بلا أدنى شك أن الرئيس الأميركي ترامب يتمتع بقدرة عالية على فرض توجهاته وما دَلَ على ذلك هو إرغام مجرم الحرب نتنياهو على توقيع إتفاق الهدنة ووقف مؤقت لحرب الإبادة والتطهير العرقي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذا النجاح يرتب عليه مسؤولية أعظم في إنجاز السلام الإقليمي في الشرق الأوسط الذي مثل عاملاً رئيسًا بتقويضه الإنحياز الأميركي للكيان الاستعماري الإسرائيلي ودعمه برفض تنفيذ القرارات الدولية بإنهاء إحتلاله لباقي أرض فلسطين "الضفة الغربية وقطاع غزة" والجولان إثر عدوان حزيران 1967 وتمكينه الإفلات من المساءلة والعقاب مما وضع أميركا بمكانة المشترك والمحرض على تحد أهداف ومبادئ وميثاق الأمم المتحدة خلافًا لمسؤولياتها كدولة عظمى دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي وتتربع منفردة على قيادة العالم لثلاث عقود.

- بداية السلام في الشرق الأوسط:

تصريح الرئيس ترامب بأن إتفاق الدوحة "الهدنة" بداية السلام في الشرق الأوسط، هذه بداية جيدة من البعد النظري ولكن هذا آثار عدد من التساؤلات منها:

- أولاً: ما هو مفهوم السلام الذي يعنيه، هل فرض إدماج إسرائيل بإستراتيجيتها العدوانية التوسعية في الوطن العربي؟.

- ثانيًا: هل ما يعنيه الإنتقال بالموقف الأميركي من مربع العزلة الدولية السياسية لأميركا الناجمة عن دعمها للجرائم الإسرائيلية المرتكبة والتي لا زالت ترتكب بعموم الأراضي الفلسطينية والمعترف بها دوليًا خاصةً خلال الخمسة عشر شهرًا الأخيرة على قطاع غزة إلى مربع إعمال والإلتزام بالشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة دون إلتفاف على نصوص ومبادئ الميثاق والقوانين والإتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية عبر تفسيرات تتناقض ومقاصدها وفلسفتها كما تم بالتعامل على سبيل المثال مع المادة 51 من الميثاق التي بينت مفهوم الدفاع عن النفس.

- ثالثًا: هل يعني بتصريحه عن بداية السلام تعزيز النفوذ والهيمنة الأميركية السياسية والاقتصادية والعسكرية على الوطن العربي الكبير بأقطاره لعقود قادمة عبر القوة والتقسيم على أسس مذهبية وعرقية وطائفية دون أي اعتبار لمصالح وأمن واستقرار دوله، استباقًا لولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب؟.

- رابعًا: هل يعني أن الإتفاق بداية السلام في الشرق الأوسط إنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا بموجب قرار الجمعية العامة رقم 19/67/ 2012 وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس المكفول بميثاق الأمم المتحدة وبمئات القرارات الصادرة عن  الجمعية العامة للأمم وقرار محكمة العدل الدولية الذي أكد على عدم شرعية وقانونية الاحتلال الإسرائيلي أسوة بباقي شعوب العالم والذي يشكل الأساس لإقامة السلام والأمن.
 
- مفهوم السلام عربيًا:

بعد تصريح الرئيس الأميركي بات لزامًا على القيادات العربية أن تتواصل مع الرئيس ترامب وإداراته كفريق بموقف موحد للسلام المنشود وذلك عبر:

▪︎ التأكيد على الإلتزام بقرارات القمم العربية والإسلامية على مركزية القضية الفلسطينية وبأن لا سلام في المنطقة دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس.

▪︎ التأكيد على الإلتزام بالمبادرة العربية الصادرة عن قمة بيروت 2002 والبدء بتنفيذها من ألفها إلى يائها دون أي تغيير وصولاً لإقامة علاقات مع "إسرائيل".

▪︎ الإتفاق على جدول زمني مجدول بخطوات محددة ينتهي بفترة أقصاها تسع شهور من الآن تنفيذًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في أيلول الماضي الذي طالب إسرائيل كسلطة إحتلال غير قانوني بإنهاء احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة خلال مدة أقصاها 12 شهرًا من بداية صدور القرار بالثامن عشر من أيلول 2024.

▪︎ التأكيد على أن فرض أي حلول استنادًا لإعمال مبدأ القوة مآله الفشل فإرادة الشعوب العربية والشعب الفلسطيني طليعة في النضال من أجل الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة ستبقى مشتعلة مهما بلغ حجم المؤامرات والتفاوت بموازين القوى العسكرية.

▪︎ التأكيد على الإلتزام بالأمن القومي العربي بمفهومه الشامل وما يعنيه من رفض عملي لاستهداف أمن واستقرار أي دولة عربية.

- ترامب رجل الصفقات:

الرئيس ترامب عرف عنه رجل الصفقات وهذا ما يسعى لتطبيقه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية بعالم السياسة وهذا غير مضمون النجاح وخاصة بالتعامل مع الدول التي تتمتع بقوة عسكرية  كروسيا والصين فيما يخص الحرب بأوكرانيا بينما يمكن أن تنجح مؤقتًا بإرغام دول متوسطة القوة أو ضعيفة عسكريًا عبر استخدام سلاح التدمير كما حصل في غزة وجنوب لبنان ولكن عندئذ لن يحقق أهدافه ومصالحه على المدى الطويل.
طبقًا لذلك يستدعي من قادة الدول العربية التعامل مع ترامب بالأسلوب واللغة التي يتبعها أي لغة المصالح والمكاسب والمتابع للشؤون السياسية والإسترتيجية من دول ومراكز أبحاث وخبراء يخلص وعلى ضوء ما صرح به منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض أن مصالحه السياسية والاقتصادية والإستراتيجية لدى الدول العربية والتي بدونها تعني تراجع وتقهقر النفوذ والمصالح الأميركية على الساحة العالمية أي بكلمات بسيطة تفوق المصالح العربية لدى أميركا بفارق كبير.

- سلام ترامب وسلامنا: سلام ترامب وفق المؤشرات يعني:

- إخضاع الدول العربية للإرادة الأميركية.

- إدماج إسرائيل بالوطن العربي دون إنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.

- إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين والقبول بإنهاء عمل الأونروا قبل حل قضية اللاجئين وفق القرار 194.

- الاعتراف بإسرائيل على كامل مساحة فلسطين التاريخية وتحويل الشعب الفلسطيني من شعب يناضل من أجل الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس إلى قضية إنسانية معيشيشة.

- توظيف الإمكانيات والقدرات العربية لصالح أميركا ترغيبًا وترهيبًا.

- سلامنا: أما السلام الذي نريده يعني:

- ترسيخ وتجسيد السيادة الفعلية العربية لمصالحنا القطرية والقومية.

- التعامل مع الدول العربية كقطب مستقل لاعب على الساحة العالمية وليس الاستفراد بكل دولة على حدى تجسيدًا للقول فرق تسد.

- إنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة بدءًا من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا.

- بناء العلاقة العربية الأميركية على قاعدة تبادل المصالح بإتجاهين.

- الشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الشعب العربي وبالتالي حقوقه حق رئيس من حقوق الشعب العربي وحريته واستقلاله ضمان لأمن ووحدة وحرية واستقلال الوطن العربي الكبير بأقطاره.

- إعلاء سمو الشرعية الدولية على ما عداها من اعتبارات ورفض الإزدواجية والإنتقائية الأميركية بالتعامل مع القضايا العربية وخاصة الفلسطينية.

- ضمان الاعتراف بالدولة الفلسطينية عضوًا عاملاً في الأمم المتحدة.

فاليتوحد الموقف العربي أمام محاولات ترامب وإدارته بفرض رؤيته وبإدماج إسرائيل في قلب الوطن العربي دون التخلي عن سياستها العدوانية وإنهاء إحتلالها وتنفيذها القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية وفرض أمننا ومصالحنا دفاعًا عن سيادتنا. الوطن العربي أمام محطة فاصلة إما القوة و الحرية والاستقلال والسيادة وإما الضعف والتبعية، ففلسطين هي العنوان والتحدي والبوصلة.