لنكن على بينة من حقيقة الأمر، بكلام لا تحامل فيه ولا مخاتلة، اتفاق الهدنة الذي وقع في الدوحة ما كان ليتم لولا الضغط الذي مارسه الرئيس الأميركي المنتخب "دونالد ترامب" قبيل دخوله البيت الأبيض، وهو ضغط قال عنه بعض كتاب السياسة إنه ما كان يستهدف كسر إرادة "نتنياهو" في حربه على قطاع غزة، وإنما تعزيز لها، بما يسمح له بفرض ما يريد من شروط في اتفاق الهدنة، وهذا يعني -بوضوح شديد- أن الاتفاق قد تحقق ليس بفعل ما تقوله "حماس" بأنه نتاج صمودها وثباتها الذي قاد إلى هزيمة نتنياهو- كيف ومتى وأين - وأن هذه الهزيمة هي التي دفعته لتوقيع الاتفاق، لتصوره "حماس" بعد ذلك بأنه انتصار عظيم لها. مع أنه ليس أكثر من اتفاق هدنة، وليس فيه ما يشي بانتهاء الحرب تمامًا، بل الحرب في الواقع لم تنته حتى اللحظة، ولا نراها ستنتهي، طالما الاتفاق يبيح لإسرائيل مواصلتها في أي لحظة تريدها، وفي جعبتها ما يكفي من الذرائع حسب الاتفاق ذاته. بعد أقل من أسبوع من الهدنة خرقها "نتنياهو" غير مرة، وخلفت خروقاته، حتى يوم أمس الأول أربعة عشر شهيدًا، وخمسة وستين جريحًا.
رغم هذا الواقع البليغ، وأمام هذه الحقيقة المرة، التي لا جدال فيها، يتبجح زاهر جبارين، الموصوف بأنه رئيس حركة "حماس" في الضفة الفلسطينية المحتلة، ومن على شاشة فضائية "الجزيرة" وبغطرسة بالغة الشعبوية ليقول: "كما هزمنا نتنياهو في غزة، سنهزمه في الضفة". وعلى ما يبدو أن جبارين هذا الذي ظل غالبًا في صمت مريب طوال أشهر الحرب، لم يقرأ جيدًا بنود اتفاق الهدنة، وقبل ذلك وبحكم إقامته في تركيا وتهويلات فضائية "الجزيرة" ما كان يرى شيئًا من حال القطاع الكارثي، ولم يكن يسمع شيئًا من لغة أهله الغاضبة والحزينة، والمقهورة، ولا شك أنه اعتمد ما قاله مسؤوله الأكبر منه، خالد مشعل، بأن الخسائر الحاصلة في القطاع نتيجة حرب الإبادة، إنما هي خسائر تكتيكية.
ترى بأي وقائع علينا أن نصدق أن حماس هزمت نتنياهو في غزة، وما معنى الهزيمة في هذا الإطار، وهي التي لا تكون بغير التسليم المطلق لشروط المنتصر، ولا شيء من ذلك في اتفاق الهدنة، هذا الذي جرد "حماس" من كل الأهداف التي قالت بأنها غاية طوفانها. لا الأقصى تحرر، ولا الاحتلال اندحر، ولا حتى قطاع غزة تخلص من الحصار، بل بات في حصار أشد، حصار الأنقاض التي تحتاج لأكثر من خمس سنوات لرفعها، هذا إذا ما بدأت هذه العملية حين توفر التمويل اللازم لها. ما معنى الهزيمة حقًا؟. وتاليًا ما معنى الانتصار هذا الذي تحاول "حماس" وفضائية "الجزيرة" أسطرته بلغو يكرر عباراته بقدر ما يطلب التمويل الحرام من لغو وتكرار، ولا صورة لديها في هذا الإطار غير الصورة الاستعراضية الوحيدة لملثميها بزيهم العسكري، وهم يحررون رهيناتهم الإسرائيليات. وحقًا الخارجون عن الصف الوطني، ليس لهم غير لغة الكذب، والادعاء، والاستعراض، والتحريض المحموم على السلطة الوطنية، ليس لهم غير لغة الفتنة الكريهة، التي تواصل فضائية "الجزيرة" ترويجها، والإشادة بها. لبث الفوضى في الساحة الفلسطينية، وتمزيق لحمتها الوطنية، وإشاعة الفلتان الأمني ليكون كل ذلك ذريعة للاحتلال الإسرائيلي، ليدمر الضفة الفلسطينية المحتلة، كما دمر قطاع غزة، وهذا ما لن تسمح به الوطنية الفلسطينية، بشرعيتها الراسخة، وقيادتها الحكيمة، ولا بأي حال من الأحوال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها