حوار: امل خليفة/ رام الله - فلسطين
خاص/ مجلة القدس، ما زال صدى معركة الكرامة يتكرر في الأذهان. فتلك المعركة التي غيرت مجريات الأمور وغيّرت النظرة إلى حركة فتح وإلى الثورة الفلسطينية ككل، والمعركة التي أعطت الدروس للجيوش العربية في كيفية التصدي للجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وقتها. وأعادت الهيبة والروح المعنوية للمقاتل العربي الذي تجرع الهزائم في حرب العام 1948 والعدوان الثلاثي عام 1956 وحرب العام 1967. عن مقدمات تلك المعركة والظروف التي أحاطت بها تحدث لنا الأخ صلاح التعمري مستذكرا لحظات تلك المعركة وما جرى فيها وكيف أثرت على مجريات الأمور وعلى تغير الفكر العسكري الفلسطيني والعربي، ونص المقابلة كما يلي:
الأخ صلاح التعمري ما هي المقدمات التي أدت إلى بداية معركة الكرامة؟
مباشرة بعد حرب الـ1967 قامت قوات العاصفة لحركة فتح بإعادة تجهيز صفوفها وقواتها والطلب من الموظفين ترك أعمالهم ومن الطلاب ترك جامعاتهم والتوجه إلى معسكر الهامة في ريف دمشق وكان بمثابة المعسكر التدريبي المركزي لحركة فتح. ومن هناك انتقلنا إلى الأغوار في منطقة الكرامة وكان في الكرامة مخيم للاجئين الفلسطينيين وذو كثافة سكانية عالية وكان المخيم يبعد كيلو مترين عن الضفة الشرقية لنهر الأردن وكان المخيم كمركز لتسويق الخضار حيث كانت السهول المحيطة بالكرامة سهول مزروعة بالحمضيات والخضراوات، وكنا نبيت ليلة أو ليلتين في الكرامة لنقوم بالاستطلاع والتسلل إلى الضفة الغربية المحتلة. وهذا التواجد الكثيف للفدائيين واللاجئين وقرب المخيم من الحدود جعله عرضة للقصف الإسرائيلي المستمر سواء القصف المدفعي أو غارات الطيران الحربي، وجاء الوقت الذي أدرك فيه الاسرائيليون بأن القصف المدفعي وقصف الطائرات لم يعد مجديا ولم يعد رادعا لوقف العمليات والتسلل للضفة الغربية من خلال مخيم الكرامة، فقرروا مهاجمة منطقة الكرامة بشكل مباشر وبالزحف البري وبمساندة الطائرات، وكنا نعرف بأن جيش الاحتلال سوف يقوم بعملية عسكرية واسعة في الأغوار مستهدفا بشكل رئيس الكرامة وذلك قبل المعركة بحوالي يوم أو يومين.
وفي 21 آذار من العام 1968 وفي تمام الساعة الخامسة صباحا عبرت آليات وطائرات ودبابات الجيش الإسرائيلي نهر الأردن باتجاه الأغوار من أقصى شماله وحتى أقصى الجنوب من وادي عربة، وصاحب ذلك الهجوم قصف مدفعي وجوي عنيفان، وتم التصدي لهذا الهجوم من قبل قوات الفدائيين في أكثر من منطقة. والجيش الأردني وللحقيقة والتاريخ لعب دورا مهما حيث التقينا قبل المعركة بيومين وبالتحديد قبل المعركة بيوم ونصف واتفقنا على الصمود والقتال معا وهذا ما تم.
ما هي نتائج المعركة وأثرها على حركة فتح؟ وكيف كانت الخسائر من كلا الجانبين؟
كانت خسائر فتح ما يقارب الـسبعين شهيدا وخسائر قوات التحرير الشعبية الموالية لحركة فتح كانت بحدود ثلاثين شهيدا، كما سقط من الجيش الأردني عشرات الشهداء وجرح رئيس الأركان الأردني في ذلك الوقت اللواء مشهور الحديث. وفي الجانب الآخر كانت الخسائر الإسرائيلية فادحة وصادمة للعدو في العتاد والآليات ومن الجنود ولأول مرة تنتهي المعركة بطلب من العدو لكي ينقل قتلاه وجرحاه واستطعنا الصمود وكسر مقولة جيش الاحتلال الذي لا يقهر. وكانت هذه المعركة سابقة بحيث ولأول مرة تقرر جهة عربية أن تصمد أمام الهجوم الإسرائيلي المعلن من قبل ولا تنسحب، وجل المقاتلين كانوا من الشباب الملتحق بالجامعات وموظفين وكنا نعرف بأن معنى الانتصار هو أن نصمد وأن مقابل كل شهيد سيسقط سيلتحق بحركة فتح وبالثورة الفلسطينية آلاف من المتطوعين. وهذا ما حدث فعلا حيث تدفق المتطوعون على مراكزنا في الغور، وفي ذلك الوقت كان عدد المتطوعين أكبر من قدرة الحركة على استقباله واستيعابه ضمن الطرق التقليدية، إذ كنا في حركة فتح نخضع العضو الجديد وقتا من الزمن لإعداده ثقافيا وسياسيا وعسكريا قبل أن يقسم اليمين وقبل أن يصبح عضوا في الحركة. ونتيجة لهذه الأعداد الكبيرة التي تدفقت على مكاتب ومعسكرات الحركة، لم يكن لدينا العدد الكافي من الضباط والكوادر الحركية القادرة على استيعاب وتدريب الأعضاء الجدد، وتم تقليص البرامج التعبوية لاستيعابها. وهذه كانت من السلبيات التي عانت منها حركة فتح لفترة طويلة، ولكن الثورة استمرت وبعد عام 1968 أبدعت الحركة الكثير من المؤسسات الفلسطينية مثل الهلال الأحمر ومؤسسة الأشبال والفتوة وغيرها.
لقد كانت سنوات المد الثوري والحلم الجميل، والروح المعنوية للشباب والفدائيين تغيرت وارتفعت، ليس فقط للفلسطينيين بل للأمة العربية ككل، وحتى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي هزم جيشه في حرب الـ67 زادت ثقته بقدرته على محو آثار العدوان الذي تم على المنطقة العربية، وكما ذكر هو ذلك وكان، رحمه الله، يحب أن يستمع لإذاعة فلسطين إذاعة العاصفة التي كانت تبث من القاهرة في ذلك الوقت.
كيف أثر الفكر العسكري لمعركة الكرامة على الثورة الفلسطينية وعلى أدائها بعد المعركة؟
أولا الضابط في الجيش العربي لم يكن مميزا كثيرا عن الجنود، يعني أن الضباط كانوا قبل حرب الـ67 طبقة معزولة ولها امتيازات، ولكن في الكرامة كان عدد الشهداء من الكوادر القيادية والضباط نسبتهم متساوية مع نسبة الشهداء من الجنود والمقاتلين حيث سقط عدد كبير جدا منهم ومن الرتب العالية ومن حملة الشهادات وكان الشعار في المعركة "اتبعني" وليس "تقدم إلى الأمام" كما كان في المعارك السابقة، على أن يبقى الضابط في الخلف، بل كان الضابط في معركة الكرامة يقود من خلال تواجده الجسدي أمام مقاتليه. هذا الامر كان له تأثير كبير على المقاتلين في المعركة وعلى سير المعارك فيما بعد، وعندما خاض الجيش المصري معركة العبور في عام 1973 كان ضباط الجيش المصري هم من عبر قناة السويس وخط بارليف ومن ثم عبر الجنود، هذا ما تعلمه الجيش المصري من الكرامة ومن قوات العاصفة التابعة لحركة فتح.
وفي معسكر الهامة التابع للحركة، كان يتدرب عدد كبير من جماعة الإمام الخميني ومن جماعة حزب توتا الإيراني التابعة لشاه إيران وقتها، وقوات من ثوار نيكاراغوا ومن مختلف بلدان العالم، بالإضافة إلى حركات التحرر العربية. وهذا بالتأكيد ترك أثره على تلك الحركات والثورات وكذلك استخدام سلاح ال "أر بي جي" وكان له الأثر الكبير في حرب ال1973 حيث أبدع الجيش المصري في استخدام هذا السلاح ضد الآليات العسكرية الإسرائيلية وكذلك الصواريخ المضادة للدبابات وأوقعوا خسائر فادحة في صفوف العدو، لكن الأهم كان المعنويات العالية التي تركتها وزرعتها معركة الكرامة في نفسية المقاتل العربي والفلسطيني، فوقتها كنا شبابا لا نملك الخبرة العسكرية المطلوبة وكل ما كنا نملكه روح الشباب والشجاعة والبراءة والنقاوة الثورية ومزيج تلك المشاعر والأخلاق مع اندفاع الشباب هو الذي حقق الانتصار الذي حدث في الكرامة.
كيف أثّر الفكر الفتحاوي والتكتيك العسكري والكفاح المسلح الذي اتخذته فتح في ذلك الوقت على سير المعارك بعد الانتصار الذي تحقق في الكرامة؟
الحقيقة ليس الفكر العسكري وحده الذي حقق هذه النتائج وغير مجريات الأمور، وإنما الفكر الفتحاوي بشكل عام والروح المعنوية والاندفاع الشبابي وحب العطاء والاستعداد المطلق للتضحية وعمق الانتماء هو من حقق هذه النتائج. وهذا الفكر هو الذي أملى علينا طريقة المواجهات مع العدو الإسرائيلي، وحقيقة الكفاح المسلح أدى دوره في ذلك الوقت وكان كنوع من الصخب الإعلامي المسلح الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية كقضية شعب يطالب بحقوقه وفي مقدمها حق العودة وتقرير المصير، وما عاد العالم ينظر لقضيتنا في ذلك الوقت كقضية لاجئين بحاجة إلى تموين ومساعدات إنسانية، بل شعب يريد تحقيق واستعادة حقوقه الوطنية وهذا هو الأمر الذي حققه الكفاح المسلح في ذلك الوقت.
وعلينا أن لا نسجن أنفسنا بين قضبان المرحلة الراهنة بكل ضبابيتها وبكل سلبياتها وليلها الطويل الذي يسيطر على منطقتنا العربية، بل علينا أن ننظر إلى ما وراء هذه الغيوم المتلبدة، فوراء هذه الغيوم شمس مشرقة وهناك آفاق يجب أن نصل إليها ويجب أن لا نسجن أنفسنا بين جدران اللحظة الحالية فمعركة الكرامة تكررت في لبنان وفي غزة وفي الضفة، وهذه كلها صدى لمعركة الكرامة بشكل أو بآخر وعلينا أن لا نيأس بل يجب إلغاء اليأس من قاموسنا نحن شعب يطالب بحريته ونملك الإرادة، لذلك سنحقق الحلم بإذن الله.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها