مع بزوغ الفجر؛ يخرج الصياد الفلسطيني محمد أبو مهدي إلى شاطئ مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، لممارسة مهنة صيد السمك على أمل كسب لقمة العيش، رغم الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للصيادين على الشاطئ.

ومع مرور 303 أيام من العدوان الإسرائيلي المدمر على غزة، يلقي أبو مهدي "43 عامًا" شباكه داخل البحر المتوسط، أملاً بصيد وفير من أسماك السردين التي تغزو شواطئ القطاع هذه الأيام، فالعودة إلى المنازل دون صيد تسبب أزمة الجوع.

ويخاطر الصيادون في غزة بحياتهم يوميًا على شاطئ غزة، لكسب لقمة العيش، إذ يعملون تحت نيران زوارق الاحتلال الحربية وطائرات الاستطلاع المسيّرة والدبابات المتمركزة على محور "نيتساريم"، الذي يفصل جنوب قطاع غزة عن شماله.

وتشن قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عدوانًا على قطاع غزة أسفرت عن 131 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن عشرة آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وأثناء تواجده على شاطئ البحر، قال أبو مهدي: "نحن صيادون على شاطئ مخيم النصيرات، نواجه صعوبات وتحديات كبيرة، في مقدمتها المخاطر المتعلقة بقوات الاحتلال"، موضحًا بأنهم يواجهون اعتداءات يومية من طائرات وزوارق الاحتلال وتتقدم الدبابات باتجاههم دائمًا وتطلق النار عليهم، فالأسبوع الماضي فقدنا أربعة صيادين شهداء في هذا المكان.

وأضاف: أن "معظم الصيادين في هذه المنطقة نازحين من محافظتي غزة والشمال، ويحاولون كسب لقمة عيشهم، بممارسة مهنة الصيد"، مؤكدًا أن حسكات "قوارب بمجاديف" الصيد الصغيرة لا يستطيع دخول البحر فيها، فبأي لحظة من الممكن أن يستهدفنا جيش الاحتلال، إما بإطلاق النار من الزوارق الحربية داخل البحر أو من الآليات والدبابات المتمركزة قرب الشاطئ.

وشدد أبو مهدي على عدم قدرتهم على ممارسة الصيد في المناطق الجنوبية؛ نظرًا لوجود خيام النازحين الذين يقومون بالسباحة في البحر؛ ما يؤثر سلبًا على عمليات صيد السمك، مردفًا أن "الأسماك كائنات كثيرة الخوف وسريعة الهرب، وبالتالي بمجرد نزول المواطنين إلى البحر ستهرب الأسماك ولن يصبح بالإمكان صيد الأسماك في ذات المكان".

ووصف أوضاع الصيادين بـ"السيئة للغاية"، وأوضح أن "الصياد لا يستطيع ممارسة مهنته بحرية، وفي حال قررنا دخول البحر تقوم زوارق الاحتلال الإسرائيلي بملاحقتنا وإطلاق النار باتجاهنا؛ ما تسبب بإغراق مراكب الصيادين وإتلاف شباكهم عديد المرات".

ومضى قائلاً: إن "مهنة الصيد، محفوفة بالمخاطر والمتاعب، فلا راحة فيها ولا أمان".

وقف الصياد محمد أبو جحجوح على حسكة صغيرة داخل البحر، وحاول الخروج مسرعًا بعد إطلاق زوارق الاحتلال النار باتجاههم، أثناء الصيد.

وقال أبو جحجوح: "زوارق الاحتلال لاحقتنا أثناء تواجدنا داخل البحر، وأطلقت النار تجاهنا، وأجبرتنا على الخروج من المياه وترك شباكنا في مهب الريح".

وتابع: "سكان قطاع غزة تجمعوا في المنطقة الجنوبية من وادي غزة حتى رفح، ما يعني أن عددًا كبيرًا من الصيادين متواجدين هنا، ولم يعد هناك متسعًا لممارسة مهنة الصيد بشكل طبيعي"، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال يمنع الصيادين من الدخول في عمق البحر، وتطلق الزوارق النار باتجاه مراكب الصيادين وتلاحقهم، في حال تقدمت بشكل أكبر في عمق البحر.

وبيَّن أن "الكثير من الصيادين فقدوا مراكبهم وشباكهم؛ نتيجة الملاحقة والاستهداف الإسرائيلي"، مردفًا لقد تفاقمت المشاكل بسبب ازدحام شواطئ المنطقة الوسطى والجنوبية بالنازحين، ولم يبقَ هناك مكان لإلقاء الشباك في المياه.

وشدد على أن "هذه الصعوبات يومية، فالمضايقات من الطائرات بدون طيار والزوارق التي تطلق النار بشكل عشوائي، تجبر الصيادين على ترك معداتهم وأدواتهم والهروب للنجاة".

ولا تقتصر الصعوبات على المخاطر المتعلقة بانتهاكات الاحتلال، بل يواجه الصيادون الفلسطينيون صعوبات تتعلق بشح المعدات والأدوات في الأسواق وارتفاع أسعارها بشكل كبير جدا، في حال توافرها، ما يزيد من معاناتهم.

وقال أبو جحجوح: "إن تمزقت الشباك يصعب تخييطها وإعادة استخدامها، في ظل عدم توفر الأدوات والمعدات واللوازم المختلفة، وإذا توفرت فإن أسعارها مرتفعة جدًا وازدادت أربعة أضعاف"، موضحًا أن شبكة الصيد التي كان سعرها 200 شيقل "نحو 52 دولارًا أميركيًا"، تجاوزت الآن 800 شيقل "حوالي 208 دولارات"، وقد تصل إلى أكثر من ذلك، بينما يصل سعر خيطان ربط الشباك وصيانتها 90 شيقلاً، بعد أن كانت بتسعة شواقل فقط.

وتعد مهنة الصيد مصدر رزق أساسي للكثير من العائلات في قطاع غزة، وقبل العدوان كانت إسرائيل تقيد حدود تحرك قوارب الصيد في مياه غزة بستة أميال فقط، وتراقبها الزوارق الحربية والقوات الخاصة البحرية التي تطلق النار على أي شخص يعبر تلك الحدود.

ومنذ بدء عدوان الاحتلال على القطاع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تمنع زوارق الاحتلال الحربية، قوارب الصيد في غزة من الدخول إلا لمسافة لا تتجاوز الميل الواحد، حسب شهادات عشرات الصيادين.