صعد رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو امس حملته الدولية ضد الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني، الا انه تلقى "لطمة" قوية بعد موجة الاعترافات الدولية بالحكومة الجديدة، والتي توالت تباعاً عقب اعلان الولايات المتحدة انها ستعمل مع حكومة الدكتور رامي الحمد الله وستواصل تقديم المساعدات لها، الأمر الذي اعتبره نتنياهو "مزعجا جدا"، ودفع عدداً من وزرائه الى مهاجمة الولايات المتحدة ووصف موقفها بـ"الخيانة" لاسرائيل.
وفي تعقيبه على الترحيب الدولي بحكومة الوفاق، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، إن الإجماع العالمي على دعم الوحدة الوطنية الفلسطينية هو اعتراف كامل بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وأشاد بمواقف أوروبا وروسيا والصين وجميع الدول العربية والدول الصديقة، والتي رحبت بتشكيل حكومة الوفاق الوطني.
واعتبر أبو ردينة أن هذا إجماع عالمي واعتراف كامل بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس، وبالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وقال: "على إسرائيل أن تفهم أن العالم كله يرفض السياسة الإسرائيلية، وأنه حان الوقت أن تقر إسرائيل بهذه الحقوق التاريخية.
وتوالت امس الاعترافات بالحكومة الفلسطينية، إذ أعلن الاتحاد الأوروبي إلى جانب الصبن وبريطانيا وروسيا وفرنسا والهند وسويسرا والأمم المتحدة استعدادها للتعامل مع الحكومة الجديدة.
وقالت صحيفة "هآرتس" على موقعها الإلكتروني، مساء امس، إن نتنياهو صعد خطابه ضد الحكومة الفلسطينية الجديدة وضد الاعتراف الأميركي بها، إذ اعتبرت إسرائيل هذا الاعتراف بمثابة صفعة لها.
وعلى ما يبدو فإن هذه الاعترافات الغربية على وجه التحديد، دفعت بنتنياهو إلى تصعيد حملته ضد الحكومة الجديدة، إذ قال إنه يشعر بـ"قلق عميق" من قرار الإدارة الأميركية التعامل مع الحكومة الفلسطينية، وتابع أن على الإدارة الأميركية مطالبة الرئيس محمود عباس، بإلغاء الاتفاق مع حركة "حماس".
كما حادث نتنياهو، امس، الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ودعاه إلى عدم الاعتراف بالحكومة الفلسطينية وعدم التعامل معها. وقال إن التعامل مع الحكومة الجديدة يعني منح الشرعية لحكومة تستند إلى "منظمة إرهابية" (حماس)، حسب تعبيره.
وشن مكتب نتنياهو، حملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي استهدفت الرئيس عباس تحت شعار "تعرفوا إلى الشركاء الجدد للرئيس عباس - المخربين الانتحاريين من حماس الذين قتلوا مئات الإسرائيليين".
ورحبت الامم المتحدة بتشكيل حكومة التوافق التي ادت اليمين الدستورية امس، مؤكدة استعدادها لتقديم مساعداتها للجهود المبذولة لانهاء الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وقال المتحدث باسم الامم المتحدة ستيفان دوجاريك في بيان "ان الامم المتحدة تشدد منذ زمن طويل على ضرورة التقدم نحو الوحدة الفلسطينية". واضاف "ان الامم المتحدة تبقى مستعدة لتقديم اي مساعدة للحكومة الجديدة في مساعيها لتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة (...) تحت سلطة فلسطينية شرعية واحدة".
وأدلى المتحدث الاممي بهذه التصريحات بعد ان التقى منسق الامم المتحدة لعملية السلام في الشرق الاوسط روبرت سيري مع رئيس الوزراء رامي الحمدالله امس.
واوضح دوجاريك "ان التحديات السياسية والاقتصادية والانسانية والامنية الكبرى في غزة وكذلك اجراء الانتخابات المنتظرة منذ مدة طويلة" كانت في صلب المحادثات بين الرجلين.
ورحبت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون بتشكيل حكومة "الوفاق الوطني" التي تعتبر "مرحلة مهمة في عملية المصالحة الفلسطينية". وقالت في بيان "أخذنا علما بتشكيل حكومة وفاق وطني فلسطينية برئاسة رئيس الوزراء رامي الحمد الله. انها مرحلة مهمة في عملية المصالحة الفلسطينية".
واضافت اشتون "عملية المصالحة الفلسطينية تواجه تحديات عديدة لكنها تجد ايضا فرصا جديدة لعملية السلام وللتجدد الديموقراطي والشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية". ورحبت بتعيين "شخصيات مستقلة" داخل الحكومة وبتصريحات الرئيس محمود عباس حول التزام الحكومة باحترام "مبدأ الدولتين على اساس حدود 1967 والاعتراف بالحق الشرعي لاسرائيل في الوجود ونبذ العنف واحترام الاتفاقات الماضية".
وحذرت اشتون من ان "دعم الاتحاد الاوروبي لهذه الحكومة الفلسطينية الجديدة سيقوم على التزامها بهذه السياسات والتعهدات".
وقال الاتحاد الأوروبي في بيان "نرحب ... بإعلان الرئيس عباس أن حكومته الجديدة ملتزمة بمبدأ حل الدولتين بناء على حدود عام 1967.. وبالاعتراف بحق إسرائيل المشروع في الوجود".
بدورها، اعلنت الخارجية الفرنسية ان فرنسا مستعدة للعمل بشروط مع حكومة الوفاق الوطني.
وصرح المتحدث باسم الخارجية رومان نادال ان "فرنسا مستعدة للعمل مع حكومة للسلطة الفلسطينية ترفض اللجوء الى العنف وتلتزم بالعمل لصالح عملية السلام وتحترم الاتفاقات المبرمة، ما يعني الاعتراف باسرائيل".
وسبق ان وعد الرئيس عباس بان الحكومة الجديدة المؤلفة من شخصيات مستقلة وتلقى دعم حماس سترفض العنف وتعترف باسرائيل وتحترم الاتفاقات الدولية من اجل طمأنة المجتمع الدولي بخصوص ارادتها التوصل الى السلام مع اسرائيل.
وأكدت باريس انها "اخذت علما" بهذه الضمانات وذكرت بدعمها لعملية المصالحة الفلسطينية في حال احترام تعهدات عباس هذه. وصرح نادال ان "فرنسا متمسكة بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في مجمل الاراضي الفلسطينية" على ما ينص اتفاق المصالحة المبرم في 23 نيسان.
وتابع نادال ان "انهاء انقسام الاراضي الفلسطينية يشكل تطورا مهما باتجاه حل في دولتين. ينبغي اليوم على الطرفين بذل كل الجهود للتوصل الى هذا الهدف من خلال استئناف سريع لمفاوضات السلام".
ورحبت روسيا بتشكيل حكومة الفاق، مؤكدة ان موسكو "ستتعاون بشكل ناشط" معها وذلك في بيان صادر عن وزارة الخارجية. وقالت الوزارة "تشكيل حكومة تكنوقراط موحدة في فلسطين نتيجة جهود حثيثة اتخذها مؤخرا قادة فتح وحماس وحركات ومنظمات اخرى لتخطي الخلافات المتبادلة".
واضافت الوزارة "من المهم ان تستقبل الاسرة الدولية باحترام حكومة الوحدة الوطنية الجديدة" موضحة ان موسكو "ستتعاون بشكل ناشط" مع هذه الحكومة "لتطوير وتوطيد العلاقات الروسية-الفلسطينية الودية تقليديا على مختلف الاصعدة".
ونقلت وكالة انباء ايتار-تاس عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قوله ان الرئيس عباس سيلتقي الرئيس فلاديمير بوتين خلال زيارة رسمية لروسيا في حزيران. ولم يحدد بعد اي موعد رسمي.
وكان اعلان الولايات المتحدة امس الاول، انها ستعمل مع حكومة الوفاق الوطني وتواصل تقديم المساعدات لها، ازمة جديدة بين اسرائيل والادارة الاميركية حيث تشعر تل ابيب بأنها تعرضت للخيانة من حليفتها. ووجه وزراء اسرائيليون صباح امس انتقادات حادة الى القرار الاميركي.
وقال يوفال شتاينتس العضو في الحكومة المصغرة "لا افهم الرسالة الاميركية"، متهما الحكومة الاميركية بتبني موقف مزدوج. وصرح لاذاعة الجيش الاسرائيلي "من غير الممكن تقديم الحكومة في الجلسات الخاصة على انها حكومة حماس ووصفها علنا بانها حكومة تكنوقراط. انها حكومة لحماس، حكومة ارهابية"، حسب تعبيره.
وقال غلعاد اردان العضو في الحكومة الامنية المصغرة "للأسف، السذاجة الاميركية حطمت كل الارقام القياسية. اي تعاون مع حماس التي تقتل نساء واطفالا غير مقبول". وأدان اردان المقرب من نتنياهو ما وصفه بـ"الاستسلام الاميركي الذي لا يمكن الا ان يضر بفرص اعادة اطلاق المفاوضات ويدفع اسرائيل الى اتخاذ اجراءات احادية الجانب للدفاع عن مواطنيها ضد حكومة ابو مازن الارهابية".
واعتبر المعلق السياسي شيكو مناشيه بان نتنياهو يشعر "بالخيانة والخداع" خاصة بعدما اكد رئيس الوزراء الاسرائيلي الاحد في اجتماع حكومته الاسبوعي التزام وزير الخارجية الاميركي جون كيري بعدم الاعتراف فورا بالحكومة الفلسطينية. وقال مناشيه ساخرا "لم يكن ذلك فوريا. فلقد انتظروا خمس ساعات قبل الاعتراف بها".
ونقلت صحيفة "اسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو عن مسؤول اسرائيلي كبير انتقاده للموقف الاميركي واصفا اياه"بالطعنة في الظهر".
وراى المعلقون بان الفلسطينيين حققوا "نجاحا ملحوظا" من خلال المصالحة حيث نجحوا في دق اسفين جديد بين اسرائيل والولايات المتحدة.
وشنّ اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة حملة ضد حكومة الوفاق الوطني وطالب بقطع المساعدات عنها، لكنها بشكل غير مباشر حربا ضد الإدارة الأميركية التي سارعت للاعتراف بالحكومة الفلسطينية.
وقال موقع "واي نت" العبري إن نتنياهو، يحارب الرئيس الاميركي باراك أوباما في بيته، وتمثل ذلك في قيام المنظمات اليهودية بحملة تحريض في مجلس النواب ضد استمرار تقديم المساعدات المالية للسلطة الوطنية. مضيفا أن إسرائيل ردت على إعلان واشنطن بأنها تعتزم التعامل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة بنقل الصراع مع الإدارة الأميركية إلى الكونغرس ومجلس النواب.
وطالبت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، ومجلس رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، بوقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية. وقالت "ايباك" في بيان عممته الليلة قبل الماضية، إنها تدعو الكونغرس لإجراء فحص شامل لاستمرار المساعدات للسلطة الفلسطينية وضمان تطبيق القانون بشكل تام. فيما قال مجلس رؤساء المنظمات اليهودية، في بيان إن "القانون الأميركي يمنع تمويل حكومة فلسطينية التي تشارك بها حركة حماس. لهذا نؤيد دعوة أعضاء كونغرس من الحزبين للنظر في المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية".
وشهد مجلس النواب حراكا للضغط على الإدارة الأميركية لإعادة النظر في موقفها من الحكومة الفلسطينية، وأصدر مسؤولون في مجلس النواب من الحزبين بيانا قالوا فيه إن الحكومة الفلسطينية التي تحظى على تأييد حركة حماس، تضع المساعدات الاميركية للسلطة الفلسطينية التي تقدر بحوالي 300-500 مليون دولار سنويا في خطر.
من جانبه، دعا زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، اريك كانتور، الإدارة الأميركية والكونغرس "لإجراء فحص إذا ما كانت المساعدات المقدمة لما تسمى حكومة تكنوقراط، تتوافق مع مصالحنا، ومبادئنا وقوانيننا - التي تفرض على الإدارة تجميد المساعدات الاميركية".
وقالت، نيتا لوئي، أكبر عضو ديمقراطي في لجنة الاعتمادات المالية في مجلس النواب: " طالما أن حماس ترفض مبادئ الرباعية، ووجود إسرائيل، فإن التمويل الاميركي لحكومة الوحدة في خطر".
وكان السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، رون درامر، سارع للاعتراض على قرار الاعتراف الأميركي، و كتب على صفحته في شبكة التواصل "فيسبوك"، إن "إسرائيل تشعر بخيبة أمل عميقة من موقف الخارجية الاميركية إزاء حكومة الوحدة الفلسطينية التي تضم تنظيما إرهابيا".
ونقل موقع "واي نت" عن مسؤول إسرائيلي قوله إن المجلس الوزراي المصغر الذي اجتمع يوم أمس الاول لم يتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة موقفا بهذه السرعة. فوجئنا بسرعة اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة. هذه ضربة لإسرائيل وتضر بالمواقف الإسرائيلية".
فيما نقل الموقع عن مسؤول آخر قوله "لا نستبعد أن يكون القرار الأميركي يهدف إلى عقاب إسرائيل على مواقفها في المفاوضات مع الفلسطينيين- المواقف تعتبرها الإدارة الأميركية أدت لأزمة عميقة في المحادثات". ويشير الموقع إلى أن واشنطن نفت هذا التفسير بشكل قاطع: "لا يدور الحديث عن معاقبة إسرائيل هذا افتراض غبي, درسنا مواقفنا ، وحتى إعلان الحكومة لم نعرف كيف نتصرف".
وفي اليمين المتطرف، قال وزير الاقتصاد نفتالي بينيت للاذاعة الاسرائيلية العامة ان "هذه الحكومة الارهابية غير شرعية"، حسب تعبيره. واضاف بينيت زعيم حزب "البيت اليهودي" المتطرف "يجب الانتقال الى الهجوم".
واكد متحدث باسم وزارة الجيش ان اسرائيل قامت بتجميد تحويل 5,8 مليون دولار من اصل 117 مليون دولار من اموال الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الوطنية الفلسطينية كل شهر.
وبحسب المتحدث فان الوزراء في الحكومة الجديدة "لن يسمح لهم بالتنقل بحرية بين قطاع غزة والضفة الغربية" مشيرا الى انه "سيتم النظر في طلباتهم كل على حدة".
وأمر نتنياهو، في ختام اجتماع المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، أمس الاول، بتشكيل لجنة وزارية للبحث في ضم مناطق في الضفة الغربية إلى إسرائيل، بزعم أن هذه الخطوة تأتي ردا على تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" امس، إن عضوي الكابينيت، نفتالي بينيت وغلعاد أردان، طالبا خلال الاجتماع بضم مناطق من الضفة إلى إسرائيل، وأن تكون الخطوة الأولى بضم الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون". وأضافت الصحيفة أن الوزيرين يائير لبيد وتسيبي ليفني عارضا هذا الاقتراح وأن اجتماع الكابينيت جرى في أجواء مشحونة. وقرر نتنياهو تشكيل طاقم لبحث ضم أجزاء من الضفة في إطار خطوات أحادية الجانب تنفذها إسرائيل، وأن يرأس هذا الطاقم وزير الجيش موشي يعلون.
ونقلت الصحيفة عن قرار الكابينيت أن "تقرر تشيكل طاقم لكي يبحث في طرق عمل أمام الواقع الناشئ، واستعدادا لأوضاع سياسية ستنشأ في المستقبل". وأشارت إلى أن قرار الكابينيت يشكل إنجازا بالنسبة لبينيت واردان لأن هذه المرة الأولى التي تبحث فيها الحكومة الإسرائيلية ضم مناطق من الضفة بصورة جدية.