حرب عالمية استثنائية هوجاء ووحشية بكل المقاييس العالمية، وغير مسبوقة في حروب العصر الحديث لما استخدم فيها من أسلحة الدمار الشامل الكلاسيكية الأكثر حداثة وتدميرًا والسبيرانية والذكاء الاصطناعي على بقعة صغيرة من الجغرافيا لا تتجاوز مساحتها ال365 كيلو متر مربع، وفيها اعلى كثافة سكانية في العالم. حرب قادتها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية إلى جانب دولة إسرائيل في أعقاب 7 أكتوبر 2023، وقامت تلك الدول العظمى باختبار أسلحتها التدميرية وتقنياتها عالية الدقة الاستخبارية لإبادة الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، ومع ذلك لم تحقق أهداف الحرب المعلنة على مدار الشهور الستة الماضية.  
وحصدت حرب الإبادة الجماعية الصهيو أميركية على أبناء الشعب الفلسطيني في محافظات غزة خلال الشهور الستة الماضية ما يزيد عن 33 ألف شهيد وحوالي 76 ألف جريح غالبيتهم من الأطفال والنساء بنسبة تفوق ال72% من مجمل الضحايا، وتدمير 62% من مجمل الوحدات السكنية في قطاع غزة وفق احصائيات الأمم المتحدة، وأخرجت أكثر من 30 مستشفى وما يفوق ال150 مركزًا صحيًا، ودمرت مئات المدارس والجامعات والمعاهد والمؤسسات الحكومية، ودمرت مئات أماكن العبادة من مساجد وكنائس، ومسحت بشكل شبه كامل البنى التحتية من مصادر المياه والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي، وحولت حياة المواطن الفلسطيني إلى جحيم مروع وهائل يفوق الوصف، ونشرت الأمراض المعدية والأوبئة والمكارة الصحية والبيئية والمجاعة الحادة نتاج شبه انعدام المساعدات الإنسانية الضرورية من المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية والمياه الصالحة للشرب. 


واعتبرت إسرائيل الحرب بمثابة حرب "وجود" وحرب "الاستقلال الثانية"، وأطلق نتنياهو وأركان مجلس الحرب الإسرائيلي شعار "النصر الكامل أو الهزيمة"، وأمس انسحبت من محافظة خان يونس الفرقة ال98 وقوامها 3 الوية دون أن تحقق أي من أهدافها سوى مزيد من الإيغال بالدم الفلسطيني عموما والأطفال والنساء خصوصًا وتدمير معالم الحياة بأبسط معاييرها، فلم تفرج عن رهائن الحرب الإسرائيليين، ولم تحقق التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني من وطنهم الام، ولم ينهي الحرب ب"النصر"، حيث كان وفق خطة مجلس الحرب الإنتهاء من حربهم خلال أسبوع أو أسبوعين بحد اقصى، ومع ذلك انتهت الشهور الستة والنتيجة واضحة للعيان صفرية بمعايير موازين القوى القائمة والمائلة بشكل هائل، أو لا مجال فيها لوحدات القياس العلمية ولصالح إسرائيل وسادتها من دول الغرب الإمبريالي بقيادة الإدارة الأميركية. 


وعكس النتيجة الأولية لها هليفي، رئيس اركان الجيش الإسرائيلي أمس الأحد 7 ابريل الحالي بالقول: ندفع ثمنًا باهظًا في الحرب وفقدنا جنودًا وقادة كثيرين، وتابع "نواصل الطريق نحو الانتصار، ولم نغادر قطاع غزة بالكامل، لم ننه القتال في غزة، ولا نقيس الإنجازات التي نحققها وفق المدة الزمنية"، وسنعمل على "استعادة المخطوفين، وهو الامر الأكثر إلحاحًا من أي هدف آخر للحرب". وأضاف: "حققنا إنجازات كثيرة في غزة، وعملنا بقوة هائلة، ونحن جاهزون لأي تطورات أخرى". وهذا التصريح جاء بعد سحب الفرقة 98 من خان يونس. 
ولكن من يدقق فيما أعلن رئيس الأركان، يلحظ ان محتواه دعاوي وإنشائي، سوى النقطة التي اعترف فيها بسقوط أعداد غير مسبوقة من الجنود والضباط والمرتزقة في حروب إسرائيل السابقة، رغم أن الجيش الإسرائيلي قدم حصيلة هزيلة لخسائره خلال ال184 يومًا الماضية، وهي أرقام كاذبة وغير صحيحة نهائيًا، وعكس موقف هليفي هشاشة وبؤس حرب الإبادة الجماعية على غزة ومحافظاتها، التي لم تحمل إنجازًا عسكريًا واحدًا بالمعني العسكري الكلاسيكي العلمي.

 
وكشفت الحرب عن أولاً سقوط مروع لصورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وفشل نظريته الأمنية، وعجز قياداته العسكرية في إدارة الحرب تكتيكيًا واستراتيجيًا؛ ثانيًا اهتزاز الأرض تحت اقدام دولة المشروع الصهيوني بشكل غير مسبوق منذ وجودها في عام 1948؛ ثالثًا افتقاد مكانتها ومصداقيتها كأداة وظيفية للغرب الامبريالي عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا؛ رابعًا إفلاس وهزيمة فكرة المشروع الصهيوني وقاعدته المادية إسرائيل؛ خامسًا رغم جنوح الرأي العام الإسرائيلي إلى أقصى اليمين والانحراف بشكل كبير يفوق ال64% نحو إدامة حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، إلا أن الغالبية العظمى فقدت الثقة بأهلية الدولة والمشروع الصهيوني برمته، وبات الخيار الأمثل بالنسبة للغالبية الساحقة من الإسرائيليين العودة إلى أوطانهم الأم، أو الرحيل إلى دول أكثر أمنًا واستقرارًا. لأن القناعة التي ترسخت في الوعي الجمعي الصهيوني غياب الأمن والأمان المجتمعي؛ سادسًا تآكل مقومات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والدينية ارتباطًا بتلاشي مكانة جيش السوبرمان الرابع من حيث القوة العسكرية عالميًا؛ سابعًا تعاظم عزلة إسرائيل الدولية كما لم يسبق في تاريخ وجودها، والذي يتضاعف بشكل يومي بمتوالية هندسية، وهناك الكثير مما سيكتب لاحقًا عن تقييم الحرب على الصعد الأخرى.