دولة أسبارطة الإسرائيلية النازية المعاصرة لا يمكنها العيش دون حروب ودماء وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني، فتاريخها منذ وجدت في 1948 تاريخ حروبٍ واجتياحات واقتحامات وقتل وإبادة وتهجير قسري واستيطان استعماري وتدمير لمعالم الحياة البسيطة الفلسطينية في أرجاء الوطن الفلسطيني، فما أن هدأت نسبيًا حرب "السيوف الحديدية" الإبادة الجماعية في قطاع غزة بعد 471 يومًا، حتى أشعلت أمس الثلاثاء 21 كانون الثاني/يناير الحالي فتيل الحرب على محافظة جنين ومخيمها البطل تحت عنوان "السور الحديدي"، والذي تزامن مع قصف طائرة مسيرة سيارة فارغة بالقرب من مدرسة الزهراء في محيط مخيم جنين، ونجم حتى إعداد هذا المقال مساء أمس 9 شهداء و40 إصابة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وادعى نتنياهو "إن للعملية أهداف واضحة، وهي مواصلة الحفاظ على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتدمير وتحييد البنى التحتية". وقالت وسائل الاعلام الإسرائيلية: إنه "بتوجيه من المجلس الوزاري السياسي والأمني، أطلق الجيش الإسرائيلي والشاباك والشرطة (أمس) عملية عسكرية واسعة النطاق وكبيرة في جنين- "السور الحديدي".
وتأكيدًا لجنون الحرب والإبادة، ادعى المجلس الوزاري الإسرائيلي، "هذه خطوة أخرى نحو تحقيق الهدف الذي حددناه، وهو تعزيز الأمن في الضفة، إننا نتحرك بشكل منهجي وحازم ضد المحور الإيراني أينما يرسل أسلحته- في غزة ولبنان وسوريا واليمن والضفة". وطالبت مكبرات الصوت الإسرائيلية سكان مخيم جنين مغادرة المخيم قسرًا، والنزوح منه إلى مدينة جنين ومحيطها في المحافظة، في تكريس لنهج التهجير القسري، الذي انتهجته في قطاع غزة، بهدف التطهير العرقي لأبناء الشعب من أرض الوطن.

لم تكن الحرب الجديدة على مخيم جنين والمحافظة عمومًا مفاجئة لأي متابع لمواقف أركان الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، والتي تزامنت مع الهدنة الأولى في قطاع غزة، التي بدأت في 19 كانون الثاني/يناير الحالي، وبعد تنصيب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الاثنين، والتي جاءت تكريسًا لما تم الاتفاق عليه بين رئيس الحكومة ووزير ماليته، والوزير في وزارة الحرب بعد 6 جولات من الحوار، التي أقنع نتنياهو سموتريش فيها، أنه سيمنحه تحقيق أهدافه هو، التي وردت في كتابه "مكان تحت الشمس" في الضفة الفلسطينية، وهي خطوة أخرى على طريق إشعال الضفة الفلسطينية كلها، بعد أن قامت قوات الجيش الإسرائيلي بإغلاق وعزل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية كلها، وأغلقتها بوابات حديدية، ووضعتها في معازل وبونتستينات بوليسية، وأطلقت يد قطعان المستعمرين الصهاينة للهجوم على أبناء الشعب في المناطق كافة، وبهدف المحافظة على ائتلافه الحاكم، بعد أن استقال بن غفير من الحكومة، وقطع الطريق على أية لجان تحقيق إسرائيلية تعمل على محاكمة نتنياهو وعزله من الحكومة، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، خاصةً وأن نسبة 60% من الإسرائيليين وفق استطلاعات الرأي طالبوا بإجراء الانتخابات.
ومن يعي جيدًا المخطط الصهيوني وحكومات إسرائيل المتعاقبة، يعلم أن جوهر ومركز الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي هنا في الضفة الفلسطينية، حيث القدس العاصمة وخليل الرحمن ونابلس جبل النار، أو ما يطلقون عليها "يهودا والسامرة" وكنت قد كتبت هنا مرات عدة، أن ما حصل في قطاع غزة، ليس سوى البروفة الأولى لما سيتم في الضفة، وبشكل أكبر وأعمق مما حصل في القطاع. لا سيما وأن الرئيس ترامب أعلن أمس بعد تنصيبه العفو عن قطعان المستعمرين الذين اتخذت الإدارة السابقة قرارات إجرائية ضدهم، وبعد أن أفرج عن الأسلحة والقنابل الكبيرة التي أوقفت تصديرها إدارة بايدن، ووعد الرئيس الـ47 بتوسيع مساحة دولة إسرائيل وضم الضفة الفلسطينية.

وهذا يتطلب من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والدولة والحكومة الفلسطينية الدعوة السريعة للهيئات القيادية في المنظمة: اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي لمراجعة البرنامج السياسي، ومواجهة التحديات الصهيو أميركية، وفتح أبواب الحوار الوطني الشامل لاشتقاق برنامج سياسي وكفاحي وتنظيمي ولوجستي تستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة. لا سيما وأننا منذ الإبادة الجماعية، أو بالأحرى منذ تولي حكومة الائتلاف الإسرائيلي في نهاية عام 2022، دخلنا مرحلة نوعية جديدة في الصراع تستهدف الكيانية الفلسطينية من جذورها، وفي ذات الوقت يفترض أن يتم العمل على استعادة الولاية الكاملة على قطاع غزة لتوحيد حقيقي لجناحي الوطن، والخروج من شرنقة التيه والانقلاب والانقسام، وتوحيد الصفوف بكل الوسائل والأساليب الممكنة لحماية الذات الوطنية والمشروع الوطني، ولتكريس دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد، وتجسير الهوة مع قطاعات الشعب بمختلف مكوناته السياسية والحزبية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية. الوقت من ذهب، إن لم نقطعه قطعتنا سيوف العدو الإسرائيلي النازي جميعًا.