من المعروف أن الفكر الشمولي والمطلق يحمل في أحشائه فكر إنكار الآخر ، فهو لا يراه ، وان رآه فانه يراه مخرباً أو متآمرا أو كافراُ أو عميلاً . ويحفل التاريخ العربي الإسلامي بالنماذج الحية البعيدة والقريبة لأصحاب هذا الفكر ، وهم عامة كل الطغاة والمستبدين ممن حكموا دون رأي الناس وقد تجد أيضا من أعدائهم ومخالفينهم من يحمل ذات الفكر حتى انقسمت الأمة إلى أحزاب ومعسكرات لا يحمل كل منها للآخر إلا الضغينة والإنكار واقترحوا أن الحل لا يكون إلا بإقامة دولة العدل أو دولة الوحدة أو دولة الإسلام أو دولة الاشتراكية وهي دولتهم هم فقط (أي أصحاب الفكر المطلق) وفي القريب فان النموذج الشمولي ارتبط بأحزاب ودول منها إيران وحزب البعث وأيضا في الإخوان المسلمين ومنها حركة حماس ، وان خرج من الأخيرة من جعل من المراجعات تغير من فكرهم وفي هذا بحث طويل آخر ، أما إيران وحزب البعث اليوم فما زالا في قمقم الأفكار المطلقة . إذا تركنا إيران ، والإخوان المسلمين وتمسكهم بالفكر(الانساني) المطلق (حيث الإشارات اليوم المتضاربة من التمسك به أو تطليقه ) وأخذنا نموذج حزب البعث المتبقي بعد سقوطه في العراق أي حزب البعث السوري فإننا نرى عجبا . إن حزب البعث حسب الدستور السوري هو الحزب القائد في زمن سقطت فيها المقولات الجاهزة مثل الحزب القائد أو التمتع بنعمة التمرغ في تراب السلطان أو تحت أقدامه. والحزب في سوريا يمتلك قيادتين واحدة قومية أي للأمة العربية قاطبة، وأخرى قطرية أي خاصة بسوريا وهما معا لا يملكان من أمرهما شيئاً إلا التصفيق للدولة البوليسية وحكم أجهزة الأمن. رغم كل ما يحدث الا أن صورة الرئيس بشار الأسد مازالت أنه من دعاة الاصلاح لا سيما وأنه شكل اللجان وبصدد سن القوانين الديمقراطية، ومنع اطلاق النار على المتظاهرين ودعا لحوار وطني وأدان تجاوزات الأجهزة الأمنية مؤخرا ما يضع علامات استفهام على تغول هذه الأجهزة ودور الحزب المحنط في ارباك تحركات الرئيس أو الدعوات الاصلاحية وفي قطع الصلة مع الشعب في سوريا كما كان في العراق يرفع الحزب شعارات: الوحدة والحرية والاشتراكية و(الوحدة) الوحيدة التي تمت مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سرعان ما تفككت واستبدل الشعار الوحدوي بالقضية التي يعتقد الحزب والنظام انه وكيلها الحصري في الشرق الأوسط وربما في العالم ما دعى الرئيس الخالد ياسر عرفات يخوض المعارك في عشرات السنين من أجل القرار الوطني الفلسطيني المستقل. كما ان (الحرية) التي تمثل الاقنوم الثاني في شعارات الحزب والثورة والنظام تكاد لا تعرف إلا عبر تمجيد وتعظيم وتفخيم وتضخيم منجزات الحزب والثورة والنظام، وفي هذا الشأن فان لك حرية مطلقة وإلا فان أي همسة فيما سوى ذلك يعني الاعتقال والسجن في واحد من عشرات السجون التي تمتلكها الأجهزة الأمنية الخمسة عشر التي تخوض اليوم حرباً على الآخر المنكر غير الموجود وهو الشعب . أما (الاشتراكية) فقد أعفت نفسها عن الظهور مع سقوط المعسكر الاشتراكي بانهيار جدار برلين ولكنها تظل مع أخواتها المحنطات الساقطات (أي الوحدة والحرية ) متلازمات على الجدران وفي الكتب. في سوريا عندما يخرج المتظاهرون ضد فساد النظام وأجهزته وطلباً للحرية والتغيير فهم في عرف البعث أما يخرجون للهتاف للنظام والنعمة غير الزائلة في ظل السلطان وأما فلا جماهير ولا مظاهرات لذلك فعندما يقتل أحد فهو إما متآمر أو مندس أو يكون أحد رجال الأمن فقط . وفي سوريا عندما يطالب الشعب بالحرية والكرامة يكون تيار المستقبل اللبناني أو فلسطينيو المخيمات أو المدعومين بشيكات من الخليج هم من وراء ذلك . في سوريا يحتقر المواطن ويؤخذ من حقوقه بحجة الممانعة والمقاومة ما دعى حماس للهروب من هذا الجحيم ، ومادعى السوريين (للثورة) أو اجتياز الحدود . في سوريا كل المسلسلات تشكو من الوضع المعيشي السئ والمتدهور ،ثم أثناء(الثورة) يقول الممثلون ان الوضع في سوريا على أتم ما يرام . ويضيف أصدقاؤنا السوريون على ما سبق أن في سوريا فقط هناك 5 جامعات و15 جهاز امني . كما ان الرئيس السوري هو رئيس العرب جميعاً – دون إرادتهم – كما قال رئيس مجلس الشعب ثم تحداه آخر في المجلس لينصبه رئيساً للعالم في ذات الجلسة . كما انه عندما يتظاهر الناس بعد الحملات العسكرية لتأديب الشعب في ما يقارب 100 مدينة وقرية.... فإنهم يخرجون ابتهاجاً بالمطر حسب الفضائية السورية . وعندما تكتشف مقابر جماعية في درعا وغيرها تسارع القناة الرسمية لنفيها وصورها تتنابع على جميع الفضائيات والمواقع . وفي سوريا فقط تفتح الحدود لأول مرة منذ 40 عاماً ليدخل إلى فلسطين عدد من الفلسطينيين بحيلة لم تنطلي على أحد يحاول النظام فيه إزاحة الأنظارعن القتل البشع وعن الاعتقالات العشوائية وعن الحرب المشرعة ضد الشعب . وفي سوريا فقط كما يقول صديقنا السوري أنه بعد أن تسجن 12 عاماً يطلب منك ان تكتب خطاب شكر وترحم للرئيس حتى تخرج من هذا الجحيم . وفي سوريا أيضا تقوم المخابرات بحملة بحثا عن شيخ الإسلام ابن تيمية لاعتقاله ولم يدروا انه توفي منذ 700 عام . وفي سوريا فقط وأيضاً الاستشهادات هنا من صديقنا السوري يقرر السجناء الانتحار فيضرمون النار ويسدون الأبواب ليختنقوا ، ويحاول حراس السجن إنقاذهم . وفي سوريا فقط ذهب جارنا إلى المدرسة صباحاً وعاد منها بعد 11 سنة ، وفي سوريا أيضاً في ظل حزب البعث وحكم الأجهزة الأمنية قد يدخل الطفل السجن قبل ان يدخل المدرسة، والمتظاهرون يقتلون أنفسهم. وهناك كثيرمن الأولويات التي يتحفنا بها صديقنا حيث الصورة تكذب والشعب يكذب والشهداء يكذبون ووسائل الإعلام تكذب ووحدة النظام (المطلق) لا يكذب. | |
يحصل في سوريا فقط وحزب البعث !:
23-05-2011
مشاهدة: 785
د.بكر أبو بكر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها