شنت صحيفة "هآرتس"، في تقريرين، هجومًا عنيفًا على أداء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمام المحكمة المركزية في تل أبيب، وانتقدت ديمقراطية دولة الاحتلال واصفة كل من يؤمن بها بأنه واهم.

ففي تقرير أول، نقلت المحللة السياسية داليا شيندلين، صورة لما دار في جلسة المحاكمة، حيث بدت "وجوهه المتعددة" ظاهرة للعيان، على حد وصفها.

وعلى مدار 6 ساعات، استمعت محكمة تل أبيب المركزية، الثلاثاء، لشهادة نتنياهو في "3" ملفات فساد تتعلق بقبول الرشاوي والفساد وخيانة الأمانة.

وتعد هذه أول محاكمة من نوعها لرئيس حكومة إسرائيلي وهو على رأس السلطة، والتي أشرف عليها "3" قضاة.

ووصفت شيندلين في تقريرها أجواء المحاكمة بشيء من التفصيل، وقالت: إنها "عُقدت في قاعة خانقة تحت الأرض بلا نوافذ".

وأشارت إلى أن نبرات صوت نتنياهو ارتفعت للتعبير عن امتعاضه من الاتهامات الموجهة له، ووصفها أكثر من مرة بأنها "سخيفة" أو "سوريالية"، وفي مواضع أخرى، بدا "لطيفًا وأبويًا" وهو يستعرض التطور التاريخي والسياسي للإعلام الإسرائيلي.

ووفقًا للمحللة السياسية، فقد استغل نتنياهو الجلسة لتوظيف منبر القضاء لغرض مزدوج وليخاطب من خلاله المحكمة والشعب معًا، وفي ظاهر الأمر كان يجيب عن أسئلة محاميه عميت حداد، لبناء دفاعه القانوني ضد تهم الفساد الثلاث.

ولكن في الظاهر أيضًا، عزز سردياته الاجتماعية والسياسية الأساسية منذ بدء التحقيقات، قائلاً: "لقد كرّست حياتي للدولة، ومع ذلك فإن النظام يلاحقني بشكل خاص، بتهم وهمية".

وفي جلسة المحاكمة، استعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي ذكرياته مع الرؤساء الأميركيين، وامتدح والده وجده، واستعرض تاريخ الإصلاحات الاقتصادية والإعلامية التحررية في إسرائيل، واضعًا نفسه دائمًا في صلب منعطفاتها الرئيسة، حسب تعبير شيندلين.

وعندما سُئل عن كيفية تخطيطه للاجتماعات وإدارة أعماله اليومية، تحدث عن أدائه الخدمة العسكرية في وحدة كوماندوز النخبة المسماة "سايريت ماتكال"، ناسجًا رواية مطولة عن مدى اجتهاده في العمل، وكيف ضحى بوقت العائلة من أجل العمل العام.

ودافع عن اتهامه بتلقي الرشاوي بالادعاء بأنه ليس لديه مصلحة له في الهدايا الباذخة التي يُتهم بتلقيها من أباطرة المال، وتحدث عن مآدب العشاء التي جمعته مع زعماء أجانب لتسليط الضوء على جدول أعماله المزدحم، وأراد من ذلك برأي شيندلين، توجيه رسالة سياسية مفادها أنه "رجل الدولة الأكثر حنكة في إسرائيل".

وأشارت المحللة السياسية في تقريرها إلى أن نتنياهو حاول إعطاء دروس في الديمقراطية حين قال: إن "هناك سوء فهم أساسي للعلاقة بين السياسيين ووسائل الإعلام"، موضحًا أن السياسيين يعولون على وسائل الإعلام لنقل رسائلهم إلى الجمهور.

وفي تقرير آخر، قال مراسل الصحيفة جيدي فايتس، إن "كل من يعتقد أن محاكمة نتنياهو جنائيًا دليل على قوة الديمقراطية الإسرائيلية فهو واهم"، معتبرًا أن السلطة هزمت القانون بالفعل.

وأضاف: "الشرطة الإسرائيلية استولى عليها من وصفه بالمجرم (في إشارة إلى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير)، وأن وزير العدل ياريف ليفين، أداة للفوضى، ويراوده حلم الدكتاتورية.

ورأى أن حملة الانتقام التي شنها المتهم نتنياهو أنتجت ثمارًا مسمومة، إذ لن يحتاج رؤساء الحكومات الإسرائيلية في المستقبل إلى قوانين تشبه القانون الفرنسي لتمنحهم حصانة من التحقيقات القضائية.

والحالة هذه، فإن فايتس يعتبر مثول نتنياهو أمام المحكمة المركزية في تل أبيب الثلاثاء نوعًا من عزاء لا يُغني عن الحق.

ولفت إلى أن نتنياهو وصف نفسه، في مستهل شهادته، بأنه ضحية مؤامرة يسارية من وسائل الإعلام المعادية ومؤيديها في الشرطة ومكتب المدعي العام.

وأورد المراسل في تقريره، أن نتنياهو أسهب في الحديث عن صراعاته مع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وإيران، وادعى أنه من أكثر الشخصيات المحروسة في العالم شأنه في ذلك شأن الرئيس الأميركي وبابا الفاتيكان.

ومن وجهة نظر كاتب التقرير، أن محاولة نتنياهو الارتقاء إلى مصاف زعيم دولة عظمى لم يكن نابعًا من إحساسه المتضخم بالأهمية، بل كان هدفه الأساسي التقليل من شأن ما ورد في لائحة الاتهام، وتصويرها بأنها تفاصيل صغيرة لا تليق بزعيم في قامته.

وطبقًا للتقرير، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي سعى إلى التخلص من كل الضوابط والتوازنات وإثبات جدارته كحاكم إسرائيل بلا منازع، قدم نفسه أمام القضاة على أنه مدافع عن الديمقراطية، ومعجب قوي بالآباء المؤسسين للولايات المتحدة.

وتوقع فايتس أن تمتلئ قاعة المحكمة في الأسابيع المقبلة بالجمهور، وقال: إن "شهادة نتنياهو تظهر أن إسرائيل يزدهر فيها أمثاله".