ما إن توقف إطلاق النار في قطاع غزة، حتى قام الجيش الإسرائيلي بنقل عدد من وحداته إلى الضفة الغربية، وقام بنشر أيضًا أعداد كبيرة من الحواجز العسكرية، حيث تشير المعلومات أن الاحتلال أقام أكثر من تسعمئة حاجز في الضفة الغربية. ومن ثم شن حملة عسكرية أطلق عليها اسم البوابات الحديدية على مخيم جنين واستعمل فيها المسيرات وطائرات الأباتشي ومئات العربات المصفحة، وتشير الأوضاع أن العملية متدحرجة وقد تنتقل من منطقة إلى أخرى. كل هذه المظاهر العسكرية والحواجز، لم يكن لها أي داعٍ من الناحية الفعلية، لأنه لا يوجد ما يستدعي التغير في المظاهر العسكرية في الضفة الغربية. إسرائيل أصلاً تقيم بعض الحواجز الدائمة التي وضعتها لتفصل جنوب الضفة عن شمالها، وهي أشبه ما تكون بالمعابر التي تقام على الحدود الدولية، وهناك أيضًا البوابات الحديدية التي قامت بوضعها على مداخل المدن والقرى الفلسطينية، بحيث يمكن لها في أقل من نصف ساعة إغلاق هذه البوابات ليدخل أكثر من مليوني ونصف فلسطيني في معازل كبيرة، وتعزل الحركة عبر تلك المدن والقرى ويصبح الفلسطيني داخل معتقلات كبيرة تتوقف فيها حرية الحركة والتنقل.
في إطار العمل اليومي، عادة ما يتنقل المواطنين عبر المدن، آلاف عدة من الناس يوميًا تنتقل من مدينة إلى أخرى وتعود إلى مدنها وقراها بعد انقضاء أعمالها. العمال والفلاحين والموظفين والطلاب ونقل البضائع والسفر إلى الخارج، كل هذا يتوقف أو بتعطل حركتهم المعتادة وبالتالي كثير من هذه المصالح تبدء مع هذه الحواجز والإغلاقات بالإنكماش.
استمرار هذه المظاهر بالطريقة القائمة وهو المشهد الذي يميز هذا المظهر الجديد توقف آلاف السيارات والمركبات العمومية والخاصة والشاحنات التي تنقل البضائع بكافة أشكالها المعدة لحركة المواطنين وبضائعهم وتنقلهم. طوابير من السيارات الواقفة تمتد من مدينة إلى أخرى لا لشيء، فقط الجنود يتسامرون ويضحكون ويعملون على تعطيل المسار لتلك السيارات. هذا يعني أن الطلبة أصبحوا لا يتلقون علومهم ويفقدون جزء من محاضراتهم، ونقل البضائع عبر المدن أيضًا تتكدس وتتوقف، الموظفون لا يستطيعون أن يصلوا إلى أماكن عملهم كما هو معتاد في ساعات العمل الرسمي، كل ذلك يعني إذا ما استمر هذا الوضع، يفرض على الناس إعادة برمجتهم لكل نواحي الحياة.
مصاريف إضافية لا ذنب لهم بها، من الالتزام في السكن والمبيت في مناطق العمل، والدراسة، والمبيت لإنجاز مهام تحتاج إلى عدة أيام متتالية عوضًا عن الذهاب والعودة مرة أخرى.
توقف الحركة وتعطلها في الحياة الفلسطينية لها تداعياتها، وهذا يعني تعطل الحياة الاقتصادية، لأن الحركة جزء مهم وأساس من النمو الاقتصادي في العالم كله. وهذا يعني أن سياسة الحاجز وتعطيل الحركة يكبد الفلسطينيين الملايين من الدولارات في اقتصاد يعتبر أصلاً في مهب الريح وقد أصبح هشًا بسبب الحرب التي شُنت على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وهو أيضًا تأثر بالأحوال السياسية المضطربة أصلاً في المنطقة والتي ينجم عنها إجراءات احتلالية تعطل مسار ونمو الاقتصاد الفلسطيني وتصيبه في مقتل. وفي إطار السياسات الاحتلالية، قضية الشيكات المرتجعة هي بمليارات الدولارات نتيجة العجز الاقتصادي الذي ضرب الضفة الغربية أثناء الحرب على غزة وقضت مضاجع الاقتصاديين الفلسطينيين وقد تكررت بشكل متلاحق مع كل الأزمات التي مرت على الشعب الفلسطيني. وكانت إسرائيل منذ الحرب قد أوقفت إدخال العمال الفلسطينيين للعمل في الداخل الفلسطيني، ما تسبب في أزمة اقتصادية خانقة في الضفة، ولا نتحدث عن قطاع غزة الذي حرم من كل أساسيات الحياة بسبب الحرب وتم خنق المسار الاقتصادي وتدمير كافة المرافق الاقتصادية فيه.
ورشح الإعلام الاسرائيلي أن الجيش قام بنشر تلك الحواجز في الضفة الغربية، بناءً على تعليمات سياسية ولم تكن للجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية أي مخططات للانتشار ولإقامة تلك الحواجز العسكرية لأنه لا توجد أية أسباب لها.
نتنياهو اليوم يقع تحت تهديدات وزير المالية سيمورتش، الذي أبدى معارضته لوقف إطلاق النار في غزة، ويريد العودة إلى الحرب بعد تنفيذ المرحلة الاولى من اتفاق وقف إطلاق النار. وتأتي التهديدات بحل الحكومة الإسرائيلية حال انسحاب فريق الصهيونية الدينية من الائتلاف الحكومي. سيموريتش صاحب مشروع ضم الضفة الغربية أوحى بعد توقف الحرب لرئيس الحكومة بانتشار الجيش وإقامة الحواجز العسكرية في الضفة الغربية، جزء من الضغط على الفلسطينيين في الضفة، وتعطيل مسار الحياة فيها.
من الواضح أن رفع الضغوط الأميركية عن المستوطنين، ووعود الرئيس الأميركي بتوسيع حدود إسرائيل، إشارة من الإدارة الأميركية الجديدة تلقفها سيموريتش، لإطلاق يد الاحتلال في الضفة الغربية لعمل ما يجول في خاطره.
يبدو أننا أمام معترك جديد، من توجهات السياسيين الإسرائيليين الذين يتوقون إلى شلالات الدم الفلسطيني الذي تذوقه كل الإدارات الإسرائيلية السابقة منذ نشاتها وإلى اليوم. كل الحياة الفلسطينية باتت رهينة مزاج الساسة الإسرائيليين، ولا يهم الانعكاسات التي تسببها على الحياة الفلسطينية. سبعة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يعيشون نظام الأبارتهايد العنصري وأحلامهم على حساب الشعب الفلسطيني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها