أمس الاثنين 29 يوليو الحالي أعلنت وزارة التربية والتعليم عن نتائج الثانوية العامة 2023/ 2024، دون إعلان نسبة النجاح والرسوب بسبب عدم تمكن 39 ألف طالب من قطاع غزة من تقديم الامتحان نتاج الإبادة الجماعية، التي مضى عليها عشرة أشهر، وسقط خلالها نحو 500 طالب توجيهي شهيدًا، وما يزيد عن 8000 شهيدًا من مختلف المستويات الدراسية، 12500 طالب جريح، منهم 2500 طالب معاق، وما يزيد 350 مدرسًا، بخلاف اعداد المفقودين تحت الأنقاض. فضلاً عن تدمير 116 مدرسة تدميرًا كاملاً، و331 مدرسة تدميرًا جزئيًا. فضلاً عن سقوط ما يزيد عن 39 ألف شهيد، ونحو 91 ألف جريح، وما يفوق عشرة آلاف مفقود من أبناء الشعب عمومًا، جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ. 
ورغم ذلك هناك طلاب وذويهم في محافظات الشمال احتفوا بأولادهم الناجحين بطريقة ملفتة للأنظار، وتناسوا الإبادة الجماعية لأشقائهم في قطاع غزة تحت عناوين مختلفة، منها "الحياة بدها تمشي"، و" هي مناسبة لا تأتي دائمًا"، و"يجب أن نفرح رغم الوجع والألم" وغيرها من المقولات غير المقبولة في زمن الإبادة والموت والفاجعة، التي طالت أبناء جلدتنا، وأهلنا في القطاع الحبيب، وما زالت دورة وأهوال الحرب الوحشية واللا آدمية تطحن لحم ودم وعظام أطفالنا ونساءنا وعموم الأجيال الفلسطينية في الضفة والقطاع بشكل غير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. 

ما جرى ويجري نكبة أعظم من النكبة الكبرى عام 1948، ومصاب فاق في فظائعه وهمجيته ما جرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث بالنسبة والتناسب ما سقط من أبناء قطاع غزة لوحده خلال 298 يومًا الماضية يضاهي نصف مليون إسرائيلي، ونحو 26 مليون أميركي، أضف إلى الدمار الهائل لما يزيد عن 80% من الوحدات السكنية والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس والمؤسسات الاهلية والرسمية والمستشفيات والمراكز الصحية والبنى التحتية، حتى باتت مدن ومخيمات وقرى وبلدات محافظات الجنوب أطلال، كما لم يقتصر عنوان الإبادة على القتل بالقصف الجوي والبحري والارضي بأسلحة الدمار الشامل الأكثر تطورا، وإنما بنشر الأمراض المعدية والسارية والمزمنة، وبات القطاع منطقة منكوبة بالوباء وشلل الأطفال، وحرب التجويع والنفايات، التي يزيد حجمها عن أربعين ألف طن وغيرها من الأعراض والمخاطر التي تتهدد حياة الانسان الفلسطيني في القطاع. 
أمام هذه الفجيعة ودورة الدم الإسرائيلية والأميركية الوحشية هل يمكن تبرير أي مقولة متهافتة مما يرددها أبناء الشعب في المحافظات الشمالية؟ وهل مقبول لنا نحن معشر الفلسطينيين، أبناء الشعب العظيم في التكافل والتعاضد مع الذات الوطنية، ونحن الذين نتغنى دوما بمقولة علمية صحيحة، إن أصيب عضو أو تجمع من الجسد الفلسطيني، تداعت له باقي التجمعات والأعضاء؟ وكيف وعلى أي أساس نقيم الأفراح بنجاح ابن لنا، وهناك عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى من أبناء الشعب؟ وهل تناسى أولئك الذين أقاموا الأفراح، إننا نعلن الإضراب في هذه المدينة أو ذلك المخيم أو تلك القرية عندما يسقط شهيدًا هنا أو شهيدًا هناك، وأحيانًا عندما يكون هناك أكثر من شهيد يمكن أن يعم الإضراب عموم الوطن الفلسطيني وتجمعاته المختلفة؟ أين المنطق؟ أين المسؤولية الشخصية والوطنية تجاه الأشقاء الأحياء الأموات، الذين ما زالوا على قيد الحياة يعانون من الجوع والموت البطيء والحرمان من ابسط مقومات الحياة الآدمية؟ 

للأسف الشديد الصورة لا تعكس سمات الشعب العربي الفلسطيني، ولا أصالته، ولا خصاله التي يتغنى بها الأشقاء والأصدقاء، وحتى الأعداء، الذين يحسدوننا عليها من الترابط والتماسك والتآزر، ويعتروننا مثالاً يحتذى به في الصمود والبطولة والتضحية والتلاحم. هناك صورة لا تشبهنا، وبعيدة كل البعد عن أخلاقنا وقيمنا السياسية والاجتماعية والثقافية، صورة فيها شرخ وانكسار، وهذا لا يجوز أن يمر، أو يبقى نموذجنا. لأنه يتناقض مع هوية وإنسانية الانسان الفلسطيني العربي. 
وحدث ولا حرج عن أولئك الذين يقيمون الأفراح والليالي الملاح وإطلاق الرصاص الحي وغير الحي من المفرقعات لزواج أبناءهم من الجنسين، والذين اعتادوا على خبر الموت والإبادة، وكأنه في بلد آخر، ومكان نائي بعيدًا عن فلسطين وشعبها. وهذا والله مخجل ومعيب بحقنا ومكانتنا الوطنية والإنسانية. 
مؤكد هناك أناس من بين أبناء شعبنا رفضوا الفرح، واعتصموا بحبل الوحدة، واعتبروا فرحتهم منقوصة. لأن أشقائهم يموتون ويبادون في وضح النهار، ولهؤلاء ترفع القبعات، وترسل لهم كل التحايا والتقدير على مواقفهم الطبيعية والنبيلة. وعليه المطلوب إعادة ترميم الصورة الفلسطينية الناصعة، وأن تبقى الرايات السوداء مرفوعة حتى تزول الإبادة الجماعية عن أبناء شعبنا في عموم الوطن وخاصة قطاع غزة، ويفترض بوسائل الاعلام والمؤسسات الثقافية والأكاديمية ورجال الدين في خطب الجمعة وصلاوات الكنائس أن يعمموا ثقافة التكافل والتعاضد مع الذات الوطنية.