بقلم: بسام أبو الرب

كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحًا، عندما وصلت المواطنة سهى صروان إلى حاجز الاحتلال العسكري المقام قرب قرية تل جنوب غرب نابلس، للتوجه إلى مكان عملها في مدينة رام الله، لتجد أمامها مئات المركبات المتكدسة، بفعل تشديد الإجراءات العسكرية.

تقول صروان: "أكثر من ساعتين ونصف الساعة في الانتظار على الحاجز، لتبدأ بعدها رحلة البحث عن مخرج آخر، والالتفاف بين القرى والطرق للوصل فقط إلى بلدة حوارة، التي تبعد مئات الأمتار عن قرية بورين، عقب إغلاق البوابة المنصوبة عند مدخلها".

وتضيف: "بعد البحث لأكثر من ساعة عن مخرج وصلنا إلى بلدة حوارة، لنجد بأن الاحتلال نصب حاجزًا على الشارع الرئيسي، وأغلق البوابة المؤدية إلى الطريق الجديد، فقررنا الذهاب إلى بلدة بيتا، ومن ثم إلى بلدة عقرب جنوب نابلس، من أجل الوصول إلى طريق رام الله- نابلس، حتى وصلنا إلى مدينة رام الله في تمام الساعة الحادية عشر صباحًا".

وتتابع: كانت الطريق صعبة جدًا والكل أنهك من التعب والجوع، لكن الأصعب كان طريق العودة، عندما خرجنا من مدينة رام الله الساعة 2:45 لنجد حاجزًا عند المدخل الشمالي، ومئات المركبات تنتظر دورها في العبور، لنخرج منه الساعة 6:30 مساء.

وتؤكد صروان التي تعمل بوزارة الثقافة في طريق العودة تواصلنا مع عدد من الأصدقاء والسائقين، الذين أخبرونا بأن الحواجز المحيطة بمدينة نابلس مغلقة، فبدأت رحلة أخرى للبحث عن منفذ للوصول إلى الحاجز المقام قرب قرية تل، ولحظة وصولنا، هاجمنا جنود الاحتلال، وأخذوا بتفتيش المركبة والتدقيق في البطاقات، إلى أن وصلت منزلي الساعة الثامنة مساء.

ووصفت تنقلها من محافظة لأخرى بـ"رحلة عذاب بمعنى الكلمة"، قائلة: منذ 12 عامًا وأنا اتنقل يوميًا من نابلس إلى رام الله، وهذه المرة الأولى التي أعيش فيها تجربة بهذا الشكل، وسط إجراءات مشددة، يسعى من ورائها الاحتلال التنغيص على المواطنين، واستفزازهم.

الحالة التي عاشتها المواطنة سهى صروان تنطبق على الآلاف من الفلسطينيين، الذي تجرعوا مرارة العذاب في رحلة البحث عن العودة إلى منازلهم، في ظل إغلاق محكم للحواجز الدائمة والمؤقتة المنتشرة في الضفة الغربية.

وحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وصل عدد حواجز الاحتلال العسكرية في محافظات الضفة إلى 898 حاجزاً عسكريًا وبوابة، منها أكثر من 173 بوابة حديدية جرت عملية وضعها بعد السابع من أكتوبر عام 2023، منها 17 بوابة وضعت منذ بداية العام الجاري 2025.

وتعتبر محافظة نابلس حلقة الوصل بين محافظات شمال الضفة الغربية، والمحافظات في وسط وجنوب الضفة، والتي ينشر الاحتلال بمحيطها عددًا من الحواجز، والتي تعزل وتقطع الطرق الواصلة بين شمال ووسط الضفة الغربية.

بدوره، قال محافظ نابلس غسان دغلس: "إن المحافظة تعاني من حصار مشدد يعمل على تقويض مناحي الحياة، ويعيق تنقل المواطنين من وإلى خارج المدينة، بسبب انتشار الحواجز الاسرائيلية في محيطها، من بين المدينة والقرى، ومدينة نابلس والطرق الرابطة بالمدن الاخرى، وإغلاق عددًا من الطرق بالسواتر الترابية والبوابات الحديدية".

وأضاف: إن قوات الاحتلال أقامت 10 حواجز دائمة حول مدينة نابلس، فيما نصبت 36 بوابة حديدية، عند مداخل مدينة نابلس والقرى المحيطة بها، وأغلقت 47 موقعًا بالسواتر الترابية.

وتابع دغلس: إن الوضع صعب جدًا للغاية، في ظل الإغلاق التام للحواجز المنتشرة حول مدينة نابلس، فهناك حالات مرضية بحاجة إلى مستشفيات، مثل: مرضى الكلى، عدا الحالات الطبية الطارئة خاصة في الريف الجنوبي والشرقي للمحافظة، إضافة إلى انتشار فرق جديدة لجيش الاحتلال، كان بعضها يشارك في الحرب على قطاع غزة، عدا عن الاقتحامات المتكررة للمدينة، والقرى، والبلدات المحيطة.

وأكد أن اعتداءات المستعمرين في تصاعد مستمر، حيث وصلت إلى 40 اعتداءً في القرى والبلدات والطرق الرابطة بين مدينة نابلس والمدن الأخرى منذ بداية العام الجاري 2025؛ تمثلت في الاعتداء الجسدي، وحرق منازل، وأشجار، واستهداف مركبات المواطنين.

وأوضح دغلس أن مئات المواطنين كانوا عالقين يوم أمس، إما داخل أو خارج مدينة نابلس، والطريق الواصل بين نابلس وقلقيلة كان مسرحًا لاعتداءات المستعمرين، حتى أن المركبات التي استطاعت تجاوز الحواجز لم تسلم من اعتداءاتهم.

وبين أن كل هذه الإجراءات جاءت كجوائز ترضية للمستعمرين، الذين يسابقون الزمن في بناء المزيد من الوحدات الاستعمارية في محافظة نابلس، محذرًا من ارتكاب المزيد من الجرائم، في ظل تساهل حكومة الاحتلال معهم، وتوفير الحماية لهم.

وناشد دغلس المواطنين بضرورة أخذ الحيطة والحذر واليقظة، خاصةً في القرى والبلدات القريبة من المستعمرات، تحسبًا لهجمات مفاجئة.

يُذكر أن الاحتلال يُحاول تفجير الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، تمهيداً لخلق حالة من الفوضى العنيفة، لتسهيل ضمها، وهو ما تجلى في الهجمات الوحشية التي ترتكبها عصابات المستعمرين الإرهابية ضد المواطنين، وبلداتهم، وممتلكاتهم، ومنازلهم، وأراضيهم، ومقدساتهم، في كافة المحافظات.