بقلم: زهران معالي

لم يدر في مخيلة عائلة فراج التي تقطن في مخيم بلاطة للاجئين شرق مدينة نابلس، أن يتحول حفل زفاف ابنتهم إلى مأتم؛ بعد أن خطف رصاص قوات خاصة من جيش الاحتلال الإسرائيلي شقيقها آدم صلاح فراج (22 عامًا)، مساء الإثنين، قرابة الخامسة عصر أمس، بينما أحضر آدم "تحلاية" العرس إلى قاعة الفرح حيث تجتمع النسوة في انتظار قدوم شقيقته من صالون التجميل، تفاجأ بمحاصرة قوات خاصة إسرائيلية للقاعة، حاول الفرار إلى سطح المبنى للنجاة بروحه، فباغته الجنود برصاصات قاتلة ليرتقي مضرجًا بدمائه، قبل أن يسحلوا جثمانه أمام عدسات الكاميرات، وينقلوه للاحتجاز.

ويقول عم الشهيد فراج فراج: بأن آدم قد حضر لقاعة الأفراح قبيل وصول شقيقته العروس لمشاركتها بفرحة العمر، لكن انقلبت الأمور رأسًا على عقب وتحول الفرح إلى مأتم، بعدما أمطر رصاص الاحتلال جسده، وسلب جثمانه، موضحًا أنه بينما كان برفقة العروس وشقيقها الآخر وأمها في طريق العودة من صالون التجميل بمنطقة رفيديا غرب المدينة باتجاه شارع القدس شرقها حيث قاعة الأفراح التي ستزف فيها، تفاجأت باتصال يخبرني بوجود قوات خاصة إسرائيلية بالمنطقة، وما أن وصلنا لمسافة تبعد قرابة 20 مترًا من القاعة، لنتفاجأ باتصال من ضابط المخابرات الإسرائيلية يطالبنا بعدم النزول من المركبة وإلا سيطلق علينا النار. 

ويضيف فراج: بأن جيش الاحتلال ظل يحتجزهم بالمركبات حتى خطف جثمان آدم، وانسحب من المكان، ثم أبلغ العائلة عن استشهاده. 

وأدى اقتحام قوات الاحتلال ومحاصرتها للقاعة كذلك إلى استشهاد الشاب معتز النابلسي، وإصابة عشرة آخرين، قبل أن يعلن الأطباء عن استشهاد الشاب أحمد عمر الخضري متأثرًا بجروحٍ حرجة أصيب بها برصاص الاحتلال في الصدر.

ويُذكر بأن الشهيد آدم قد تيتم بعمر الشهرين، فقد حرمه الاحتلال من والده والذي استشهد في 19 شباط/فبراير عام 2002 خلال اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي مدن الضفة الغربية وبينها مدينة نابلس، وهو الشقيق الأصغر بين أربعة أبناء للشهيد صلاح "ابنتين وولدين"، ودرس الشهيد آدم في مدارس مخيم بلاطة حتى الثانوية العامة، وهو حافظ للقرآن الكريم، وكان يعمل في مطاعم نابلس حتى اعتقاله عام 2022، حيث أمضى ستة أشهر في معتقل "مجدو"، ولم يمض على تحرره عدة أشهر حتى عاد الاحتلال لملاحقته وحاول اغتياله عدة مرات، قبل أن يتمكن من إعدامه بدم بارد يوم فرح شقيقته، وقبل استشهاده بساعتين فقط أخبر عمه بأنه يريد أن يعقد قرانه ويتأهل لعش الزوجية، لكن الاحتلال سلب تلك الفرحة. 

وبالتزامن مع العدوان على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، صعدت دولة الاحتلال من عدوانها على الفلسطينيين في الضفة الغربية بشتى الوسائل، عبر فرض الحصار على المدن وتنفيذ الاقتحامات المتكررة والاعتقالات، إلى تنفيذ عمليات القتل والإعدامات الميدانية والاغتيالات، والتي أدت إلى استشهاد 527 فلسطينيًا، بينهم 132 طفلاً، وإصابة أكثر من 5 آلاف مواطن.

