بقلم: رامي سمارة

أواخر الشهر الجاري، يدخل حيز التنفيذ قانونا الكنيست الإسرائيلية اللذان يستهدفان عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في الأراضي الفلسطينية، وأقرا بالأغلبية في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2024.

وبموجب ذلك، أبلغ سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه يتوجب على الوكالة وقف جميع أنشطتها في مدينة القدس المحتلة وإخلاء مبانيها بحلول الخميس 30 كانون الثاني/يناير الجاري.

ويحظر القانون الأول نشاط "الأونروا" داخل "المناطق الخاضعة للسيادة الإسرائيلية"، بما يشمل تشغيل المكاتب التمثيلية وتقديم الخدمات، فيما يحظر القانون الآخر أي اتصال مع الوكالة.

وبالنسبة للوكالة، فإن قطع الاتصال سينهي فعليًا حالة التنسيق لضمان تحركات آمنة لطواقم "الأونروا" من الفلسطينيين، وسيفرض عليهم ظروف عمل محفوفة بالمخاطر، كما أنه سيحول دون حصول موظفيها الدوليين على تأشيرات الدخول والعمل في الأرض الفلسطينية المحتلة.

كما سيضع القانون عراقيل أمام تعامل "الأونروا" مع البنوك الإسرائيلية وحصولها على الحوالات المالية ودفعها الرواتب وسداد المستحقات المترتبة عليها.

وبالنسبة لحكومة الاحتلال، فإن مصطلح "المناطق ذات السيادة الإسرائيلية" في القانون الأول يتعلق بالقدس الشرقية المحتلة، حيث يقع المقر المؤقت لرئاسة "الأونروا"، وتحديداً في حي الشيخ جراح، الذي كان عرضة في الأشهر الأخيرة لموجة من الأعمال الإرهابية والقرارات الإقصائية.

وفي أيار/مايو 2024، اضطرت إدارة الوكالة لإغلاق المقر تحت وطأة هجمات شنها مستوطنون، وصلت حد إضرام النيران في مبانيه مرتين خلال أسبوع واحد.

وفي الشهر ذاته، أخطر المستشار القضائي لمنطقة القدس في "سلطة أراضي إسرائيل" وكالة الغوث بوجوب إخلاء مقرها الرئيس في الشيخ جراح، بداعي أنه يقام بشكل غير قانوني على أرض بمساحة تقدر بـ 36 دونماً تم الاستيلاء عليها عام 2006 وضمها كأحد أحياء مستوطنة "معاليه دفنا".

وشمل الإخطار مطالبة الوكالة بدفع مبلغ يفوق 27 مليون شيقل بداعي استخدام الأرض بشكل غير قانوني.

وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر 2024، أعلنت "سلطة أراضي إسرائيل" عن الاستيلاء على الأرض المقام عليها مقر وكالة "الأونروا" في حي الشيخ جراح، وتحويل الموقع إلى بؤرة استيطانية تضم 1440 وحدة سكنية.

كما استهدف الاحتلال كلية تدريب قلنديا، بإصدار "سلطة أراضي إسرائيل" في 14 كانون الثاني/يناير 2024 قرارًا يطالب "الأونروا" بإخلائها، ودفع رسوم إشغالها بأثر رجعي بقيمة 17 مليون شيقل، بذريعة إنشاء مبان واستخدامها دون تصريح.

- الضرر لن يقتصر على خدمات "الأونروا" في القدس:

ولن يقتصر الأثر المباشر لقراري الكنيست على مركز الوكالة بحي الشيخ جراح، بل بما تديره الأونروا من مدارس وعيادات في القدس الشرقية، وما تقدمه من خدمات لعشرات آلاف اللاجئين في المدينة ومحيطها.

وتقدم "الأونروا" خدمات لأكثر من 110 آلاف لاجئ في القدس، ويتبع الوكالة الأممية مخيمان للاجئين هما: مخيم شعفاط، ومخيم قلنديا، وتدير هناك مؤسسات مثل عيادة الزاوية الهندية عند مدخل باب الساهرة، ومدارس الذكور والإناث في القدس وصور باهر والمخيمين آنفي الذكر.

وذكر مدير الاتصالات السابق في "الأونروا" كريس غانيس، أن حظر إسرائيل الوشيك لعمليات الوكالة وإيقاف خدماتها الأساسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يمهدان لضم القدس الشرقية.

وجاء في مقال نشره غانيس، أن "إسرائيل تخطط لتحل محل الأونروا في القطاعين الصحي والتعليمي، والاستيلاء على 10 مدارس تابعة للوكالة ومركز تدريب مهني و3 مراكز صحية تخدم 63 ألفًا و500 لاجئ في القدس الشرقية".

ويمثل ذلك حسب المقال "ضمًا فعليًا" للمدينة، بهدف إبعادها عن أي حل تفاوضي مستقبلي وسلبها من أي شرعية دولية، الأمر الذي سيمثل خطوة كارثية لإسرائيل تؤدي إلى تأجيج الاستياء الدولي المتزايد منها، وتعزيز محاولات طردها من الأمم المتحدة، كما حدث لجنوب أفريقيا إبان فترة الفصل العنصري.

وتصاعد استهداف إسرائيل للأونروا ومحاولات إنهاء وجودها وتصفية قضية اللاجئين منذ عام 2017، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمة موحدة لإسرائيل.

الوكالة أعلنت أنها ماضية في عملها لتقديم الخدمات وإدارة شؤون اللاجئين والمخيمات حتى الرمق الأخير، في ظل الضبابية التي تحيط بآليات تطبيق قراري الكنيست، فحظر أنشطتها وتدخلاتها سيترتب عليه نتائج كارثية على الصعيد الإنساني.

ونقل عن المسؤول الأممي جيمي ماكغولدريك، الذي أشرف على العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في غزة والضفة الغربية، أن عمليات الأونروا في الأراضي الفلسطينية تمثل شريان الحياة لملايين الفلسطينيين، الذين يعتمدون على خدماتها الأساسية من تعليم ورعاية صحية ومساعدات غذائية.

وتقدم الأونروا خدمات لنحو 6 ملايين لاجئ، في مجالات التنمية البشرية والخدمات الإنسانية، بما يشمل التعليم، والرعاية الصحية، وشبكة الأمان الاجتماعي والدعم والحماية، والبنى التحتية وتحسين المخيمات، والاستجابة الطارئة، بما في ذلك حالات النزاع المسلح.

وتدير الأونروا 706 مدارس ابتدائية وإعدادية في أقاليم عملياتها الـ5، وهي توفر التعليم الأساسي المجاني لحوالي 545 ألف طفل من لاجئي فلسطين، فضلاً عن التدريب المهني التقني والتعليم العالي في 8 مراكز للتدريب المهني لما يقارب 8 آلاف لاجئ، إضافة لأكثر من ألفي طالب يلتحقون بكليتين للعلوم التربوية.

كما تشرف الوكالة على 140 مركزاً صحياً تستقبل بمعدل سنوي نحو 7 ملايين زيارة، إضافة إلى 1.7 مليون لاجئ يتلقون مساعدات غذائية طارئة (قبل العدوان على قطاع غزة)، فيما يتجاوز عدد المستفيدين من خدمات الحماية الاجتماعية 400 ألفاً، ضمن 58 مخيماً معترفاً بها.

- لا بديل للأونروا وعلى إسرائيل تحمل المسؤولية:

وأكد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني، أنه لا بديل للوكالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في حال نفذت إسرائيل قراري حظر أنشطتها.

وقال: إنه لا توجد خطة بديلة داخل الأمم المتحدة، لأنه لا توجد مؤسسة أخرى قادرة على تقديم نفس الأنشطة، فلا يمكن أن تحل محل الأونروا أي وكالة أممية أخرى، لأنه ما من وكالة بالأمم المتحدة قادرة على تأمين التعليم وتقديم الخدمات الصحية كالأونروا التي راكمت خبرة على مدار 7 عقود، مكنتها من بناء قدرات لوجستية وبشرية لا يمكن مضاهاتها.

ويوضح مدير شؤون الأونروا في الضفة الغربية رولاند فريدريك، أنه ليس ثمة بديل عملياتي يمكنه أن يحل محل وكالة الغوث، ولا حتى من بين المؤسسات التابعة للأمم المتحدة.

وأضاف فريدريك في تصريحات صحفية: "في حال لم تعد الأونروا قادرة على الاستمرار في عملها داخل الأراضي الفلسطينية بفعل قانوني الكنيست، فإن المسؤولية قانونياً ستعود مباشرة لإسرائيل بصفتها القائمة بفعل الاحتلال، وهذا يضع عليها التزامات أهمها تقديم الخدمات الأساسية للاجئين، لكن المؤكد أيضًا أن دور الوكالة في فلسطين لا يوجد عنه بديل، فهي تقوم بدور خدماتي كبير لا يمكن تعويضه بسهولة".

واتهم المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، إسرائيل باستثمار موارد مالية ودبلوماسية كبيرة في حملات لتصوير الأونروا كمنظمة إرهابية، ووصف موظفيها بالإرهاب أو متعاطفين مع إرهابيين، ما جعلهم عرضة للتهديد والترهيب والمضايقة.

وارتفعت وتيرة التحريض الإسرائيلي على وكالة الغوث بالتزامن مع حرب الإبادة على قطاع غزة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وصولاً إلى وصم "الأونروا" بـ"الإرهاب".

وأكد لازاريني أن القانونين الصادرين عن الكنيست يهدفان إلى إنهاء عمليات الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة بمعزل عن أي عملية سياسية، ما من شأنه ألحاق ضرر بصورة لا رجعة فيها بحياة ومستقبل الفلسطينيين.

وأضاف: "تفكيك الأونروا سوف يطمس ثقة الفلسطينيين في المجتمع الدولي وأي عملية سياسية يرعاها. فكيف للمجتمع الدولي أن يفسر للفلسطينيين أن تشريعاً أقره برلمان محلي يمنع وكالة تابعة للأمم المتحدة من إنقاذ الأرواح وتوفير الخدمات الأساسية؟".

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أكد أن التشريعات المحلية لا يمكن أن تسقط عن كاهل إسرائيل ما يترتب عليها من التزامات بموجب مـيثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال.

وأكد غوتيريش أن وكالة الغوث لا بديل عنها، كونها الجهة الرئيسية التي تقدم المساعدة الأساسية للاجئين الفلسطينيين، الذين تنتظرهم عواقب مدمرة إذا ما طبق القانونان الإسرائيليان، فضلاً عن الضرر الذي سيلحق بحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والسلام والأمن في المنطقة بأسرها.

وبينما شدد الأمين العام على أن لا بديل لوكالة الغوث يستطيع توفير الخدمات للاجئين الفلسطينيين بالأراضي المحتلة بما في ذلك القدس، ورد أنه رفض الخوض في أي مداولات مع إسرائيل حول استبدال "الأونروا" تأكيداً على موقف الأمم المتحدة بأنه ليس من مسؤوليتها طرح البدائل.

وقال غوتيريش في رسالة وجهها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي: إنه إذا أُجبرت الأونروا على التوقف عن العمل، فسيتعين على إسرائيل "ضمان توفير مجموعة الخدمات والمساعدات التي كانت تقدمها الوكالة بما يتوافق مع التزاماتها بموجب القانون الدولي".

وأكد رئيس مكتب الأمين العام للأمم المتحدة إيرل كورتيناي راتراي، أن الأمم المتحدة لا تتحمل أي مسؤولية عن إيجاد بديل لعمليات الوكالة في غزة والضفة الغربية والقدس، وأن هذه المشكلة تقع على عاتق إسرائيل بوصفها قوة احتلال.

وكشفت تقارير أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تجري مفاوضات مع مسؤولين في الأمم المتحدة حول إمكانية تحويل المجالات المسؤولة عنها الأونروا إلى وكالات أخرى تابعة للمنظمة الدولية، بغية الوصول إلى ما سمي بالحل المؤقت الذي يسمح باستمرار خدمات الإغاثة الإنسانية خاصة في قطاع غزة.

ونشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن أحد الحلول المطروحة في محادثات تشترك فيها الولايات المتحدة، يتلخص في استمرار عمل موظفي الأونروا من الفلسطينيين ولكن تحت إشراف وكالة أخرى للأمم المتحدة، كبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أو برنامج الغذاء العالمي، واستبدال المدراء الدوليين للأونروا، وبذلك يتم وقف نشاطها بشكل رسمي.

- إسرائيل تسعى لشطب قضية اللاجئين قانونيًا وسياسيًا:

فلسطينيًا، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دائرة شؤون اللاجئين، أحمد أبو هولي: إن "الاحتلال يسعى إلى إلقاء أعباء 6 ملايين لاجئ على كاهل الدول المضيفة، فلسطين والأردن ولبنان وسوريا، بمعنى أن تتحمل تلك الدول كل المسؤولية عن مجتمع اللاجئين بعد تجريد وكالة الغوث من هذه المهمة، وهذا يعني محاولة توطينهم في أماكن وجودهم، أو دفعهم إلى هجرة جديدة بوضعهم أمام حياة مستحيلة مادياً وخدماتياً".

وذكر أبو هولي أن مصادقة الكنيست على قوانين تحظر عمل الأونروا يعني إعلان حرب على الوكالة لإنهاء دورها، كمقدمة للقضاء على قضية اللاجئين.

وتؤكد منظمة التحرير أن لا هيئة دولية قادرة على ملء الفراغ الذي قد يتركه تغييب الأونروا، خاصة مع حجم وتنوع ما تقدمه من خدمات بموازنة تفوق 1.5 مليار دولار سنوياً.

كما ترفض المنظمة أن تكون طرفاً في أي حوار يتناول بدائل الأونروا، لأن ذلك يعني المشاركة في مساعي إسرائيل الرامية لشطب ملف اللاجئين ببعديه السياسي والقانوني.

والبديل الوحيد هو أن يتحمل الاحتلال مسؤولية حربه التي يستهدف بها مجتمع اللاجئين، كما يقول رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير أحمد أبو هولي.

ويمثل قرارا الكنيست بحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، خرقًا لميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي والأعراف والاتفاقيات الدولية، ويتناقض مع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة القرار رقم 302 الذي أنشأ "الأونروا" عام 1949 استجابة لأزمة اللاجئين الفلسطينيين، بما يمثل التزاماً دولياً بهذه القضية بعد فشل تنفيذ قرار مجلس الأمن 194 الذي يضمن لهم حق العودة.

كما أن وقف أنشطة الأونروا، وما يترتب على ذلك من منع وصول المساعدات الأساسية للاجئين، خصوصا في غزة، قد يصنف كجريمة حرب بموجب اتفاقية روما، التي تجرم تعمد استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب.