هو مربع أم دائرة أم حالة، هو فاسد ولأنه كذلك فان رائحته فاحت، وغبار معاركه المضحكة المبكية سدت الأفق الرحب أمام اللاعبين فحجبت الرؤيا، وقصّرت النظر، وتحولت المصالحة ضمن مربعها من سعي جاد إلى ربابة يعزف عليها، أو مسرح يلتقي فيه الممثلون ليعرضوا مسرحيتهم المكررة، فالأدوار أصبحت واضحة ولا تحتاج لمنجّم يقرأ الفنجان أو يطلّ علينا من عرشه في الرائي ( التلفزة ) ليتنبأ لنا بمستقبل هو أسود كما سواد الانقسام أوالانقلاب أو اسم الدلع له "الحسم العسكري " .

تحولت معضلة المصالحة من " صرارة " إلى جبل، ومن " مزراب " ينز من ماء المطر إلى نهر جار بل أصبحت ( أيقونة) أو معلما بارزا من معالم التراث الفلسطيني أو التاريخ الفلسطيني المعاصر، فكما يشار للحطة والثوب والزيتون والفلافل وياسر عرفات وبحر غزة كرموز وطنية متجذرة أصبحنا نضيف اليوم المصالحة كرمز وطني، نسعى له وأنّى لنا أن نحققه .

عندما تحجب الرؤية أو الرؤيا سيّان فإن الغبار قد يكون السبب أو أن معيق طبيعي مثل الجبال أو الوديان أو الحدود أو البحار تمنعنا من النظر، ولكن أن يكون عائق النظر ذاتي فإن العلّة تكون في الإرادة الصامتة أو المسلوبة تلك التي تنصاع لحكم المطلق أو المقدس أو الفكر المغلق الذي يتلقى علومه من لدن الرحمن-كما يظن- فلا معقب لها، أو يتلقاها من ضغط مصالحه الذاتية أو الحزبية أو التنظيمية على حساب هموم الأمة ومشاغل الوطن ومصالح القضية .

القضية الفلسطينية كانت – ويجب أن تظل- عامل وحدة داخلية، وعامل وحدة عربية . وكلما تشظت أو تشظى من حولها القادة كلما نفر العرب من جهة، واستاء الفلسطينيون أو اغتاظوا أو تألموا، وربما يثورون لأن التراث والفكر والتاريخ الفلسطيني الذي عاش التصدّعات يدرك خطورة استمرار الانقلاب أو الانقسام في صفوفه على تحقيق الأهداف.

وإذ يدرك الفلسطينيون أن قضيتهم تحتاج لقطار عربي فكيف يكون الحال والقاطرة الفلسطينية خرجت عن "سكة " القطار، وما زالت تحت التصليح .

ما زال مربع الانقسام الأسود مريحاً للعديد من كل الأطراف، هل نقول لدى جهتي الصراع أم نقول لدى بعض المستفيدين في حركة فتح أم لدى الآخرين في حماس ؟ نعتقد أن الشعب الفلسطيني ليس أعمى أبداً وهو قد شبّ عن الطوق منذ أزاح عز الدين القسام العصابة عن عينيه وجعله يرى طريق الثورة بوضوح، بل قبل ذلك من أيام الثائر الوطني ظاهر العمر الزيداني .

لا نحتاج لوصفات سياسية للحل، فالطرفان أي حركة فتح وفصائل ( م.ت .ف) من جهة، وحماس لا يختلفان سياسيا أبداً، ففي حين وعت حماس طبيعة المرحلة ولحقت بأهداف الحركة الوطنية (م.ت.ف) متأخرة، وكما لحقت السلطة متأخرة، وقبلها لحقت العمل المقاوم متأخرة، فإنها في حقيقة الأمر تصارع داخليا في اتجاهين فكريين: الأول يصارع على المشاركة في ادارة دفة القضية عبر المنظمة والسلطة ما هو حق لها ولغيرها، والطرف الثاني في حماس يضغط للاستيلاء كليا على المنظمة والسلطة، والفرق كبير بين المشاركة والاستيلاء، ما بين الفكر الديمقراطي والفكر الاقصائي الذي يتوهم أنه يحكم أو سيحكم بنور الله الذي تستضيء به وجوههم لوحدهم دون خلق الله .

كما لا نبتعد كثيراً إذا قلنا ان تياراً ضيق الأفق في أطر ( م .ت .ف ) لا يرى ضرورة بإشراك حماس والجهاد في المنظمة، ويرى قفل الأبواب في وجهها لا سيما أن الانقلاب الدموي ما زالت رائحته النتنة تزكم الأنوف .

إن تيارَي المصالح والإقصاء يتواجهان مع تياري المشاركة والديمقراطية في النظام السياسي الفلسطيني، ما يعني أن القضية الوطنية وفي أحشائها اليوم لغم المصالحة وغبار المصالحة ومزالق المصالحة حيث لا يمكن أن تخرج من عباءة الجدل والجدل المقابل الا بتحرير العقول وتحرير آليات التقبل والتفهم والاعتراف بالآخر والمشاركة بعيداً عن " عبط" ادعاءات احتكار الصواب أو الإسلام أو التاريخ الوطني لهذا الفصيل أو ذاك، وفي كل الأحوال فإن الشعب الفلسطيني المبتلى بقيادته لن يسكت طويلاً .