بقلم: ساهر عمرو
طوابير طويلة من المركبات تتكدس أمام الحواجز العسكرية التي تقيمها قوات الاحتلال الإسرائيلي، عند مداخل مدينة الخليل وبلداتها وقراها، جنوب الضفة الغربية، بانتظار المرور إلى بيت لحم القريبة أو بقية محافظات الضفة الغربية.
يقول أحد سائقي مركبات العمومي، الذي فضل عدم ذكر اسمه خشية ملاحقته: "منذ أكثر من ساعتين نحاول الخروج من مدينة الخليل، فقد توجهنا مبكرًا إلى حاجز "راس الجورة" العسكري، الذي أعلنت قوات الاحتلال أنها ستفتحه أمام المواطنين، ووصلنا قبل الموعد بنصف ساعة لتجنب الأزمة، وبعد انتظار لأكثر من ساعة، أُبلغنا أن الحاجز سيبقى مغلقًا".
ويضيف: "بعد ذلك علمنا أن حاجز "فرش الهوى" العسكري –الذي يبعد عدة كيلومترات عن الحاجز الأول- يسمح بمرور مركبات المواطنين، فتوجهنا مسرعين إلى هناك، لنجده مغلقًا".
وتابع: بسبب الأزمة الخانقة التي أصبحت في المكان، وبعد انتظار طويل، فتح جنود الاحتلال الحاجز لنحو خمس دقائق، ليس لتخفيف معاناة المواطنين، بل لأن الأزمة أثرت في حركة سير المستعمرين وتنقلهم على الطريق الالتفافي في تلك المنطقة.
شكلت الحواجز العسكرية، منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، إحدى أدوات القمع للسيطرة على المواطنين وتعميق معاناتهم والتحكم في نظام عيشهم ونمطه.
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فرضت قوات الاحتلال مزيدًا من إجراءاتها القمعية وصعّدت عقابها الجماعي بحق المواطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس، وضاعفت أدواتها العنصرية للسيطرة عليهم وتقييد حركتهم بالحواجز العسكرية وغيرها من الوسائل.
ما يزيد على 110 حواجز عسكرية وبوابات حديدية وقواطع ومكعبات إسمنتية، وسواتر ترابية، تعزل محافظة الخليل عن محيطها الخارجي، وتقطع أوصالها الداخلية، ومنذ بدء العدوان على غزة، أضافت قوات الاحتلال أكثر من 47 حاجزًا وبوابة حديدية جديدة في المحافظة.
ومنذ 31 آب/أغسطس الماضي، تتعرض محافظة الخليل لإغلاق كامل وحصار مشدد متواصل، بعد أن أغلقت قوات الاحتلال مداخل المحافظة ومخارجها كافة، ومعظم مداخل بلداتها وقراها التي تربطها ببعض، وقيدت حركة تنقل ما يزيد على 835 ألف مواطن.
في الوقت الذي يُسمح للمستعمرين بالتنقل بحرية ودون قيود، عمد الاحتلال بعد خنق المدينة وبلداتها وقراها، إلى تحديد أوقات تنقل المواطنين من المحافظة وإليها، عبر الحواجز والبوابات العسكرية، تحت مسمى "تسهيلات" على حركة التنقل، لكن الهدف منها تعزيز سيطرته على الطرق، والتحكم في حركة المواطنين وتنقلهم، وإخضاعهم لنظامه العسكري والإداري، بما ينسجم مع مخططاته الاستعمارية.
وقال مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في جنوب الضفة فريد الأطرش: إن "ما يقوم به الاحتلال في الخليل وغيرها من محافظات الضفة، يأتي في إطار سياسة التمييز العنصري، إذ يهدف من خلالها إلى إجبار المواطنين الفلسطينيين على تغيير أنماط حياتهم، بما ينسجم مع رغباته وأطماعه الاستعمارية".
واعتبر هذه الإجراءات القمعية بمثابة تقسيم زماني يفرضه الاحتلال على تنقل الفلسطينيين، ما يصادر حقهم في حرية الحركة، ويُفقدهم القدرة على الاستقرار والتخطيط وتنظيم حياتهم، في حين يوفر للمستعمرين الحرية الكاملة في الحركة والتنقل.
وأشار الأطرش إلى أن المستعمرين يستغلون ذلك، لتنفيذ اعتداءاتهم الإرهابية بحق المواطنين وممتلكاتهم، كما حصل عندما منع الاحتلال المواطنين من الوصول إلى منازلهم وممتلكاتهم في منطقة الطيبة التابعة لبلدة ترقوميا غرب الخليل، وفي قرية زنوتا حيث أحرق المستعمرون ودمروا جميع المساكن بما فيها مدرسة ومنشآت زراعية.
وقال الناشط في مجال حقوق الإنسان هشام الشرباتي: إن "قوات الاحتلال تنتهك بهذه الإجراءات بشكل صارخ القانون الدولي وكل المواثيق والأعراف الدولية التي تكفل حرية الحركة وغيرها من الحقوق الإنسانية، وإن الاحتلال يسعى إلى تحويل تلك الحقوق إلى امتيازات يُخضعها لمصالحه ورغباته في منحها أو منعها".
وأضاف: رغم ذلك، يتلاعب الاحتلال في المواطنين من خلال ما يسميها "تسهيلات"، عبر الإعلان عن فتح بعض الحواجز العسكرية أمامهم وإغلاق أخرى، في أوقات محددة ولفترات معينة، يتحكم فيها مزاج الجنود، وأحيانًا حركة تنقل المستعمرين.
وأكد مدير مركز أبحاث الأراضي جمال العملة، أن هذه الإجراءات تأتي ضمن مخططات الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تضم أكثر الأحزاب الصهيونية تطرفًا وتشددًا، والتي تدعو وتؤمن بضرورة طرد الشعب الفلسطيني، إذ باتت تُسخّر كل إمكانيات دولة الاحتلال بجميع مستوياتها لتحقيق هذا الهدف.
وقال العملة: إن استهداف محافظة الخليل على هذا النحو أمر مقصود فهي تضم أكبر مخزون بشري فلسطيني في الضفة، وقاعدة الصناعة الفلسطينية، إضافة إلى المساحة الجغرافية الكبيرة، فأحاطها الاحتلال بشبكة من الطرق الاستعمارية، فأصبح المواطنون لا يستطيعون الدخول إليها أو الخروج منه إلا من حيث يريد الاحتلال، وفي حالة إغلاق ما عليها من بوابات تتحول إلى سجن كبير.
وأضاف: أن الاحتلال يدرك بشكل قطعي أن نجاح مخططاته الاستعمارية في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، لا يمكن له أن يتحقق دون العبث بحياة المواطنين، وإفقادهم القدرة على الاستقرار وتنظيم حياتهم والتخطيط حتى ليوم واحد.
واعتبر أن كل تلك الإجراءات تأتي ضمن هذا السياق، إذ يسعى الاحتلال من خلالها إلى إجبار المواطنين على التكيف مع متغيرات هو من يفرضها ويملك التحكم فيها كما يشاء ووقتما يشاء.
داخل مدينة الخليل، ليس أفضل حالاً من محيطها، حيث تعيش 750 عائلة فلسطينية في البلدة القديمة من مدينة الخليل، ظروفًا حياتية قاسية وبالغة الصعوبة، جراء سلسلة الإجراءات القمعية والعنصرية المتصاعدة التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي عليهم، إضافة إلى اعتداءات المستعمرين الإرهابية.
فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أغلق الاحتلال 17 منطقة جديدة في الأحياء الواقعة شرق الحرم الإبراهيمي الشريف، وعزلها عن بعضها البعض وفصلها عن باقي أحياء البلدة القديمة والمنطقة الجنوبية بشكل كامل، إضافة إلى إغلاق ما يزيد على 50 محلاً تجاريًا بشكل كامل، ومنع أصحابها من فتح أبوابها.
كما فرض الاحتلال قيودًا مشددة على حركة المواطنين سواء داخل تلك الأحياء، أو التنقل منها وإليها، وحدد لهم ساعات معينة للخروج تبدء من الساعة السابعة حتى العاشرة مساءً، وعبر ما يعرف بحاجز 160 العسكري، حيث يجبرون على السير مسافات طويلة للوصول إلى ذلك الحاجز، ويشترط أن تكون أسماء الراغبين في المرور عبره مسجلة مسبقا لدى الجنود، ناهيك عن الإغلاقات المفاجئة، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى إغلاق الحواجز، ما يجبر أعدادًا كبيرة من المواطنين على المبيت خارج منازلهم.
ويتعرض المواطنون لشتى أشكال التنكيل والتفتيش على تلك الحواجز، ويتم احتجاز عائلات كاملة لساعات طويلة يتخللها اعتداءات بالضرب المبرح والتنكيل بطريقة مهينة جدًا، ويُضرب الأب وينكل به أمام زوجته وأطفاله، كما يتعمد الجنود استفزاز تلك العائلات من خلال محاولتهم وإصرارهم على إخضاع النساء والفتيات للتفتيش الشخصي، الأمر الذي يرفضه الأهالي، ما يعرضهم لمزيد من الضرب والتنكيل والاحتجاز لساعات أطول في ظروف صعبة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها