حوار: منال خميس
خاص- مجلة القدس، أقفلت التصريحات الأخيرة لسفير مصر لدى السلطة الفلسطينية ياسر عثمان الجدلالدائر بشأن الموقف الرسمي حول طبيعة العلاقة ما بين حركة "حماس" ومصر، حيثأكد على حرص القيادة المصرية على وحدة التمثيل الفلسطيني وعدم المس بمنظمة التحريرالفلسطينية، مشدداً على قوة العلاقة ومتانتها بين مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية،فضلاً عن استمرار الرعاية المصرية الكاملة للمصالحة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه أعلنوزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو أنَّ مصر تستقبل رموز وقيادات حركة "حماس"كزوار فقط وليس بصفتهم الرسمية، نافياً ما تردد عن افتتاح مكتب لحماس بالقاهرة.
ركائزالعلاقة ما بين حماس ومصر
كشف مسئوولون في"حماس" أنَّ رئيس مجلس الوزراء المصري هشام قنديل أبلغ هنية بترحيب بلدهبمشروع المنطقة التجارية التي ستكون بديلاً عن الأنفاق، مشترطاً موافقة السلطة الفلسطينيةعلى المشروع.
وكانت زيارة هنية ووفده المرافق إلى مصر قد أثارت جدلاً فلسطينياحاداً حول الموقف المصري الرسمي من هذه الزيارة، غير أنَّ السلطة الفلسطينية نجحت فيإفراغ الزيارة من مضمونها بعد احتجاج علني من قبل الرئيس محمود عباس على استقبال هنيةفي القاهرة أو أيَّة دولة أخرى، محذراً من المساس بوحدة التمثيل الفلسطيني.
وفي الوقت الذيكشفت فيه مصادر إعلامية رفض قادة "حماس" في القطاع للإجراءات المصرية المشددةتجاه الأنفاق ورفضها للضغوط المكثفة التي تمارسها مصر على حكومتها لملاحقة التياراتالسلفية التي تتهمها القاهرة بالضلوع في حادث رفح، أيدت بعض قياداتها الخارجية هذهالإجراءات معتبرةً بأنَّه حق للقاهرة التي تسعى إلى ضمان أمنها القومي، لافتةً لضرورة العمل على تهدئة الأوضاع في غزة وعلى الحدود،ومد فترة الهدنة مع إسرائيل، وطرح فكرة المقاومة جانباً في الفترة الحالية.
وفي قطاع غزة وبعدفوز مرشح حزب الحرية والعدالة المنبثق عن حركة الإخوان المسلمين المصرية محمد مرسيبالانتخابات الرئاسية، تزايدت التساؤلات حول طبيعة العلاقة التي ستنشأ بين حركة"حماس" التي تسيطر على قطاع غزة من جهة، وحركة الإخوان المسلمين التي تُسيطرعلى حزب الشعب المصري والرئاسة المصرية من جهةٍ ثانية.
ويرى أستاذ العلومالسياسية بجامعة الأزهر بغزة ووزير الثقافة الأسبق الدكتور إبراهيم أبراش، أنَّ العلاقةبين مصر وقطاع غزة قائمة على اعتبارات جغرافية وتاريخية وسياسية، موضحاً "جغرافياًلأنَّ الحدود البرية الوحيدة لقطاع غزة مع العالم ما عدا حدود إسرائيل هي حدوده معمصر، إلى جانب التداخل الجغرافي والبشري بينالطرفين، وبعد فرض إسرائيل الحصار على قطاع غزة عام 2006م، بات هذا المنفذ البري -تحت الأرض أو فوقها - المصدر الوحيد لكسر الحصار.وتاريخياً كان قطاع غزة ما بين عامي 1948- 1967م، كياناً قائماً بذاته لا يخضع لأيةسلطة فلسطينية، بل خاضعاً لحاكم عسكري مصري، مع تواجد قوات دولية على حدوده مع إسرائيل.أمَّا سياسياً فقد تأثر قطاع غزة باعتباره جزءاً من فلسطين بالسياسة المصرية، فعندماتكون السياسة المصرية معادية لإسرائيل وترفع رايات القومية والمواجهة كما كان الأمرأيام الرئيس جمال عبد الناصر، تتحسن العلاقة بين الطرفين، وعندما تتقارب علاقة مصرمع إسرائيل كما جرى في عهدي السادات ومبارك، تتوتر علاقتها مع الفلسطينيين، ويدفع قطاعغزة ثمن هذا التوتر بسبب جواره لمصر".
وأضاف "منذفرض الحصار على قطاع غزة والانقسام أو فصل غزة عن الضفة، وحركة "حماس" وحكومتهاتتهمان "مصر مبارك" بالمشاركة بحصارقطاع غزة من خلال إغلاق المعبر البري الوحيد أو فتحه لأيام معدودة وبوجه عدد محدودمن الأفراد، والانحياز لجانب إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وخلال سنوات الحصار كان مطلبكسر الحصار المطلب الرئيس لحماس من الحكومة المصرية، ووقتهالم تعترف مصر بحكومة"حماس" في غزة ولم يلتقِ أي مسؤول سياسي رفيع المستوى بأيٍّ من قيادات"حماس" أو عناصر حكومتها، وكانت العلاقة فقط مع المخابرات.
اصطدامالواقع بالمراهنات
عن تأثير فوز مرسيعلى العلاقات بين الطرفين، علَّق أبراش: "بعد فوز مرسي في الانتخابات عمَّت فرحةعارمة لدى أنصار "حماس"، وخصوصاً في غزة. ونحن نتفهم هذه الدرجة من المراهنةعلى كل حالة عربية مستجدة لأنَّ حال الفلسطينيين بات كالغريق الذي يتشبث بقشة، ولكنَّالخطأ هو أن "حماس" رفعت سقف التوقعات وراهنت كثيراً على أنَّ فوز مرسي سيغيرجذرياً العلاقة بين قطاع غزة ومصر، وبين مصر والسلطة والرئيس أبو مازن، فقد كانت مراهنة"حماس" على المتغيرات التي تحدث في مصر مبنية على أنَّ نظام حسني مبارك كانمعادياً لها ولكل الجماعات الإسلامية، إلا أنَّ مراهنتها اصطدمت بالواقع، وفي ظني فإنَّرؤية "حماس" كانت لا تخلو من سذاجة، لأنَّها لم تميز بين مصر الدولة بمصالحهاالقومية وعلاقاتها الدولية من جانب ومصر "الإخوانيّة" من جانبٍ آخر، فمصرالدولة ستكون لها الأولوية على أي حسابات أيديولوجية أو حزبية، حيثُ أنَّ متطلبات واستحقاقاتحكم دولة مرتبطة باتفاقات دولية وبمصالح اقتصادية ومسؤولة عن حوالي 90 مليون نسمة،سيكون له الأولوية على حساب الدخول في علاقات مع قطاع غزة يمكنها أن تحرض واشنطن وإسرائيلعليها وتخل بالإلتزامات الدولية".
وتابع "لقد كان مرسي واضحاً في خطابه الأولبعد فوزه، حيث لم يأتِ في خطابه على ذكر فلسطين أو غزة وحصارها أو إسرائيل، رغم إشارتهبطريقةٍ غير مباشرة لإسرائيل عندما قال أنه سيلتزم بالاتفاقات الدولية التي وقعتهامصر مع الدول الأخرى. فالعلاقات الإستراتيجية للدول لا تتغير مباشرة بوصول رئيس جديدينتمي لأيديولوجيا مغايرة لسابقه، وهناك مصالح قومية ثابتة للدولة لا يستطيع الرئيسالجديد تغييرها بسهولة. لذا فعلينا الأخذ بعين الاعتبار أنَّ القضية الفلسطينية لنتكون على رأس سلم اهتمامات النظام المصري الجديد، لأنَّ حل مشكلة الفلسطينيين ومعاناتهمأكبر من قدرة مصر لوحدها على حلها".
مصرو"حماس" ما بعد الانتخابات: تداعيات محتملة
حول توقعاته إزاءتداعيات وصول مرسي إلى كرسي الحكم، قال أبراش: "على المستوى السياسي سيتم الارتقاءبعلاقة مصر مع "حماس" لدرجة أقوى من السابق، وقد يصبح لحماس مكتب تمثيل فيالقاهرة أو حتى ينتقل مقرها الرسمي إلى هناك، وهذا الأمر سيثير غضب السلطة الفلسطينيةلأنه سيشكك بالصفة التمثيلية لمنظمة التحرير وسيضفي شرعية على حكومة إسماعيل هنية التييعتبرها الرئيس أبو مازن غير شرعية، ما قد يشجع دولاً أخرى على الاقتراب منها ومعاملتهاكحكومة شرعية في قطاع غزة، ويؤثر بدوره على موقف جامعة الدول العربية بهذا الشأن. كماأنَّ كلَّ مسعى لتطوير علاقة مصر مع "حماس" ورفع قيود تنقُّل الأشخاص والبضائععبر معبر رفح البري، سيدفع تياراً نافذاً من الأخيرة نحو مزيد من التشدد في ملف المصالحة،وبالتالي فإنَّ ما نخشاه أن ينجح مسعى الرئيس مرسي بإنهاء الحصار البري على غزة ويتعثرمسعى المصالحة ويتكرَّس الانقسام".
واستطرد:"أمَّا على المستوى الأمني، فأرى أنَّه سيصبح أمر التصعيد أو التهدئة على حدود القطاعمع إسرائيل خاضعاً لاعتبارات تتعلق بتطور العلاقة بين مصر الجديدة وإسرائيل، وربمايلجأ الطرفان لاستعمال قطاع غزة كميدان اختبار لجس نوايا كل طرف أو للضغط عليه، وقدتتطور الأمور إلى الأسوأ أمنياً وعسكرياً في شمال سيناء، الأمر الذي قد يدفع إسرائيللتوظيف الحالة الأمنية في سيناء لتبرير تصعيدها عسكرياً ضد قطاع غزة وربما ضد سيناء،والسيناريو الأسوأ في هذا السياق هو أن تقوم إسرائيل في حالة وجود مؤشرات على تحولفي سياسة مصر تجاهها بحرب استباقية محدودة في سيناء تخلط من خلالها الأوراق وتفرض أمراًواقعاً يجبر مصر على ربط قطاع غزة بشمال سيناء ضمن صيغة ما، وهذا المخطط هو ما تحدثتعنه مراكز دراسات استراتيجية إسرائيلية، وستضغط مصر على "حماس" والفصائلالأخرى للالتزام بالتهدئة مع إسرائيل، وهذا الأمر قد يخلق خلافات بين حركة "حماس"وبعض الفصائل التي ترفض التهدئة بدون ثمن، كما سترفض هذه التهدئة جماعات في غزة مرتبطةبمثيلاتها في سيناء تتعرض لهجمات من الجيش المصري".
وتوقّع أبراش فيحديثه للـ "قدس" أن يشهد المستوى الاقتصادي في قطاع غزة تحسناً، نظراً لتسهيلالتنقل عبر المعبر وحركة دخول المساعدات والاستثمارات في إطار إعمار غزة، منوهاً إلىأنَّ مصر قد تفكر بالاستجابة لطلب حكومة غزة الرامي لإنشاء منطقة حرة على الحدود بينالطرفين، إلا أنَّ هذه الخطوة تحتاج لإعادة النظر ببروتوكول باريس الاقتصادي الذي يربطاقتصاد قطاع غزة والمعابر بإسرائيل، وهناك بعد أمني في الموضوع، فهل ستضمن حركة"حماس" ومصر ألا تقوم إسرائيل بتدمير هذه المنطقة الحرة إذا تمَّ خرق التهدئةأو قام طرف فلسطيني بعملية فدائية ضد إسرائيل؟
وواصل حديثه"من الضروري أن يتم التفكير جدياً بتداعيات ربط اقتصاد قطاع غزة بمصر، حيث نخشىأن تكون النتيجة أسوأ من ارتباطه بإسرائيل، فعندما يصبح معبر رفح المنفذ الوحيد لغزةستتحكم الرأسمالية والتجار والسماسرة المصريون بالقطاع، وقد جربنا أسلوب التعامل".
وختم بقوله"حتى مع توفر الإرادة عند الرئيس مرسي للعمل لمصلحة الفلسطينيين، تبقى هناك حدودلا يمكن لمصر تجاوزها، فالمصالحة بمعنى إعادة توحيد غزة والضفة في سلطة وحكومة واحدة،والرفع النهائي للحصار البري والبحري والجوي عن قطاع غزة، مرتبطان بمسار التسوية وبالرباعيةوبأوضاع إقليمية ودولية، وإن كنا نشكر مصر شعباً ورئيساً وحكومةً على كل مسعى من أجلرفع الحصار عن القطاع، إلا أننا نتمنى على الرئيس مرسي أن لا ينسى أن غزة جزء من فلسطين،وأنَّ معركتنا الأساسية الآن هي تحرير الضفة والقدس وقضية اللاجئين".
في مدينة غزة يستطيعالمارون من عند الزاوية الغربية الجنوبية من المجلس التشريعي، ومن أمام دوّار السرايا،أن يروا صورة كبيرة عُلِّقت بعرض الحائط لإسماعيل هنية مبتسماً جداً وهو يصافح الرئيسمحمد مرسي، في أول زيارة له لمصر بعد فوز الأخير بالانتخابات الرئاسية المصرية، فهلسيبقى الرهان الحمساوي على المد الاخواني الأقرب جغرافياً، أم أنَّ "حماس"ستبحث عن بديل؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها