وليد درباس- خاص مجلة القدس/ يحتلُّ مخيم عين الحلوة بفعل تمايز خصوصيته مكانةً مميزةً نسبةً للحضور الفلسطيني في لبنان، فهو في تماس مباشـر مع الجوار اللبناني ومع صيدا بشكل خاص اللذان تربطه بهما روابـط مجتمعية وكفاحية متينة. كما يُعرف المخيم بكثافته السكانية وبتواجد ثقل لكافة ألوان الطيف السياسي الوطني الإسلامي الفلسطيني، ما يجعله محط مناخات بالغة الدقة كالتي تشهدها دول المنطقة ومنها لبنان أيضاً، وعرضةً أكثر من أي وقت مضى للاستهدافات، ويصبح بالتالي معها في مواجهة جملة من التحديات. لذا فليس غريباً أن يستحوذ الشق الأمني على مكانة واهتمام مميزين من قِبَل المعنيين رغم اهتمامهم بباقي الملفات.

 

 

عين الحلوة بين الانضباط والتفلُّت الأمني

يلفت أمين سر القوى الإسلامية في عين الحلوة الشيخ جمال خطاب إلى أهمية استتباب الأمن والاستقرار في حياة البشر، مقارناً بين حالتين الأولى فيها "لبنان المضياف للاجئين الفلسطينيين صاحب سلطة وجيش وقوى أمن داخلي ولكنه يشهد أشكالاً مختلفة من الاضطرابات، والثاني مخيم عين الحلوة، المتعدد المرجعيات، والذي يعاني تفلُّتاً وتسيُّباً أمنياً محدوداً ومؤقتاً، وغياب سلطة الضبط والربط والمحاسبة"، حيثُ أنَّ السبب برأيه يعود لعدم توفُّر الوفاق السياسي بين الجميع. ويتابع الشيخ خطاب معلقاً حول هذا الأمر بالقول: "رغم ذلك عند حدوث أي أرباك أمني تتداعى المرجعيات ومعها لجنة المتابعة الوطنية الإسلامية الفلسطينية المشتركة للحد من اتساع رقعة الإرباك فتبذل ما في وسعها. كذلك فالروابط العائلية والعشائرية تعمل على كف أيدي أبنائها وثنيهم. وبتضافر جهود الطرفين، ولو بالتراضي، تعود الطمأنينة والاستقرار للمخيم"، مضيفاً: "غالباً ما يكون مصدر الإرباك عناصر غير منضبطة أو متفلِّتة من فتح ومن القوى الإسلامية" لافتاً إلى أن كلا الطرفين مسؤول عن معالجة هذا الواقع، باعتبار أن المحاسبة الحقيقية تبدأ وفق رؤياه بالعودة للتنظيم ومسؤوله، وعطفاً على الأخير يُنبه الشيخ خطاب إلى تغاضي البعض عن تحمل مسؤولياته كما يجب، مسجِّلاً لفتح قدرة أكبر على ضبـط الأفراد المنفلتة خاصةً من خلال الفصل لكونهم عناصر ينضوون بصفوفها. كما ينوِّه لوجود بعض الأفراد الذين يشكلون حالة إسلامية رغم كونهم غير منضبطين ولا ينتمون لقوة إسلامية مـا، لافتاً إلى أن هذا لا يعفي القوى الإسلامية من تحمُّل مسؤوليتها، ما استدعى أن تقرَّ لجنة المتابعة مؤخراً تحميل أهالي وذوي هذه الحالات المسؤولية عن تصرفات أبنائهم إلى جانب المسؤولية الجماعية التي تتحملها لجنة المتابعة التي تتشكل من مسؤولي المرجعيات في المخيم أو من يمثلهم، ولجانبهم اللجنة الأمنية والاجتماعية. ويلعب تنوع تركيبة لجنة المتابعة ونظام عملها دوراً مهماً يؤهلها لفض النزاع والحيلولة دون تجدد الاشتباك أو الإرباك، ويشيد خطَّاب بدور اللجنة وقيام ضباطها بالفصل بين المتنازعين كما حدث مؤخراً، ويؤكد أن الوصول لتشكيل قوة أمنية فاعلة وذات سلطة وصلاحية يتطلَّب توفير المرجعية السياسية التي  تستدعي، وفق حديثه، الوصول لصياغة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية تستوعب الجميع.

من جهة ثانية، ينبِّه الشيخ خطاب لضرورة إيلاء الشباب الرعاية والاهتمام الكافيين من قِبَل الأهل، ومن قِبَل الجمعيات المعنية التي يقع على عاتقها توجيه أجندتها بما يفيد ويشغل أوقاتهم تحسباً من انزلاقهم لمتاهات غير مرضية كالحبوب المخدرة، منوهاً إلى أن البطالة أحد أهم  الأسباب التي تدفع شريحة غير قليلة من الشباب لحمل السلاح بوصفه مصدراً للعيش ما يجعل الأخير أداة للاستعراض والتباهي بإطلاق النار وإقلاق الآمنين، ويحرفه عن وجهته ودوره التحرري النبيل في مواجهة العدو الصهيوني.                                                        

                      

ارتياح وترحيب لبناني لدور ومساعي القوى الإسلامية والفلسطينية

يلفت الشيخ خطاب إلى الترحيب اللبناني بمساعي القوى الفلسطينية والإسلامية راداً السبب لدورها في التهدئة وإبعاد صيدا عما لا تحمد عقباه من أخطار لو طال أمـد ظاهرة الاعتصامات التي شهدتها مدينة صيدا، ما دفع بوزير الداخلية اللبناني للإشادة بالقوى الإسلامية ولقائها رسمياً، ويضيف: "حالت ظروفنا وظروف كل من رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب دون انجاز اللقاءات المشتركة. ولكننا التقينا القوى الإسلامية في مدينة طرابلس والدكتور سالم الرافعي، وكان لنا لقاءات عدة مع مختلف القوى الوطنية والدينية والإسلامية في مدينة صيدا"، مؤكداً أن فحوى اللقاءات كانت حول الحقوق المطلبية، والقضايا الاجتماعية واحتياجات النازحين الفلسطينيين من سوريا. وفي سياق الملف الاجتماعي وتحدياته فالشيخ جمال خطاب بصفته رئيس الحركة الإسلامية المجاهدة يشير لباع طويل ساهمت خلاله حركته طيلة عقدين ونيف من عمرها بالحد من معاناة الأهالي وخاصةً الأسر الفقيرة، والأيتام، والمرضى، فكانت لجنة الزكاة والصدقات في الحركة تُقدم المتيسِّر وفقاً للمتاح، واستناداً للمشاريع التي يموِّلها أحياناً بعض المغتربين ككفالة اليتيم، ودروس التقوية من خلال بيت التلاميذ، والمنح الجامعية، والمساعدات العينية وغيرها.

أمن المخيم والمشهد الاجتماعي فيه

يعتبر المسؤول السياسي والناطق باسم عصبة الأنصار فضيلة الشيخ أبو شريف عقل أن الحفاظ على أمن المخيم والاهتمام بسكانه وممتلكاتهم بمثابة دين للتقرب إلى الله، وعلاقة المخيم مع الجوار تدفع برأيه العصبة والقوى الإسلامية والفلسطينية دون استثناء للحفاظ على صيدا وأمنها باعتباره جزءاً لا يتجزأ من أمن المخيم ويضيف: "خصوصية الأحداث التي تشهدها سوريا ولبنان من ظلم، وقتل، وشحن مذهبي وطائفي، وغيره، هي بمثابة تحـدٍّ للجميع"، ولذا يؤكـد أن التواصل والحوار بين الجميع من أهم وسائل التلاقي والوصول لنزع كافة فتائل التفجير الخارجية والداخلية، ويكمل: "لذا تلتقي العصبة والقوى الإسلامية بكافة القوى الوطنية والدينية والفعاليات اللبنانية وصولاً حتى الشيخ أحمد الأسير"، وبالسياق الأخير فقد سُجِّل للقوى الإسلامية سابقةٌ إيجابية بنجاحها بفض اعتصام الأسير وقد شهد بذلك وزير الداخلية اللبنانية. ووفق الشيخ عقل تستند قاعـدة هذه اللقاءات إلى نبذ الخلافات الدينية والمذهبية والطائفية والفلسطينية الفلسطينية، والفلسطينية اللبنانية والالتفات للعدو الصهيوني.

من جهة ثانية، فالعصبة ممثلة في لجنة المتابعة الأمنية في المخيم، وفي هذا السياق يثمِّن الشيخ عقل دورها بنزع الكثير من فتائل التفجير، وإجراء المصالحات العائلية لما فيه تعزيز حالة الاستقرار والأمن الذاتي في المخيم.

أمَّا حول المشهد الاجتماعي للمخيم فيرى الشيخ عقل أنه ممتاز راداً ذلك لأسباب أبرزها "الإنشاد للدين باعتباره سمة عامة للأهالي، والتعاطف، ومساندة المعوز، والوقوف لجانب اليتيم والفقير والمريض، والتبرع بالدم وغيرها من العادات الطيبة التي يحافظ عليها الكثيرون من الأهالي"، ويزيد "ورغم أن المخيم يفتقد للسلطة الحاكمة والأجهزة القضائية أسوة بجواره اللبناني ولكن لا توجد فيه جرائم ذات صلة بالجريمة الأخلاقية، في وقت تطالعنا فيه وسائل الاعلام بوقوع العديد من جرائم القتل والخطف والسرقة ومنها جرائم ذات طبيعية أخلاقية وأخرى ذات طبيعة سياسية"، ويكمل: "وإن وجدت مظاهر سلبية كالحبوب المخدرة مثلاً فهي محدودة ومن مفاعيل العدو الصهيوني وعملائه"، لافتاً إلى أن محدوديتها مردها المساعي الطيبة التي تقوم بها المرجعيات ولجنة المتابعة في التواصل مع الشباب وأهاليهم ومع أصحاب الصيدليات، وتنبيههم إلى عدم بيعها إلا بوصفة من طبيب أخصائي. كما نوَّه في الشق الاجتماعي إلى دعوة العصبة الجمعيات لتوحيد جهودها من أجل خدمة المخيم وتوفير المساعدات للنازحين، وعقد ندوات تثقيفية للشباب.     

                                                              

الوضع الأمني في المخيم

وبالنسبة لقدرة حركة "فتح" على ضبط الوضع الأمني في المخيم، يقول قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عـرب: " يشكِّل هذا الأمر قضيةً محورية في غالبية الاجتماعات على الصعيد الحركي والمشتركة مع القوى في "م.ت.ف" والتحالف والقوى الإسلامية، ويجري تداولها في لقاءاتنا مع القوى اللبنانية الرسمية والحزبية وخصوصاً مع الجوار وأهلنا في مدينة صيدا بالتحديد. فصيدا والمخيم على تماسٍ مباشر، ويتأثر كلٌ منهما بالآخر سلباً وإيجاباً. ونحن في فتح نعمل جاهدين بالتعاون مع القوى الفلسطينية للحفاظ على هذه العلاقة"، مضيفاً: "ولذات الهدف نسعى لتوطيد المعافاة الداخلية التي تعيشها الحركة لدورها ومفاعيلها الإيجابية على مجمل البيت والحالة الفلسطينية وتحديداً في عين الحلوة"، لافتاً إلى أن هذه المعافاة تستند إلى تعزيز القدرة على الضبط الميداني الآني بهدف إخماد الفتنة في مكانها، والتحقيق في ملابسات الإرباكات، إضافةً إلى محاسبة المخلين حركياً استناداً للوائح الداخلية والتعاميم الحركية وأخذ العقوبات بحقهم كالسجن والفصل، والمشاركة في لجنة المتابعة الأمنية الفلسطينية المشتركة، ورفد القوة الأمنية بالأفراد ووضعهم بتصرفها؛ ومثمِّناً دور هذه القوى، ومسجِّلاً ارتياحه لانضواء كافة التنظيمات فيها. كما شدَّد أبو عرب على أن أهمية دور هذه القوى لا يكمن في عدد أفرادها وإنما في استعدادهم للمشاركة في تحمُّل المسؤولية، مشيراً إلى إقامة جلسات توعية وجولات على القوات الأمنية والمقرات الحركي،ة إضافةً إلى الدورات التعبوية والمتعلِّقة بالقانون الدولي لأفراد القوى الأمنية.                             

من جهتها أشادت القوى الأمنية اللبنانية المتواجدة على مداخل المخيم بحالة الاستقرار في المخيم آملةً دوامها واستمرارها.

 

