أوردت في مقالة أمس القرارات ال4 لمحكمة العدل الدولية الصادرة يوم الجمعة 24 مايو الحالي استنادًا لدعوة جنوب إفريقيا الصديقة الشقيقة حول وقف الحرب على محافظة رفح في 16 مايو من الشهر نفسه، وهي باختصار شديد: وقف العمليات العسكرية في رفح، ادخال المساعدات وفتح معبر رفح، السماح للجان التحقيق الأممية من تنفيذ مهامها، وتقديم إسرائيل تقرير عن إجراءاتها للمحكمة خلال شهر. ورغم أنني كنت آمل أن يكون القرار وقفًا دائمًا وفوريًا للحرب على قطاع غزة كله، مع ذلك القرارات الصادرة لها أهمية ودلالات هامة، واجبنا أن نركز على الإيجابي فيها. 
وتتمثل أهميتها في أولاً أنها خطوة متقدمة في قرارات محكمة العدل الدولية بغالبية القضاة 13 قاضي ضد 2؛ ثانيًا المراكمة التراكمية الكمية على الاحكام والتدابير السابقة، الصادرة في 26 يناير الماضي، وتعزيز تلك التدابير عبر التأكيد على حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة ومحافظاتها الخمس، وإقرار غالبية القضاة بعدم التزام إسرائيل بها، بالإضافة إلى توسيع وتعميق حرب الإبادة عبر عملية التجويع الممنهجة في أوساط المواطنين المنكوبين بالحرب، ومنع دخول أول تقنين المساعدات الإنسانية إلى الحد الأقصى في ظل مواصلة الحرب الكارثية؛ ثالثًا يتلازم مع ذلك تعاظم الرفض الدولي لاستمرار حرب الإبادة في القطاع، وعمليًا اتساع التأييد في أوساط الرأي العام العالمي على المستويين الأهلي والرسمي؛ رابعًا التأصيل لموقف قانوني دولي مؤيد ومساند لوقف الحرب بشكل قاطع ودائم وفوري في القطاع؛ خامسًا مضاعفة وتعميق أزمات إسرائيل النازية الداخلية على المستويين الحكومي العام وفي أوساط مجلس حرب الإبادة، وبين الحكومة والشارع الإسرائيلي المنادي والمطالب بإعطاء أولوية قصوى للأفراج عن أسرى الحرب الإسرائيليين، ووقف الحرب فورًا.


ولهذه الأهمية النوعية لقرارات المحكمة انعكاسات ودلالات عدة، منها: توسيع عملية عزل إسرائيل الدولة اللقيطة. لأنها كما أعلن نتنياهو وسموتيريش وبن غفير وغالانت وهليفي وغيرهم رفضت وترفض تلك القرارات، ليس هذا فحسب، بل إنها يوم الجمعة الفائت زادت من عمليات القصف الوحشي وهجماتها الحربية على أبناء الشعب الفلسطيني في رفح وجباليا وباقي المحافظات، وأعلن سموتيريش توسيع الاستيطان الاستعماري في الضفة الفلسطينية؛ ثانيًا مضاعفة الضغوط الدولية السياسية والديبلوماسية والقانونية ضد حكومة حرب الإبادة بقيادة نتنياهو لوقف دائم وفوري لحرب الإبادة كليًا على القطاع؛ ثالثًا مساهمتها في دفع القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على فتح كل المعابر وخاصة معبر رفح البري، وزيادة دخول المساعدات الإنسانية كافة لأبناء القطاع من خلال التراجع عن معبر رفح. لا سيما وأن الشقيقة مصر أكدت رفضها القاطع لوجود القوات الإسرائيلية في محور فيلادفيا / صلاح الدين، لأن وجودها يتناقض مع اتفاقية كامب ديفيد 1979، وهددت باتخاذ إجراءات لحماية امنها الوطني؛ رابعًا تشديد خناق العزلة الأممية على الدولة الإسرائيلية النازية، كإرتداد طبيعي لغطرستها وجنونها الفاشي في الايغال في الدم الفلسطيني لليوم 233 للحرب الاجرامية الوحشية؛ خامسًا فتح الباب مجددا للعودة لمجلس الأمن الدولي لتقديم مشروع قرار جديد من قبل جنوب إفريقيا، التي أعلنت وزيرة خارجيتها عن ذلك، خاصة وأن الأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش حّول قرارات العدل الدولية للمجلس لتنفيذها استنادًا للمادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة؛ سادسًا توسيع وتعزيز الاعتراف بدولة فلسطين المحتلة، ورفع مكانتها لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وفي نفس الوقت قطع الطريق على الحلول الأميركية الإسرائيلية التآمرية البديلة الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، والحؤول دون وحدة أراضي واستقلال الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، وزيادة الضغط للذهاب لعقد مؤتمر دولي للسلام وفق روزنامة زمنية محددة لتكريس خيار حل الدولتين على حدود 4 يونيو 1967.


وكانت إدارة بايدن أعلنت مباشرة أنها لن تسمح بوقف حرب الإبادة الجماعية، وهو ما يعني لجوئها لاستخدام حق النقض / الفيتو ضد اية مشاريع قرارات في مجلس الأمن، مما سيزيد من عزلتها، وفضح رياءها ومعاداتها للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي والمعاهدات الدولية ذات الصلة بالحروب، وكذا يفاقم من عزلة وتخبط حكومة الحرب الإسرائيلية الهمجية، ويسرع من إمكانية تقديم لوائح اتهام في محكمة العدل الدولية ضدها من قبل جنوب إفريقيا أو نيكاراغوا أو أي من الدول الصديقة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل في آن، وأيضًا التوجه لمحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات اعتقال بحق قيادات من الدولتين والدول الدائرة في فلك حرب الإبادة ضد الشعب العربي الفلسطيني، وإن غدٍ لناظره قريب.