لم تمنع الظروف العصيبة التي نشأ وعاش فيها الدكتور سامي خليل شعث هو وأسرته، وتعرضه لاعتداءات الاحتلال ومضايقاته المستمرة منذ الانتفاضة الأولى، وهدم منزله وتشريده في الانتفاضة الثانية، من مواصلة مشواره التعليمي المتميز، وصولاً إلى دولة جنوب إفريقيا، ليحقق اختراعاً فيزيائيا مهماً، وضعه ووضع فلسطين في مصاف العالمية، وحقق من خلاله خدمات جليلة للبشرية، سيبنى عليها مستقبلاً.

شعث صاحب الـ 40 عاماً، أنهى دراسته الثانوية العامة في ظل ظروف عصيبة خلال الانتفاضة الأولى، وتعطل المدارس معظم فترات العام، واعتقال المدرسين.

كان حلمه وحلم أسرته خاصة والدته بأن يكون طبيباً، لكن ظروف عائلته الصعبة وقت ذاك حال دون تمكنه من السفر للخارج وكذلك للضفة الغربية بسبب الاحتلال، فكانت الخيارات أمامه محدودة، خاصة أن وقت ذاك لم تكن كلية الهندسة في الجامعة الإسلامية فتحت أبوابها، فقرر تحدي كل الصعاب، ودخول القسم الذي يصفه الجميع بالأصعب، ليرضي طموحاته ورغباته في دراسة علم الإبداع والتميز، والتحق بكلية العلوم قسم "فيزياء".

ورغم ما عاناه خلال دراسته الجامعية، بسبب سوء الأوضاع الأمنية، وتنقله من جنوب إلى شمال القطاع يومياً، إلا أن شعث حقق التميز، وحصل على الترتيب الأول على دفعته في "فوج القدس"، وعمل بعد عام من تخرجه كمعيد في كلية العلوم، التي أكمل فيها لاحقاً دراسة الماجستير في الفيزياء، وواصل عمله كمحاضر وباحث، وبذل جهداً مضنياً للحصول على منحة تؤهله لاستكمال مشواره العلمي وتحقيق حلمه.

وبعد جهد وانتظار لأكثر من سبع سنوات، جاءت الفرصة لدراسة الدكتوراه، بعد عدة فرص تم الحصول عليها في العديد من دول العالم المختلفة، ولكنه لم يتمكن من السفر بسبب حصار غزة، وتحقق أول أحلامه، ووصل بالفعل إلى جمهورية جنوب إفريقيا في جامعة فري ستيت.

وقال شعث في حديث مع "الأيام"، إن السفر للحصول على الدكتوراه كان بداية الحلم، الذي تواصل تحقيقه بإيجاد جامعة عريقة تهتم بالبحث العلمي، وتوفر لطلبتها آفاقاً بحثية كبيرة.

وبين أن دراسته هناك لم تخل من عقبات، فقد فوجئ بأن المجال الذي يعمل به الباحثون بقسم الفيزياء في الجامعة التي التحق بها مختلفاً عما درسه في الماجستير، والتي كانت تتعلق بعلم الكهرباء والمغناطيسية، بينما وجد أن الجامعة تهتم بأبحاث الطاقة الضوئية وخاصة المواد الفسفورية، لكنه اجتهد وبدأ بالربط ما بين خبرته ودراسته ومجال عمل الجامعة، وقد توصل إلى نتائج مهمة في وقت قياسي.

وأكد شعث أنه عمل واجتهد في صمت، وتوصل إلى نتائج جديدة ضمن تخصص علمي فريد، "فيزياء النانو" تتعلق بإنتاج الضوء الأبيض من المواد الفسفورية، ليتم استخدامه في مجال "النانو تكنولوجي"، باستخدام مركب فيزيائي واحد، بدلاً من ثلاثة مركبات كما جرت العادة، لافتاً إلى أن الجامعة لم تكن تعلم عن تلك النتائج، باستثناء المشرف، ويأتي ذلك كله بعد أن قررت دار نشر ألمانية (Lambert Academic Publishing) نشر رسالة الماجستير لشعث على شكل كتاب.

وتابع: "وخلال زيارة علمية لألمانيا لوفد من علماء وأساتذة الفيزياء من جامعته، الذين قاموا بإجراء مختلف التجارب والقياسات على العديد من العينات لكل طلاب وباحثين قسم الفيزياء".

وتابع: "ما هي إلا أيام حتى اتصلوا بي من ألمانيا مذهولين، يستفسرون عن تلك النتائج، متى،.. وكيف،.. وأين؟؟، وطلبوا مني التوجه للقسم بالجامعة في يوم عطلة أسبوعية، وإجراء نفس التجارب مرة جديدة، والتأكد منها وإخبارهم عبر الهاتف، وإرسال النتائج للمقارنة، وقد حدث وحصلت على نفس النتائج.

وبين أن الاهتمام بمجال البحث الجديد في "فيزياء النانو"، بدأ يأخذ منحى آخر من قبل الجامعة، ومنحت لشعث الإمكانات والوقت والأجهزة، التي مكنته لاحقاً من مواصلة أبحاثه، وصولاً إلى تحقيق اختراق علمي مهم، تمثل في إنتاج الضوء الأبيض من مركب يحوي مادة فسفورية، بطريقة بسيطة، لافتاً إلى أن أهم ما يميز إنجازه قلة التكاليف، وسهولة التنفيذ، وهو صديق للبيئة يحافظ عليها ولا يتسبب في تلوثها،، ما يجعله عالمياً.

وأوضح أن اختراعه المهم، الذي سيبنى عليه لاحقاً، سيوفر على البشرية الكثير من المال، ويوفر في استهلاك الطاقة الكهربائية، ويحقق إنارة أفضل بكلفة أقل، مشدداً على استمرار أبحاثه في هذا المجال وغيره، لتحقيق إنجازات أكبر حيث إنه ما زال لديه من الطموحات والآمال.

ولفت إلى أن جامعته في جنوب إفريقيا، بدأت بمراسلات لجامعات ومراكز علمية دولية، للحصول على براءة اختراع بشأن ما حققه، لينسب له وللجامعة.