أوضاع اجتماعية صعبة

يصف مسؤول الملف الصحي في اللجنة الشعبية كمال الحاج ومنتدبها في مجال عمل مؤسسات المجتمع المدني المشترك في المخيم ظروف إقامة الفلسطينيين ومعيشتهم بالصعبة جداً، بسبب وجود حوالي 80 ألف نسمة من أهل المخيم مضافاً إليهم عشرة آلاف نازح من سوريا على مساحة تبلغ 2 كلم مربع كحد أقصى، ما يترتب عليه لجوء الأهالي مضطرين لظاهرة البناء العامودي، واضطرار البعض منهم للبناء في الأراضي المتداخلة أو المجاورة للمخيم ومعظمها عقارات خارجة عن الملكية القانونية للأونروا، ومستثناة بالتالي من معظم خدماتها، ويضيف: "غير أن ظاهرة البناء العامودي في المخيم تحديداً تفتقر للمواصفات والشروط الصحية وعلى رأسها تفشي الرطوبة، وضيق المساحة، وضيق الأزقة، واكتظاظ عدد الأفراد، والحرمان من التهوية وأشعة الشمس، إضافةً لحاجة حوالي 250 منزلاً لإعادة التأهيل أو الترميم، ناهيك عن تداخل شبكتَي مياه الشرب والصرف الصحي ببعضهما في الكثير من الأوقات، ما يزيد من تعرُّض سكانها وخاصة الأطفال للإصابة مبكراً بأمراض تكبر معهم ويصعب الشفاء منها لاحقاً". وبالنسبة للأوضاع المعيشية فيؤكـد الحاج توق وإقبال الأهالي على الحياة رغـم معاناتهم من جور القوانين اللبنانية التي تحرمهم من مزاولة ما يزيد عن 70 مهنة، عدا عن ندرة فرص العمل حالياً بسبب الوضع الأمني العام في المنطقة وفي لبنان في ظل تراجع النهضة العمرانية والاقتصادية، وإغلاق بعض الدول العربية والخليجية خاصةً أبوابها في وجه العمالة الفلسطينية لأسباب واهية مفضِّلة عليهم آخرين من آسيا وسواها، ما يرفع البطالة لما يزيد عن 50% في بلد تكلفة المعيشة فيه باهظة جداً، ويجعل إيرادات منظمة التحرير ومؤسساتها متنفَّساً هامَّاَ جداً لصمود وبقاء الفلسطينيين، خاصة أن الأونروا تتراجع عن تحمل مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين والنازحين من سوريا أيضاً، ولا سيما في مجالات الصحة والاستشفاء والتقديمات المخصصة للحالات الاجتماعية، حيثُ يلفت الحاج إلى أن نسبة الحالات الاجتماعية في المخيمات تبلغ قرابة 18% من نسبة الفلسطينيين أي حوالي 57 ألف حالة، في حين يبلغ نصيب الفرد الواحد في العام 173 ألف ليرة لبنانية موَّزعة مابين مساعدة نقدية ومواد غذائية، ما يعني أن نصيب الفرد في اليوم يبلغ حوالي 420 ليرة لبنانية، ومضيفاً: "وقد طالبت اللجنة الشعبية الأونروا برفع النسبة التي تستهدفها من 18% إلى 23% ولكنهالم توافق". من جهة أخرى يؤكد الحاج "أن الضغوط الدولية والإقليمية تجاه الفلسطينيين ستحول دون الوصول لحلول شافية لأوضاع اللاجئين في لبنان وتحديداً طالما يتمسك الفلسطينيون بحقوقهم وفي مقدمتها حقهم في العودة"، متمنياً أن تبذل القيادة السياسية الفلسطينية جُـلَّ جهدها لدفـع الدول العربية والخليجية بالذات لفتح أبوابها أمام العمالة من مخيمات لبنان، مضافاً لذلك تعزيز تواصلها مع السلطات الرسمية اللبنانية على قاعـدة دفعها إن لم يكن للافراج عن بعض الحقوق، فإلى التغاضي على الأقل عن عمل الفلسطينيين حيثُ توفرت لهم الفرصة في السوق الخاص والشركات، دون إغفال دور مؤسسات المجتمع المدني والأهلي اللبناني بتشكيل لوبي (قوة ضغط) لصالح حقوق الفلسطينيين، بما في ذلك العمل على تقديم منح وقروض ميسَّرة للراغبين في إقامة مشاريع حرفية ومهن منزلية، ومساندة اللجان الشعبية بفعالياتها ومواقفها الضاغطة على الأونروا للصالح الفلسطيني العام. ويختـم الحاج بالقول: "بتواصلنا مع منظمة الإسعاف الأولي الفرنسية تمكَّنا من مساعدة الكثيرين من أهلنا المقيمين في المناطق غير المشمولة بخدمات الأونروا، ومؤخراً تلَّقينا وعوداً بأن يبدأ برنامج الأمم المتحدة للتجمعات العشوائية أعماله لجهة صيانة البنية التحتية والكهرباء، ومياه الشرب، والصرف الصحي، ورصف الطرق في المناطق غير الواقعة تحت المسؤولية القانونية للأونروا".

 

مخيم عين الحلوة

مخيم عين الحلوة