في ظل مواصلة إسرائيل حرب الأسوار الحديدية على الشعب الفلسطيني في محافظتي جنين وطولكرم لليوم الـ15 والـ9 على التوالي، وما نجم عنها من عمليات قتل طالت ما يزيد على 50 شهيدًا والعديد من الجرحى، وعمليات التجريف والتدمير الكبيرة للمخيمات الفلسطينية بذرائع واهية، ورغم صدور مذكرتي اعتقال من محكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو، ووزير حربه السابق يوآف غالانت، إلا أن الإدارة وجهت الدعوة لنتنياهو لزيارتها في تحدي للمحكمة الدولية، وتدمير الجيش العربي السوري والسيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، والتعنت برفض الانسحاب من كامل الأراضي اللبنانية وفق الاتفاق المبرم بين لبنان الشقيق وإسرائيل برعاية أميركية فرنسية وعربية، تأتي زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي الـ47 يوم الثلاثاء 4 فبراير/شباط الحالي، كأول زيارة رسمية لشخصية "أجنبية" للبيت الأبيض بعد تولي الرئيس دونالد ترمب الحكم بنحو أسبوعين، لما لذلك من دلالة وأهمية بالغة بالنسبة للضيف الإسرائيلي، ونتاج عمق الروابط الاستراتيجية بين البلدين. كما أن نتنياهو أجل الشروع في المفاوضات بشأن المرحلة الثانية، التي يفترض أن تبدأ يوم الثلاثاء، وفق نص الاتفاق المبرم بين إسرائيل والوسطاء وحماس بشكل غير مباشر.
توجه نتنياهو وهو يحمل في جعبته الكثير من الأهداف والملفات السياسية والعسكرية الأمنية الخاصة بائتلافه الحاكم، وبالحرص على تعميق التحالف بين الشريكين الأميركي والإسرائيلي، وبين البلدين، كما أن للرئيس ترمب أهداف سيطلبها من حليفه، رغم تحفظاته العديدة على شخص رئيس الحكومة الإسرائيلية نتاج موقفه في أعقاب تهنئته المتسرعة للرئيس الأميركي السابق، جو بايدن عام 2021. لكن السياسة عمومًا، وطبيعة تركيبة الإدارة الأميركية الجديدة الصهيونية والافنجليكانية المتصهينة، أسقطت المنغصات، ومن بين الأهداف التي يحملها رئيس حكومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، التالية:
أولاً الحصول على دعم الإدارة الأميركية لضم الضفة الفلسطينية، حسب الوعد الذي قطعه الرئيس ترمب للمليارديرة الإسرائيلية الأميركية مريم أدلسون في أيلول/سبتمبر الماضي؛ ثانيًا حث نتنياهو الرئيس ترمب على مواصلة خياره بالتهجير القسري لنحو مليون ونصف مواطن فلسطيني من قطاع غزة، على اعتبار أن ذلك يشكل ضمانة لأمن دولة إسرائيل اللقيطة، ويعزز من فرص إسرائيل في القضاء على أذرع المقاومة؛ ثالثًا الحصول على تأكيد من الإدارة والرئيس الأميركي بعدم سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وأيضًا الحؤول دون سيطرة منظمة التحرير والدولة الفلسطينية وحكومتها على القطاع، وإيجاد إدارة محلية من أبناء القطاع لإدارة شؤون المواطنين هناك؛ رابعًا فصل الضفة عن القطاع كليًا، من خلال عملية تعميق الفصل بين جناحي الوطن الفلسطيني. لأن ذلك يؤمن لإسرائيل تحقيق هدفها في السيطرة الأمنية والاقتصادية واللوجستية على فلسطين التاريخية، ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة؛ سادسًا منح إسرائيل حق استئناف الإبادة الجماعية على الشعب في قطاع غزة لتصفية أذرع المقاومة، وتحقيق "النصر الكامل" حسب ما أعلن رئيس الائتلاف الإسرائيلي الحاكم مرات عدة؛ وارتباطًا لما تقدم يحمي ائتلافه من الانهيار. لا سيما وأن بتسليئيل سموتريش هدد بالانسحاب من الحكومة، في حال لم تتواصل الإبادة الجماعية؛ ثامنًا الضغط على المملكة العربية السعودية وقطر وغيرها من الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفق مسار "السلام الإبراهيمي"، مع إعطاء أولوية قصوى للتطبيع مع السعودية، التي ترفض التطبيع دون الحصول على التزام إسرائيلي باستقلال دولة فلسطين، والانسحاب الكامل من قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين من أرض وطنهم الأم.
وعلى المستوى الثنائي والإقليمي هناك أهداف أخرى، منها تاسعًا تعميق أواصر العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، بما في ذلك الحصول على المزيد من الأسلحة الاستراتيجية الأميركية لتعزيز الترسانة العسكرية الإسرائيلية، وتمكينها من فرض سيطرتها على الإقليم؛ عاشرًا مواصلة تغيير خارطة الشرق الأوسط الكبير بما يسمح لإسرائيل بالهيمنة والتسيد على الإقليم؛ الحادي عشر معالجة الملف النووي الإيراني بما يضمن عدم تمكن إيران من صناعة القنبلة النووية، وإن لم يتم ذلك بالتفاوض يسمح لإسرائيل بالتعاون مع الإدارة الأميركية لتوجيه ضربة عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية؛ الثاني عشر ملاحقة محكمة الجنائية الدولية، ومطالبتها إلغاء مذكرتي الاعتقال بحقه وحق قرينه غالانت.
ومن المؤكد أن للرئيس ترمب بعض الأهداف من الزيارة، منها الإصرار على تنفيذ الاتفاق والإفراج عن الرهائن جميعًا والتبادل مع الأسرى، وعدم تجاوز بنود الاتفاق والهدن الثلاث، والذهاب لوقف الحرب؛ كما أنه سيطلب من نتنياهو تحسين ظروف حياة الفلسطينيين، وعدم التعجل بضم الضفة الفلسطينية لما بعد لقاءاته مع بعض الزعماء العرب وخاصة الأمير محمد بن سلمان والملك عبدالله الثاني والرئيس عبدالفتاح السيسي، وعدم توجيه ضربة عسكرية الآن لإيران، ومطالبته بالانسحاب من الأراضي اللبنانية وفق الاتفاق، وغيرها من القضايا الثنائية المشتركة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها