدرة تركيا على التأثير في هذا الملف " تقف ضد هذا المشروع لخشيتها من وصوله الى الاراضي التركية نفسها".
بسبب التغيرات السياسية الناشئة من الانتخابات الأخيرة والتي ادت الى تراجع قدرة وتأثير الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وكذلك تراخي قبضة الجيش السوري النظامي الذي كان قد اضطر في وقت سابق الى ابرام اتفاقيات داخلية عسكرية وأمنية مع "وحدات حماية الشعب" الكردية والتي نقضت معظمها مع الوقت حتى وصلت الى درجة قال عنها أحد المسؤولين السوريين التابعين للنظام ان الوحدات الكردية لا تنسق معاً حالياً وهي تنسق بشكل كامل مع قوات التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية والذي يبرره الأكراد بانه مصلحة مشتركة في القتال في خندق واحد مع قوى التحالف الذي يؤمن المظلة الجوية والغطاء الجوي الذي يعتبر ان وحدات حماية الشعب جديرة بالثقة والاعتماد عليها والتنسيق معها في القتال على الارض وفي جميع جبهات القتال.
واضافة الى ذلك استطاع الاكراد ايجاد صيغ حكم متعددة ومتشعبة في المناطق ذات الغالبية غير الكردية حيث تتكون من مكونات أشورية – سريانية – وغيرها تتراوح ما بين وعدهم في منحهم ادارة ذاتية تقوم على مبدأ اللامركزية الادارية.
والانظار حالياً تتوجه صوب المعركة المقبلة للوحدات والتي ستثبت اصرار الاكراد على ربط كانتوناتهم الثلاثة ببعضها البعض جغرافياً وهي معركة جرابلس في شمالي حلب المدينة السورية الشمالية الاستراتيجية وهي التي تسمح بربط عفرين بكوباني من خلال تصفية الجيب الذي تسيطر عليه حتى الآن كل من داعش والنصرة على السواء. وهي المنطقة المطلة فعلياً على لواء اسكندرون الذي سيكون الملاصق للدولة الموعودة مع تركيا.