خاص مجلة القدس/ الملهم الأول لحزب الليكود ومنذ بداياته هم الجماعات الإستيطانية. فالحزب العلماني – الصهيوني احتاج دائما إلى سقف ثقافي – أيديولوجي يحفزه على الاستمرار واستيعاب الجماعات المتطرفة التي على يمينه في الغالب ، ولم يكن هذا المحفزسوى غوش إيمونيم والجماعات المتطرفة التي تناسلت منها لاحقاً – والذين لقبوا بزعران التلال .
من هنا يدلي بعض الصحفيين الإسرائيليين بآرائهم حول أن "لا مجال أمام بنيامين نتنياهو سوى بإعادة تركيب حكومته الجديدة من المكون التقليدي الذي يتألف من شاس ويهدوت هتوراة وإسرائيل بيتنا" فيما آخرون يرون ان "لا مفر أمام رئيس الحكومة -اذا كان يرى ويؤمن بضرورة إخراج اسرائيل من أزمة علاقاتها الدولية - من صياغة تحالف حكومي وسطي مع يئير لبيد – المنشق عن الليكود والذي حصل على 19 مقعداً بعد عام فقط على إعلان حزبة - الحقيقة ، إضافة إلى يحيموفيتش – زعيمة حزب العمل وتسبيي ليفني ودون وزير الدفاع أيهود باراك الذي يغادر المشهد كسفير إلى واشنطن ، وافيغدور ليبرمان – ولو مؤقتاً - كونه يلاحق بقضايا قانونية.
وعلى الرغم من خسارة القائمة الحزبية التي تتألف منها قائمة حكومته 11 مقعداً في انتخابات الكنيست الشهر الماضي ، إلا أنه لم يزل المرشح الوحيد للحكومة الإسرائيلة الآن .
التقديرات ترى تغيرا في واقع الخارطة التمثيلية للقوى المؤلفة للمشهد الاسرائيلي ، حيث تحرك الناخب نحو الوسط ، وهو الأمر الذي يقدر المراقبون الإسرائيليون أن أوباما سوف يستغله " كي يبث الريح في أشرعة الحكومة الجديدة " ، وهو ما يرتبط مباشرة باستئناف العملية التفاوضية حول مستقبل السلام مع الجانب الفلسطيني .
الواضح أن عملية التسوية في المنطقة سوف تنتظر في الثلاجة أربعة أعوام إضافية لكي نستطيع تصوراً آخر للمشهد السياسي الإسرائيلي ، وبالتالي طرح سؤال مختلف عن مستقبل التسوية في المنطقة . بالطبع خلالها سوف نشهد هجوماً سياسياً – إقتصادياً – إستيطانياً ضارياً من الجانب الإسرائيلي وتحميل القيادة الفلسطينية تبعاتها ، باعتبارها هي التي ترفض المفاوضات وتؤجل انتاج التسوية العتيدة ، فيما لسان حال نتنياهو يعلنه ليبرمان الرافض لاقامة دولة فلسطينية ، وصديقه في التطرف يئير شمير الذي يقول " لا يتم إنشاء دولة من اجل مليون أو مليونين " . وبين الإثنين تدور رقصة تانغو تاريخية بين المستوطنين وأجهزة الأمن الإسرائيلية حيث المستوطنون يتمددون في أعماق الأرض الفلسطينية ، وبحجة وجودهم حيث يضعون كرافانات مستوطناتهم ترى القوى الأمنية الإسرائيلية ضرورة حمايتهم ، وبالتالي سيطرتها باسم المستوطنين على الأرض .
تاريخيا ، ومنذ نكسة العام 1967 تم حقن المجتمع الإسرائيلي بمقولات الأمن وارض الآباء والأجداد ، حيث حظي الأسياد المستوطنون بالترف ، فعاشوا من عمل الاباء ، وهم الآن اليمين المتطرف – حسب هآرتس - التي تضيف : الميل الى اتهام الفلسطينيين بإضاعة فرص المصالحة هو جزء من الإستعلاء الإستعماري . فنحن نسجن ونعذب ونسلب ونتوسع في أراضيهم ونطلب ان يتخلوا لنا . من أجل ماذا ؟هل من أجل الخوف من اليمين المتطرف ؟
إسحق ليئور يقول في هآرتس : إن العقبة الكبرى التي تزدادُ حجماً من سنة إلى أخرى هي "المشروع " الذي يضمن ألا يتم إحراز أي حل إلى أن يغرقنا تضخمه جميعاً – المشروع هو الإستيطان الذي يقضم الأرض الفلسطينية ويفرض الواقع الذي يستحيل خلاله تنفيذ حل الدولتين .
