من المنتظر أن يجتمع رؤساء أركان القوات المسلحة في الدول العربية قبل نهاية الشهر الحالي، لبحث تنفيذ قرار القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ المتعلق بتشكيل القوة العربية المشتركة، سيتناول الاجتماع الجوانب المتعلقة بطبيعة القوة المشتركة من حيث المهام المنوطة بها وكيفية تمويلها، الواضح أن مواقف الدول العربية من تشكيل القوة المشتركة تتراوح بين مؤيد لها على اعتبار أنها باتت حتمية لا بد منها لوقف سيل التدخلات الخارجية في المنطقة العربية من جهة، ولمواجهة التيارات المتطرفة التي باتت الدول العربية تستشعر خطورتها على استقرار وأمن المنطقة من جهة ثانية، وبين رافض لها بثوب المتحفظ عليها، وبينهما من يتملكه التردد حيالها خاصة في ظل غياب محددات عملها.
الواضح أن الفكرة تسير نحو التطبيق بغض النظر عن المتحفظين عليها، وفي الوقت ذاته لن تكون الطريق ممهدة أمام تشكيل القوة العربية المشتركة، إذا ما قدر لقادة الجيوش العربية التوافق على عتادها وأفرادها وكذلك سبل تمويلها، وتحديد نسبة المشاركة فيها للدول المؤيدة لها، فالمؤكد أن المهام التي ستناط بالقوة المشتركة ستكون محل خلاف ظاهر بين الدول العربية، حيث التباين بين الدول العربية فيما يتعلق بالاحداث التي تشهدها المنطقة سيلقي بظلاله عند تحديد مهام القوة المشتركة، لكن اذا ما قدر للدول العربية تجاوز كل تلك العراقيل بدعم من الدول العربية المؤثرة المتبنية للمشروع، فهل سيسمح الغرب للقوة العربية الوليدة أن تتمدد إلى حدود تطلعات الشعوب العربية؟.
قد يرى البعض بأن تشكيل القوة العربية المشتركة جاء بضوء اخضر اميركي، ويذهب البعض الى ابعد من ذلك معتبراً أن مهام القوة العربية المشتركة لن تتعدى حدود الحرب بالوكالة، وأنها ستعمل على تنفيذ الأوامر الصادرة لها من خلف البحار والمحيطات، ويجد المنغمسون في نظرية المؤامرة ضالتهم في القوة العربية المشتركة، حيث بمقدورهم نسج المقطوعات النثرية عن المؤامرة وأبعادها الداخلية والخارجية، إن كان علينا أن نتتبع المؤامرة فالأولى بنا أن نستمدها من الوقائع، حيث بات من الواضح أن الربيع العربي، الذي صفق له البعض على اعتبار أنه المخلص لنا، لم يجلب لنا سوى الفوضى والاقتتال الداخلي، والأهم أنه أنهك قوانا وبدل أولوياتنا، وخيوط المؤامرة فيه لا تحتاج الكثير من الاجتهاد لكشفها.
اتفقنا أم اختلفنا فإن الجيوش العربية شكلت هاجساً في حسابات موازين القوى في المنطقة، وانفراد اسرائيل باليد الطولى في المنطقة يتطلب اضعاف هذه الجيوش، والحديث يدور هنا حول الجيوش العربية الثلاثة الأقوى، حيث تكفل الغرب بتدمير الجيش العراقي تحت يافطة اسقاط نظام صدام حسين، ونجح أيضاً في فعل الشيء ذاته بالجيش السوري وإن أوكل المهمة لغيره، وكاد أن ينجح في نقل التجربة إلى مصر، وبالتالي من وضع ضمن أهدافه الاستراتيجية تدمير الجيوش العربية القوية، هل يمكن أن يصمت ويسمح بولادة قوة عربية مشتركة؟، وإن فعل ذلك هل سيسمح لها بالتمدد خارج الدائرة الضيقة المسموح لها بالحركة فيها؟، لعل المتغير الاهم المرتبط بفكرة القوة العربية المشتركة أن الأنظمة العربية لم تعد تثق بحليفتها اميركا، خاصة بعدما رأت رأي العين أنها لم تتخل عن حلفائها في المنطقة فحسب بل شاركت في الإطاحة بهم، وهو ما يعزز القناعة بضرورة تشكيل القوة العربية المشتركة بما توفره من مقومات الاعتماد على الذات، لكن يبقى السؤال الاهم هل يمكن للقوة العربية المشتركة أن تقترب من الطموح العربي أم تبقى رهن الإحتواء الغربي؟.