من المهم في الإطار التعبوي الدفع باتجاه بلورة الانجازات وإبرازها أمام الكادر والشعب، ومن المهم تكرار الاشارة اليها لتكون عامل حافز ايجابيا لمزيد من العطاء والعمل.
في فترات مختلفة من تاريخ الثورة الفلسطينية وحركة فتح تم العثور على بذور صمود أو انتصار في إطار ثقل (الهزائم) أو محطات الفشل والشقاق وإبرازها باعتبارها (نصرا) أو مكسبا، بحيث تم عرض وقائع الثبات في ظل الاخفاقات كمجال تجربة ايجابية حققت الفائدة ما أثرى النفسية (الجمعية) الثورية وشكل سياجا آمنا للعبور من مرحلة الهزيمة الى تواصل العمل والانجاز.
إن عملية الإبراز والنقد والتحليل للخلل والسلبيات والهزائم والخلافات ومكامن الفشل والخطأ لا تتناقض أبدا مع صيغة بلورة نفس تعبوي إيجابي يتم اكتشافه أو تسليط الضوء عليه في مستنقع التردي أو الإحباط، ولا تتعارض مع الرغبة في بناء حافز قوي للعمل من جهة ولانتشال الكادر والجماهير من الاحساس بالمرارة لدرجة الانكسار الكامل التي تتلو أي هزيمة أو فشل.
استطاع القائد الفذ ياسر عرفات أن يبرهن في كل مراحل حياته أنه النموذج الأقدر على تحويل محطات بدا الفشل فيها واضحا الى انتصار ليس بالادعاء أبدا، وإنما عبر اشتقاق الايجابيات من ظلمة اليأس أو الحصار أو العدوان المتواصل على شعبنا وثورتنا فجعل من عدوان النظام السوري والليبي المتكرر على الثورة الفلسطينية دلالة أكيدة على صحة الخط الوطني الاستقلالي وقوة الرجال، وجعل من نار الانشقاق ترتد على اصحابها ويتم تنظيف جسد الثورة بالمقابل، أي ان عملية التعبئة والتحريض والتأهيل الجماهيري لم تكن لتعني أبدا عدم الاقرار بالخطأ والأزمات ونقدها والاستفادة منها.
في بيروت عام 1982 وفي طرابلس عام 1983 وفي حرب المخيمات حتى 1988 وفي الانتفاضة الثانية وحصار الرئيس حتى وفاته في عام 2004 كانت حركة فتح وبقيادة ياسر عرفات تنتشل كومة من الانجازات التي لا يراها إلا البصير لتبرزها من محيط الاحباط أو التهاوي، وتعزّز الحقيقة، فلم تقل عن أسطورة بيروت إلا صمودا عز نظيره ،ولم تقل عن انجازات الانتفاضتين الكبيرتين إلا انهما انتصارات جزئية في طريق النصر الكبير على قاعدة ان الانجازات أو الانتصارات (الصغيرة) عملية تراكمية وليست عملية ايهام او خيال أو ضحك على الذقون في اطار صراعات حزبية او تنظيمية.
نؤكد أن عملية تحويل الهزيمة الى انتصار هكذا بلا مبررات قوية ما هي إلا أسلوب بائس، ولكن النظر في مكامن الصمود والانجاز والانتصارات في واقع الخذلان والفشل والإحباط والهزيمة والاندحار ضرورة تعبوية لا تتفق أبدا مع ادعاءات البطولة والعظمة والنصر.
نقر بوضوح أن الفترة الأخيرة تضمنت مجموعة من الانجازات (أو الانتصارات الجزئية) من المهم رصدها وإبرازها بوضوح دون (مبالغة) أو دون (تعظيم) ركيك، وبالمقابل دون (تهاون) أو تبخيس، فمما لا شك فيه ان العدوان الاسرائيلي الأخير على غزة كان فاشلا في عدد من أهدافه وناجحا بالقتل وأهداف أخرى، وأن صمود الغزيين الأشاوس كان نصرا فعليا ان أقررنا أن الصمود هو النصر، أما ان ندعي اننا انتصرنا وفي تكرار غير موفق كما فعل اسماعيل هنية في خطابة متحدثا عن العدوان وما سبقه في مؤتمر بغزة فهو الوهم بعينه.
كما يشار أيضا الى خطوة الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين (غير عضو) كنصر أو كانجاز يحسب للأخ الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية، وهو صحيح ما وضع في حدوده وسياقه دون تمجيد أو مبالغة ودون تهوين او تشكيك من ذوي المصالح الحزبية او الآنية.
لقد كرر هنية كلمة «نصر» أكثر من 11 مرة في خطابه، في مؤتمر حول العدوان الذي حصل على غزة حتى ظن العديد من الناس أن فلسطين تحررت وأن غزة قد تحولت بقدرة قادر الى سنغافورة العرب (كما كان يريدها الراحل الكبير ياسر عرفات)، وحتى ظن الكثيرون أن لا احتلال في غزة ولا يحزنون وأننا أصبحنا في مصاف الدول العظمى ما لا يتفق مع الواقع الممزق البائس الذي يعيش فيه الفلسطينيون في كل مكان سياسيا واقتصاديا بل واجتماعيا خاصة في قطاع غزة.
أعيد التكرار أننا من المهم الا نقع في رذيلة الإحباط والألم الذي يقود للكآبة وتدمير الذات وجلدها، بينما فضيلة استنباط أو اكتشاف أو إبراز مواطن الضوء من حلكة الواقع المدلهم تعتبر ميزة لا يتقنها إلا القلة، دون أن يقعوا في فخ التفخيم والتعظيم وإثم المبالغة الى الحد الذي قد يثير التفكّه أو الاستغراب.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها