سؤلت على إحدى القنوات الفضائية العربية يوم الاثنين 3 شباط/فبراير الحالي عن ضبابية الموقف الإسرائيلي، كان جوابي "لا ضبابية في الموقف الإسرائيلي، فالموقف واضح". واستغربت السؤال من حيث المبدأ. لأن من يتابع مواقف بنيامين نتنياهو، رئيس الائتلاف الحاكم، وبتسليئيل سموتريش، وزير المالية، وغيرهم من أركان الائتلاف يسمع ويقرأ جيدًا مواقفهم، لا تشوبها أية التباسات، أو غموض، كونها صريحة ومعلنة على الملأ، ويجري اجترارها بشكل دائم، ومحدداته هي: "تحقيق النصر الكامل"، والتهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين من القطاع، والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين؛ وإنشاء إدارة محلية من أبناء عائلات قطاع غزة، لإدارة شؤون المواطنين خلال المرحلة الانتقالية، ومنع عودة السلطة الوطنية وحكومتها لحكم القطاع، وعدم السماح بعودة سيطرة حركة حماس للحكم مجددًا، وفصل القطاع عن الضفة الفلسطينية والاحتفاظ بمناطق عازلة على طول حدود الغلاف مع ابقطاع بعمق ما بين 700 متر وكيلو متر، ومواصلة الحرب حتى تحقيق كل الأهداف الواردة أعلاه، والبقاء في محوري صلاح الدين/فلادلفيا ونتساريم. 

ولهذا كان يفترض أن يكون السؤال، هل تواصل حكومة نتنياهو التمسك بأهدافها، أم يمكن نتيجة عوامل ذاتية وموضوعية تدوير الزوايا، واغتنام ما يتم الحصول عليه نتاج المفاوضات، وفقًا للمثل الشعبي الفلسطيني "عصفور باليد، ولا عشرة على الشجرة". هنا تختلف طريقة الحوار والجواب. لأن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق أي من أهدافها على الصعيد الفلسطيني، سوى هدف الإبادة الجماعية التي أدت إلى استشهاد وجرح ربع مليون فلسطيني، والتدمير الهائل لمئات الآلاف من الوحدات السكنية والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس والبنى التحتية، وحرمان الشعب من أبسط مقومات الحياة غير ذلك لم يتحقق، فلم تتمكن الحكومة وجيشها وأجهزتها الأمنية ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية والغرب عمومًا من التهجير القسري، لا بل واصل الشعب الصمود في تحدٍّ غير مسبوق، وتجذروا في التراب الوطني أكثر فأكثر، ولم يستطيعوا الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، لا بل قتلوا العشرات منهم في حربهم الجهنمية، والباقي يجري تبادلهم مع الأسرى الفلسطينيين نتاج عملية التفاوض، ولم يتمكنوا من تصفية أذرع المقاومة، ليس هذا فحسب، بل إن الجيش الإسرائيلي أنهك في الحرب على مدار الشهور الـ16 الماضية، أضف إلى ذلك، أنهم سينسحبون من القطاع ومن المحاور التي اعتبرها نتنياهو "استراتيجية"، ولن يسيطر على أي مناطق عازلة، وأجزم أنهم لن يتمكنوا من فصل الضفة عن القطاع، ولن تقوم قائمة لأية إدارة محلية، وإنما ستتولى الحكومة الفلسطينية الولاية الكاملة على القطاع أسوة بباقي محافظات الوطن في الضفة بما فيها القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين.

وعلى صعيد آخر، اعتبر ممن شاركوا في الحوار، أن تغيير طاقم التفاوض الإسرائيلي بتكليف الوزير رون ديرمر، بدل قادة جهازي الموساد ديفيد برينع والشاباك رونين بار يحمل في طياته تغيرًا، لكنه لا يعتبر غموضًا، أو أمرًا ضبابيًا، وإنما هي معادلات خاصة برئيس الحكومة الإسرائيلية، حيث يريد السيطرة التامة على آليات التفاوض، وتكليف الشخص المقرب منه، وزير الشؤون الاستراتيجية، والذي تربطه علاقات واسعة مع القيادات الأميركية في الإدارة الحالية. وبالتالي افتراض البعض، أن ذلك يندرج في دائرة الغموض، هو تقدير غير دقيق، ويحتاج إلى مراجعة، لأن قادة الوفد المفاوض السابقين والحالي لا يختلفون على الأهداف الإسرائيلية المراد تحقيقها، وإنما الاختلاف في الأشخاص وطريقة تعبير كل منهم في إدارة المفاوضات، مع بقاء الأهداف ذاتها، ومرهون الأمر بقدرته على انتزاع أي منها، من عدمه.
في النتيجة أخلص إلى القول، هناك فرقًا واضحًا بين الضبابية وتدوير الزوايا لتحقيق أكبر قدر من الأهداف، وهذه سمة السياسة، ومعادلات الحروب بمختلف أشكالها ومسمياتها، فليس بالضرورة كل ما يعلنه هذا الفريق أو ذاك من أهداف لحربه أن تتحقق، وبالتالي تملي عليه نتائج ومعادلات الحرب إعادة نظر في سيناريوهاته وأهدافه. وشتان بين هذا وذاك.