لست مؤرخاًفي علم الأجناس، لأدقق في استخلاصات نظرية الارتباط التي جاء بها عدد من الكتّاب والمؤرخينوالسياسيين الإسرائيليين: تسفي ميسناي وأوري سمحوني ومردخاي نيسان وبنيامين تسدكا،والذين وصلوا إلى نتيجة مفادها أن الفلاحين في قرى الضفة الفلسطينية هم من أصل يهودي،وأنه 'آن الأوان بعد ألفي عام من لقاء الإخوة، أن تتم إعادة توحيدهم بعد عداء طويل(بين اليهود والفلاحين الفلسطينيين) وأنه لا يرفع أخ على أخ سيفاً وفق القيم اليهودية'،وذهب هؤلاء وغيرهم، ليس فقط إلى ذكر أسماء قرى فلسطينية عديدة، على أنها موطن يهودبل وأن سكانها ينحدرون من أصول يهودية، وذكروا عائلات عربية فلسطينية بعينها على أنهاتنحدر من أصول يهودية.لست مؤرخاً، حتى أدقق في الأعراق والأجناس، ولكن بكل تواضع الإنسانالذي يحمل هّم شعبه ويتلوى لعذاباته، ويعمل محاولاً على إنهاء معاناته، واستعادة حقوقهونيل فرص الحرية والعيش الوطني الكريم على أرضه فلسطين، ألتقط ما قدمه هؤلاء من المؤرخينوالكتاب والسياسيين، وأقول إن ذلك ليس مستغرباً، طالما أن هذه الأرض كانت ملكاً للشعوبالمتداولة التي سكنتها ومرّت بها الحملات المتعاقبة، والديانات التي ولدت من أرضهااليهودية والمسيحية والإسلام على التوالي، وهذا ما نؤمن به نحن الذين ننتمي إلى الشعبالعربي الفلسطيني، وإلى الديانة الإسلامية، فنحن لا نكره اليهود لأنهم جزء من شعبناالعربي، ولا نكره اليهودية لأنها جزء من عقيدتنا، بل نكره الاستعمار سواء جاء بلباسعربي أو أجنبي، سواء كانت مصادره إسلامية أو مسيحية أو يهودية.فالفلسطيني يؤمن إيماناًراسخاً بأن شعبنا العربي الفلسطيني ليس مسلماً وليس مسيحياً وليس يهودياً، بل كان ومازال من المسلمين والمسيحيين واليهود، والتعايش بينهم كان نموذجياً قبل الحركة الصهيونيةونشاطها الاستعماري الاستيطاني على أراضي الفلاحين الفلسطينيين العرب من المسلمين والمسيحيينوطرد قطاع واسع منهم بفعل تلك الهجمة الاستيطانية والتي تنشط فعالياتها المدمرة اليومفي القدس بشكل خاص وباقي أراضي الضفة الفلسطينية بشكل عام، وتستهدف سكانها وأهلها غيراليهود.ونحن كمسلمين نؤمن بالديانات الثلاث، ونحترم أتباعها ونصون مقدساتها، وهذا واجبديني نلتزم به، وليس رغبة ذاتية انتقائية، لدى أي منا، فالنبي إبراهيم عليه السلامبالنسبة لنا هو أب لكل الأنبياء، وقد انعكس هذا التراث العقائدي، وهذا التاريخ الواقعيعلى فلسفتنا السياسية وقرارات مؤسساتنا الوطنية، فلم يكن عبثاً ولا صدفة أن سفير منظمةالتحرير الفلسطينية في النمسا كان يهودياً إسرائيلياً، ونجاح أوري ديفيز في أن يكونعضواً عاملاً منتخباً في المجلس الثوري لحركة فتح من المؤتمر السادس الذي انعقد فيبيت لحم 2009، ووجود مقعد ثابت في المجلس التشريعي الفلسطيني ليهود نابلس السامريين،دلالات رمزية على مدى مصداقية التوجهات الوطنية الفلسطينية نحو الشراكة والتعايش اللذيندمرتهما السياسة الرسمية الإسرائيلية وهجماتها الاستيطانية ذات الطابع الاستعماري فيالحصول على أرض الفلسطينيين عنوة وتدمير حياتهم وسلب حقوقهم وجعل أرضهم طاردة لسكانها،تحقيقاً للشعار الصهيوني، أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.لست من علماء الآثار، ولست باحثاًفي علم الأجناس، ولذلك أترك للعلماء والمختصين ليدللوا أو يتأكدوا أو يدققوا بمدى صوابما وصلت إليه استخلاصات دعاة نظرية الارتباط، ولأنني من المتابعين والمراقبين للشأنالسياسي، والعاملين على استعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني المنهوبة وأجهد كي تنتهيمعاناة الشعب الفلسطيني وعذاباته، أقول لهؤلاء ولغيرهم، أظهروا الود بدلاً من الكراهية،والتضامن بدلاً من النكران، وإرساء قيم الشراكة والتعايش بدلاً من إلغاء الآخر وطرده،فالمؤسسات الفلسطينية كافة تبنت الدولة الديمقراطية الواحدة على كامل أرض فلسطين –إسرائيل، كي يعيش عليها الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي ودولة يتساوى فيها اليهود معالمسلمين والمسيحيين، دون تمييز وعداء، بعد أن فشل الطرفان في إنهاء بعضهما بعضاً علىالأرض الواحدة، أرض المقدسات والأنبياء، لتكون دولة واحدة وعاصمتها القدس الواحدة ذاتالقيم والحضور العربي الفلسطيني، الإسرائيلي العبري، من المسلمين والمسيحيين واليهودبمساواة واحترام متبادل.مطلوب من هؤلاء، بما يمثلون، وبما يؤمنون، وبما يتطلعون أنيقدموا الخير والود والتضامن مع الطرف الضعيف المظلوم، حتى يظهر الفلسطيني على حقيقتهكإنسان متحضر عاش وتربى على التعايش وعلى الأخوة الإسلامية المسيحية اليهودية.ما يقومبه المستوطنون، بدعم من المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية وبغطاء وتحريض من المؤسسةالدينية العقائدية اليهودية، لا يترك مجالاً للصلح أو للتعايش أو لاستعمال العقل، بليدفع نحو ردات الفعل العنيفة كي تؤدي دورها، بسبب الظلم وبالإحساس بالضعف من قبل الفلسطينيينالفقراء بإمكاناتهم المتواضعة وصدورهم العارية.هؤلاء وغيرهم مطالبون بالعمل والقولوإبداء الرأي والموقف لردع المستوطنين عن مواصلة برنامجهم التدميري للقرى الفلسطينيةالتي يدعي أصحاب نظرية الارتباط أن أهلها هم من أصول يهودية، وأنهم إخوان لا يجوز رفعالسيف أي العنف والقتل والتدمير ضدهم، وعليهم العمل من أجل إعطاء فرص التعايش والقواسمالمشتركة وصولاً للسلام، بدلاً من الاستيطان والاحتلال والاستعمار.نحن شعب واحد، يمكنأن يكون ذلك، مع صعوبته، ونحن من أصول واحدة، رغم صعوبة تقبله، ومع هذا لا خيار للشعبينسوى فرص الحياة المشتركة في دولة واحدة ديمقراطية، لقوميتين، متعددة الديانات من المسلمينوالمسيحيين واليهود تحكمها نتائج صناديق الاقتراع، أو دولتين متجاورتين تتعاونان فيعناوين كثيرة، بدلاً من الموت والقتل وإلغاء الآخر. لسنا عنصريين حتى نقول لا يمكنلدماء يهودية أن تجري في عروقنا، فاليهودية عقيدة ودين، يمكن أن يقبل بها إنسان ويرفضهاإنسان آخر مثلها مثل الإسلام والمسيحية، بل وثمة عقائد وأفكار يُؤمن بها البشر أكثرمن أتباع الديانات السماوية الثلاث، كالبوذية وغيرها من العقائد 'الدينوية' في شرقآسيا وقبائل إفريقيا.انتصار قيم العدالة والخير والسلوك السوي في التعامل مع الآخرهو الأساس، وكما يُقال لدى شعبنا 'الدين المعاملة' وليس الادعاء بالحقيقة ونفيها عنالآخر، ولذلك ستبقى نظرية الارتباط بلا معنى حينما لا تتوج بسلوك من أصحابها يرفعونمن خلالها مواقف مؤيدة لهؤلاء الفلاحين الفلسطينيين، ورافضة لكل ممارسات الاحتلال والتوسععلى حساب إخوان لهم يمكن أن يكونوا أحفاداً لعائلات يهودية مضت .