يقول رئيس مديرية المفاوضات تحت حكم باراك شاوول اريئيلي : نتنياهو هو رئيس الوزراء الأول ، منذ أكثر من عقد ، الذي يرفض أن يرى حدود العام 1967 الأساس للمفاوضات . وهو – نتنياهو – الذي سجل رقماً قياسياً في البناء وإقرار المشاريع شرقي القدس ، بل إن حكومته تشجع دخول اليهود إلى أعماق الأحياء العربية .
يضيف اريئيلي : يعرض نتنياهو مطالب قاطعة جديدة ترمي إلى منع التسوية وعلى رأسها الإعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية ، وهذه مسألة إسرائيلية داخلية لا يفترض أن تكون من شأن القيادة الفلسطينية ، تماماً مثلما هو رأي أبو مازن ، الذي أعلن أن لا صلة له بالنقاش حول طريقة الحكم في إسرائيل .
خلال هذه الأيام تدور مناظرات في إسرائيل حول أياهما ذخراً للآخر: إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة أم الولايات المحتدة بالنسبة لإسرائيل ؟
يجتمع المناظرون حول أهمية وحيوية الحلف الإستراتيجي بين الدولتين. ينطلق السجال – حسب يديعوت أحرونوت – من سؤال طرحه اوباما : إلى أين يقود نتنياهو إسرائيل ؟ تتابع الصحيفة : يعتقد الرئيس – أوباما – كما يعتقد وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين ... أن إسرائيل تقود نفسها إلى عزلة دولية .
المناظرات تختصر بالأذى الذي يسببه نتنياهو للعلاقات المشتركة بين الدولتين ، والقائمة حسب يديعوت أحرونوت على : الثقة والصدق إضافة إلى المصالح الحيوية المشتركة ، فهو يسلك طريق التحدي والتأليب ، وبتدخله في السياسة الأميركية يهدم الثقة الأساسية والصدق الأساسي الذي يحتاجه في العلاقة مع البيت الأبيض . تؤكد وجهة النظر هذه أن هذا الحلف غير متكافىء فيه أساس تابعية مركزي .
وجهة نظر أخرى يتبناها نتنياهو وائتلافه المتطرف ، يرى في إسرائيل قوة تستطيع أن تحمي نفسها وتقيم علاقة ندية مع الولايات المحتدة – الملزمة بحماية إسرائيل ومساعدتها - تقوم على حصرية سياسة الأخيرة بما يتعلق بالصراع في المنطقة على أولوية موقف إسرائيل في الشكل الذي يناسب مصالحها . أساس هذه النظرية يقوم على استغلال دور اللوبي الصهيوني– الأرثوذكسي المؤثر بشكل كاسح في الكونغرس ومجلس الشيوخ ، والخدمات التي تؤديها إسرائيل على مستوى دعم المشروع الأميركي في المنطقة وإسهامها في تطوير الكثير من الصناعات التي تتمركز في الولايات المتحدة .
رئيس الشاباك السابق يوفال ديسكين في يديعوت أحرونوت : يؤسفني أن شعوري وشعور كثيرين من كبار مسؤولي جهاز الأمن حينما كنا نتحدث عن نتنياهو وباراك أن المصلحة الشخصية والإنتهازية الحالية عندهما هي الشيء الذي يسبق كل شيء آخر .
يضيف ديسكين : إنطباعي أن زعماءنا منذ زمن بعيد ما عادوا قدوة شخصية، وهذه في نظري من الصفات الأهم للزعامة ، وهي صفة تجعل الناس في نهاية الأمر يسيرون وراء الزعيم .
يعرِّف ديسكين نتنياهو كشخصية : صورة مختلطة الأيديولوجيا والشعور العميق بانه أمير من العائلة الملكية والنخبة المقدسية ، إلى جانب عدم الثقة بالنفس والخوف العميق من القرارات وتحمل المسؤولية . يضيف ديسكين : ليس عنده طبيعة قوية ولا عنده تلك النواة الصلبة التي تجعلك تقول إنني أستطيع في الأزمات أن أسير خلفه وأعتمد عليه ... تؤثر فيه آخر الأمر مصلحة لحظية انتهازية .
في العام 1979 حذر اسحق رابين من جماعات الاستيطان التي تعرض الديمقراطية والسياسة في إسرائيل للخطر ، ودعا الى النضال ضدها . هؤلاء اليوم هم الحلقة الأعند بوجه العالم الذي يطلب منه الإقرار بوجودهم وحمايتهم ، وهم الذين يقودون المشهد الإسرائيلي ويضيقون يوماً بعد الاخر مساحة الدولة الفلسطينية التي يفترض بقيامها تثبيت شرعنة وجود إسرائيل ، حيث أن الأمر الواقع في نظر التاريخ لا يستمر بغير ظروف ضامنة مؤكدة ، فيما وجود إسرائيل دائما يقع تحت مجهر السؤال عن شرعيتها واستمرارها.
وإذا كانت هذه الجماعة لم تزل تمثل المثال الأعلى في الدأب والإستمرار والذهاب في الحلم – المشروع – حتى آخره ، بالنسبة لنتنياهو وائتلافه الحكومي ، فإن الحديث عن تسوية تاريخية لم يزل خارج المشهد الآن . وإذا كانت الإدارة الأميركية – التي لا تتعجل الإهتمام في شؤون المنطقة حالياً – ترفض التصادم مع الحكومة الإسرائيلية وتستسهل كيل الاتهامات للرئيس أبو مازن وتحميله مسؤوليه تعثر المفاوضات ، فإن الواضح أنها أدارت وجهها لقضية التسوية في المنطقة ، وذهبت بعيداً في التركيز على الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة التي تقوم على التدخل الناعم والحوار حول القضايا الساخنة في العالم والنأي بنفسها عن تحمل العبء الذي يعيد أو يكرِّس أزمتها الإقتصادية – الأخلاقية في العالم .
فزيارة الرئيس الأميركي للمنطقة الشهر القادم سوف تعتمد أولا على المكوِّن الحكومي الإسرائيلي أولا ، ثم هدف الزيارة بذاته : هل هي زيارة استكشافية، أم أن هناك برنامجاً جدياً يحمله الرئيس الأكيركي في ولايته الثانية ؟
الواضح ، بل المؤكد أن رئيس الحكومة الإسرائيلي سوف يغرق الزيارة بالملف النووي الإيراني وبما يدور في سوريا والمنطقة وبالتغيرات الجذرية التي تفترض قلق المراجع الإسرائيلية وحذراً في نمط التعامل معها .
وبالطبع سوف يكون للحرب الدبلوماسية الفلسطينية التي تخوضها ضد اسرائيل في العالم مساحة واسعة ، يذهب من خلالها الموقف الاسرائيلي إلى العدائية التي ينظر بها العالم لإسرائيل ، الضحية – المظلومة والتي تعيش في محيط معاد يذهب إلى حد انتظار الفرصة للإنقضاض عليها وتدميرها – كإيران مثلا .
لم تعد فلسطين بعد اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بها دولة غير كاملة العضوية كما قبلها . وهذا ما فضح الموقف الإسرائيلي أمام الأوروبيين خاصة الفرنسيين والألمان والبريطانيين في مسألة عطاءات الإستيطان الأخيرة . وفي الوقت ذاته فإن الحجج الإسرائيلية الدائمة التركيز على مسألة استهدافها بدأت تتلاشى أو تؤخذ على غير جد بسبب فقدان الثقة بسياساتها تجاه الشعب الفلسطيني ، وبسبب تنكرها للمواثيق والأعراف الدولية ، وآخرها تقرير مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ، والذي اعتبر سياسة إسرائيل متعارضة مع ميثاق جنيف ، وان البناء في المستوطنات يمنع إقامة دولة فلسطينية قابلة للعيش .
رد الفعل الإسرائيلي – كعادته– اعتبر أن التقرير متحيز بشكل منهجي ضد إسرائيل .
تقول هآرتس : تصريحات أوباما بأن سياسة نتنياهو تؤدي بإسرائيل إلى حافة الهاوية ، لا تختلف عن استنتاجات لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة .
كما ان زعماء الدول الأوروبية ، التي في بعضها تطبق منذ الآن مقاطعة جزئية على منتجات المستوطنات ، ليسوا بعيدين عن استنتاجات لجنة التحقيق .
اخيرأ : نحتاج إلى التسريع في ترتيب البيت الفلسطيني ، خاصة مسالة المصالحة التي تربك إسرائيل وتحاصر سياساتها اكثر وتحرجها وتضيف زخماً وقوة لمعادلة النضال الوطني الفلسطيني وتفعيل الجهود في صالح القضية الواحدة .
خيراً يفعل الرئيس محمود عباس بتزخيم محاولات المصالحة والسير في لم الشمل الفلسطيني .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها