قال الدكتور حنا عيسى، الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، بمناسبة عيد العمال العالمي (الأول من أيار)، أن الوضع الذي أصبح عليه الاقتصاد الفلسطيني في القدس الشرقية المحتلة من تدهور، يستدعي وضع خطة اقتصادية شاملة للمدينة، ومطالبة المجتمع الدولي الزام اسرائيل بتحمل مسؤولياتها تجاه القدس الشرقية كونها مدينة محتلة. وأضاف، "نطالب برصد استثمارات من قبل القطاعين العام والخاص الفلسطينيين، ودعم من الجهات المانحة، وذلك للتصدى للتحديات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية في القدس الشرقية، وندعو لتحسين الحماية والتنمية، وتحفيز التقدم وحماية حقوق الإنسان، ودعم التلاحم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للفلسطينيين المقدسيين، والعمل على دعم جوهر اقتصادهم الذي يتمثل في المدينة القديمة".                                                 

وأوضح عيسى، "العوامل التي أدت الى تدهور الاوضاع الاقتصادية في القدس، هو عزوف القطاع الخاص عن الاستثمار بالمدينة عدا عن بعض المبادرات والجهود الفردية المقدرة، حيث أجبر عدد كبير من المستثمرين وأصحاب المصانع والفنادق والورش والمحلات التجارية والتي تشكل عصب الاقتصاد في المدينة من البحث عن أماكن آمنة، لاستثماراتهم خارج القدس أو على أطرافها هرباً من سياسات التضييق والاستهداف من خلال الممارسات الممنهجة والضرائب الباهظة التي فرضتها عليهم سلطات الاحتلال".

وحذر أمين نصرة القدس من حالة العزلة والقيود المتزايدة التي تفرضها سلطات الاحتلال الاسرائيلي على الاقتصاد المقدسي، مشيرا أنه أصبح بنصف حجم التأثير الاقتصادي الذي كان قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993، وذلك نتيجة البيئة الاقتصادية المثبطة ومعدلات الفقر المرتفعة، ولتراجع قطاعي الصناعة والخدمات، فضلاً عن القيود التى تحد من الاستثمار، لافتا ان اقتصاد القدس الشرقية كان يشكل ما نسبته 15% من الاقتصاد الفلسطيني قبل التوقيع الاتفاقيات، وأن هذه النسبة تقلصت لتبلغ وفقاً للتقديرات إلى حوالى 7% فقط في السنوات الأخيرة.

ونوه، "حسب المقاييس الإسرائيلية لعام 2014، فإن %75  من الفلسطينيين في القدس يعيشون تحت خط الفقر، ولكن فقر سكان شرقي المدينة أعمق وأشد بكثير من الفقر الذي في غربها. وفي تقرير منظمة العمال «معا» فالدخل المتوسط للفرد في العائلة الفقيرة في شرقي القدس يبلغ 1.410 شيكل في الشهر. ولغرض المقارنة، فإن الدخل المتوسط للفرد الفقير في غربي المدينة يبلغ 2.420 شيكل في الشهر". ولفت، "التقرير السنوي لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أنكتاد" (2013)، كشف أن نحو 84 %  من الأطفال العرب في مدينة القدس يعيشون تحت خط الفقر، وأن نسبة الفقر في صفوف الأسر العربية داخل القدس تزيد بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بالأسر اليهودية".

وأشار، "الناتج المحلي الإجمالي للقدس الشرقية، والذي بلغ فى عام 2010 حوالى 600 مليون دولار قد زاد بشكل طفيف، إلا أن حجمه النسبي قد انخفض، نظراً لتراجع النمو في القدس الشرقية عن مواكبة النمو في بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأن معدل فقر الأسر الفلسطينية فى القدس ارتفع من 68% عام  2009 إلى  77%، وفي المقابل بلغت نسبة الأسر في القدس الشرقية والتي تصنف كأسر فقيرة 25%".

وشدد الدكتور حنا عيسى، وهو أستاذ وخبير في القانون الدولي، "سياسة إسرائيل الاقتصادية في القدس تناغمت مع سياستها في مجالات القانون والاستيطان وبناء الجدار حيث عملت ومنذ بداية احتلالها للمدينة على تفريغ المدينة من الاقتصاد الفلسطيني، وفك ارتباطها اقتصادياً مع الضفة الغربية، وربطها بالاقتصاد الاسرائيلي بهدف إجبار الفلسطينيين على الرحيل الطوعي من المدينة وفق سياسة "الجذب المعاكس"، بمنع إدخال المنتجات الزراعية والصناعية من والى القدس، واعتماد الشيكل الاسرائيلي كعملة تداول في الضفة الغربية وقطاع غزة بدلاً من الدينار الاردني، واغلاق البنوك الاردنية وفرض الضرائب الباهظة على البضائع العربية التي تحتاجها القدس، وحاصرت القطاع السياحي ومنعت القطاع التجاري من العمل مع محيطه.

واستطرد القانوني حنا، "نتيجة لتلك السياسة ضربت البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المدينة، الأمر الذي أدى إلى تراجع مكانتها الاقتصادية بشكل متواصل، وأدخلت مرافقها الاقتصادية في أزمات متواصلة، ونتيجة للحصار المفروض عليها منذ الانتفاضتين الاولى والثانية، أصبحت المدينة تعاني من ركود اقتصادي كبير ما أدى إلى إفلاس العديد من الشركات والمنشآت الاقتصادية، أما المؤسسات والشركات الاقتصادية التي بقيت في القدس فقد أغلقت سلطات الاحتلال بعضها، وطلبت من البعض الآخر تسجيل نفسها كمؤسسات وشركات اسرائيلية".

ولفت أستاذ القانون الدولي، الدكتور حنا، أن جدار الفصل العنصري الذي تبنيه إسرائيل في عمق الضفة الغربية وفي محيط مدينة القدس المحتلة يعتبر من أهم العوامل التي تؤثر سلباً على اقتصاد المدينة المقدسة، منوها أن المتتبع لمراحل بناء هذا الجدار والذي يتم بخطوات مدروسة جيداً من الجانب الاسرائيلي، لا بد وأن يعي بشكلٍ واضح الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية لدى اسرائيل والتي تقود في النهاية إلى إخراج مدينة القدس من ارتباطها الطبيعي ببقية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والذي يجعلها مفتوحة فقط نحو الغرب، أي نحو "إسرائيل .

وأوضح عيسى، أنه منذ أن قامت اسرائيل باحتلال الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس عام 1967، واجهت المدينة مشكلات عديدة وتحديات مصيرية، كان أولها الممارسات الاسرائيلية الممنهجة والمخططة تجاه المدينة المقدسة، حيث قامت اسرائيل بضم المدينة لكيانها وطبقت قوانينها عليها، وحلت مجلس أمانة القدس العربية، وألغت القوانين الأردنية التي كانت مطبقة في المدينة انذاك، وأغلقت المحاكم والبنوك العربية وفرضت منهاج التعليم الاسرائيلي، وطبقت قانون أملاك الغائبين الذي أدى لفقدان الكثيرين من حقهم في عقاراتهم وأملاكهم، هادفة من ذلك تهويد المدينة وتقليل عدد السكان الفلسطينيين الى أقل عدد ممكن من خلال الاخلال بالتوازن الديمغرافي لصالح اليهود، وقامت بالتوسع في هدم البيوت والورش والمصانع وسحب الهويات والتضييق الأمني واقامة الحواجز العسكرية لفصل التجمعات السكانية الفلسطينية بعضها عن بعض.

وذكر الدكتور حنا عيسى، الأمين العام للهيئة المقدسية للدفاع عن المقدسات، "مدينة القدس كانت قطب الرحى في منطقة بلاد الشام، وشكلت مركزاً اقتصادياً واجتماعيا لا مثيل له، حيث كانت مقصد الحجاج من مسلمين ومسيحيين. وكل باحث عن التراث والحضارة والتاريخ، كان ليجد في القدس العربية ملاذ يروي ظمأه، ولكن نتيجة للاحتلال الاسرائيلي للمدينة عام 1967 وسياساته التعسفية فيها، ومخططاته المتتالية لتهويد المدينة وطمس معالمها، اضافة لوضع العراقيل للوصول اليها، ناهيك عن ما تمارسه من سرقة وتزوير وهدم واستيطان، جميعها عوامل أدت لتغيير مشهد القدس بشكل عام، فأضحى لا يحاكي مهبط الانبياء والمرسلين، وباتت القدس فقيرة ضعيفة في كافة المجالات، تعاني تدهور اقتصادي وسياسي واجتماعي وأمني...فالاحتلال الاسرائيلي دمر حضارتها وخرب حيويتها".