وتعتبر الإعدامات الميدانية وجه آخر للإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال بحق شعبنا في قطاع غزة، وجريمة إعدام الشهيد فراج وسحله من قبل جنود الاحتلال تعيد إلى أذهان الفلسطينيين جريمة إعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل وغيرها من الجرائم التي وثقتها "الكاميرات"، مستغلين سياسة الإفلات من العقاب وعدم المساءلة التي يتمتعون بها، والصمت الدولي الذي يعطيهم الضوء الأخضر لمواصلة جرائمهم بحق أبناء الشعب الفلسطيني.

ففي 27 نيسان/أبريل 2023، استشهد الشاب أحمد يعقوب طه (39 عامًا) من بلدة بديا غرب سلفيت، برصاص الاحتلال قرب قرية حارس، وقد أظهرت عدة لقطات صورتها هواتف مواطنين تواجدوا في المكان، أحد عناصر شرطة الاحتلال وهو يشير إلى الشاب طه للترجل من مركبته تحت تهديد السلاح، وعندما فعل ذلك أطلق جندي إسرائيلي الرصاص صوبه، وقد استمر بإطلاق النار بكثافة نحوه حتى بعد إصابته وسقوطه أرضًا، في عملية إعدام واضحة.

وفي 16 آذار/مارس 2023، أظهر مقطع فيديو التقطه مواطنون خلال اقتحام قوات خاصة من جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة جنين، إطلاق عنصر من القوات الخاصة الرصاص من نقطة الصفر صوب رأس الشاب نضال أمين خازم (28 عامًا) وهو مصاب وملقى على الأرض دون حراك، وفي 15 كانون الثاني/يناير 2023، أطلق جنود الاحتلال النار من مسافة صفر صوب المواطن أحمد كحلة (45 عامًا) أسفل جسر يبرود، شرق رام الله، وكانت رصاصتان في الرقبة قد وضعتا حدًا لحياة  كحلة الذي ينحدر من قرية رمون شرق رام الله، ويعيل خمسة أبناء، أكبرهم قصي (20 عامًا)، الذي كان معه في لحظاته الأخيرة، قبل استشهاده.

وأظهر شريط مصور التقطه أحد المواطنين المتوقفين على الحاجز المقام أسفل جسر يبرود، أن عراكًا دار بالأيدي بين الشهيد كحلة وبين عدد من جنود الاحتلال، فقام أحدهم بإطلاق النار عليه من مسافة صفر دون أن يشكل أي خطورة على الجنود.

وفي الثاني من شهر كانون الأول/ديسمبر 2022، استشهد الشاب عمار مفلح (23 عامًا) من قرية أوصرين جنوب نابلس، برصاص الاحتلال الحي من نقطة الصفر في بلدة حوارة، وقد أظهر فيديو توثيقي التقط من المكان، أن جنديًا إسرائيليًا أطلق الرصاص الحي على الشاب مفلح وسط بلدة حوارة من نقطة الصفر.

ورغم الإدانات والدعوات الأممية والدولية لإجراء تحقيق في إعدام مفلح، وإجراء مساءلة كاملة بموجب القانون الدولي، إلا أن الجندي الذي أطلق النار عليه مازال حرًا طليقًا دون أي محاسبة.

وفي 24 آذار 2016، استشهد الشاب عبد الفتاح الشريف في منطقة تل أرميدة بمدينة الخليل على يد جندي في جيش الاحتلال، ووثقت جريمة إعدامه بمقطع فيديو التقطه مصوّر مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، حيث أثار الفيديو ردود فعل دولية، أجبرت الاحتلال على اعتقال الجندي القاتل أليئور أزاريًا، ومحاكمته صوريًا، قبل الإفراج عنه بعد قضائه تسعة أشهر في السجن.

وقال الجندي القاتل في مقابلة صحفية عقب الإفراج عنه: أنه "ليس نادمًا على ما فعل، وإنه سيعيد الكرة لو عاد به الزمن إلى الوراء".

ووفقًا للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، فإنه "لا يمكن صون أي حقّ من حقوق الإنسان من دون احترام الحق في الحياة. وتعدُ عمليات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفًا، أيّ قتل الأفراد عمدًا خارج أي إطار قانوني، انتهاكًا لهذا الحق الأساسي"، حيث تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف حياة الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، متجاهلة كافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وقواعد القانون الدولي الإنساني.