وزع بيان في مدينة القدس والمنطقة (C) المحتلة، الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية الامنية والادارية الكاملة يحمل توقيع تنظيم "داعش" التكفيري، يهدد ابناء الشعب الفلسطيني بالقتل، إن لم يهاجروا من القدس. جاء إصدار البيان متزامنا مع تفجير مسجد في الكويت، ومع العملية الارهابية في تونس في ساحل سوسة السياحي، ومع عملية ارهابية في باريس، وايضا مع ما جرى من إزهاق لارواح العشرات من ابناء الشعب الصومالي، وعشية اغتيال النائب المصري العام، هشام بركات.

بيان "داعش" الاسود، ليس معزولا عما يجري في عموم المنطقة العربية من انفلات لعقال العمليات الارهابية التدميرية لشعوب ودول الامة العربية من الخليج إلى المحيط. ويندرج في ذات المخطط الاميركي الاسرائيلي الاجرامي، الذي يستهدف تمزيق وحدة الارض وشعوب ودول الامة. وهو الامتداد الطبيعي للمشروع الاسرائيلي التصفوي للقضية الفلسطينية والمشروع الوطني برمته، لا سيما وان مشروع الانقلاب الحمساوي الاسود، لم يحقق كل ما هدفت إليه دولة التطهير العرقي الاسرائيلي، رغم مرور ما يزيد على ثماني سنوات على اختطاف المحافظات الجنوبية من حضن الشرعية، وإصرار حركة حماس على مواصلة بناء الامارة في قطاع غزة. الامر الذي دعا قادة إسرائيل وخبراءها الاستراتيجيين، إلى استثمار أدواتها من التنظيمات التكفيرية، التي ساهمت في إنتاجها ورعايتها ودعمها في عموم المنطقة العربية لتعميق خيارها التدميري لوحدة نسيج الشعب الفلسطيني، لتحقيق اكثر من هدف: اولا تبديد المشروع الوطني برمته؛ ثانيا دفع ابناء شعبنا من اتباع الديانة المسيحية للترانسفير الارادي تحت ضغط التهديد والوعيد؛ ثالثا فتح الباب للسيطرة الاسرائيلية الكاملة ممتلكات ابناء الشعب، وفرض خيار التهويد والمصادرة الكاملة على الضفة الفلسطينية؛ رابعا لتشويه سمعة القيادة الفلسطينية امام الرأي العام العالمي؛ خامسا الحد من التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، من خلال الايحاء لانصار السلام في دول الغرب الاميركي والاوروبي، بان الفلسطينيين ليسوا استثناء عن شعوب المنطقة، بل هم جزء لا يتجزأ من الصراعات الدينية؛ سادسا وعطفا على ذلك، هم لا يستحقون دولة ولا استقلالا.

إذًا، إصدار بيان باسم تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش"، لم يكن اعتباطيا او ساذجا، بل جاء نتيجة قراءة معمقة من قبل صناع الفكر الاستعماري الاسرائيلي ومن يقف خلفهم لبلوغ ما تقدم من الاهداف التطهيرية للهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية، ولتدشين مرحلة جديدة وخطيرة نوعيا في حياة الشعب الفلسطيني، ولفتح الابواب على مصاريعها امام التنظيمات التكفيرية الاسلاموية لتستبيح المشهد السياسي والديني والاجتماعي والثقافي الفلسطيني، وتعمل على تهشيمه وتبشيع صورته أكثر فأكثر، وإشاعة الفوضى واستنزاف ثم شل الرؤية الوطنية الجامعة للشعب العربي الفلسطيني.

مواجهة المرحلة الجديدة، تحتاج الى اغلاق اي نافذة امام المشروع الصهيوني الجديد؛ والتصدي بقوة من قبل اجهزة السلطة الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني ومن قبل رجال الدين الاسلامي والمسيحي والسامريين لاية ظاهرة او افكار سوداوية تعمل للتساوق مع المخطط الاسرائيلي، لابعاد الساحة الوطنية عن مستنقعات التكفيريين ايا كان اسمها. ولعل تصريح البطريرك ميشال الصباح ردا على البيان الداعشي الاسود، الذي اكد فيه على رفض ما حمله من تهديد ووعيد، وتأكيده على تجذر المسيحيين الفلسطينيين في ارضهم وبيوتهم، والربط بين "داعش" واسرائيل، يمثل أحد عناوين المواجهة للتحدي الجديد. لا مجال للانتظار، على الجميع الشروع بالعمل وفق رؤية علمية منهجية لوأد الفتنة القادمة.