أصدرت امس الجمعة 26 يناير الحالي محكمة العدل الدولية حكمًا ابتدائيًا وتدابير طارئة بحق إسرائيل في الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا متهمة الدولة العبرية بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومن أبرز أحكامها، أولاً قبلت الدعوى القضائية، ورفضت اعتراض إسرائيل عليها؛ ثانيًا اكدت ان الشعب الفلسطيني مشمول بالحماية الدولية وفق أحكامها ومحددات عملها القانونية؛ ثالثًا شعورها بالقلق مما تقوم به إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني من جرائم حرب ترقى للابادة؛ رابعا على إسرائيل اتخاذ جميع التدابير لمنع أي اعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية؛ خامسًا ضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بأي أعمال إبادة؛ سادسًا منع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة؛ سابعًا اتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية؛ ثامنًا عدم التخلص من أي دليل يمكن أن يستخدم في القضية المرفوعة ضدها؛ تاسعًا تقديم تقرير للمحكمة خلال شهر بمدى تطبيقها لهذه التدابير والأحكام. 


ويمكن اعتبار أحكام محكمة لاهاي خطوة بالاتجاه الإيجابي، كونها حاكت نسبيًا وبشكل غير مباشر ارتكاب دولة إسرائيل حرب إبادة جماعية، كون الدعوى القضائية الجنوب افريقية مدعمة بالقرائن والشواهد الدالة على حرب الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في محافظات الجنوب الفلسطينية، وبحكم مطابقتها لمواد المحكمة الدولية القانونية، وتتضمن عمليًا وقف الحرب. لأنه لا يمكن تطبيق مجمل الاحكام الواردة أعلاه دون وقف حرب الإبادة. 
وجانبت محكمة العدل الدولية الصواب لان احكامها لم تنص على وقف الحرب فورًا. كما جاء في قرارها تجاه المسألة الأوكرانية في 16 مارس 2022، التي لم ترق لجرائم حرب الإبادة الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، اضف الى انها منحت دولة إسرائيل وقتًا لإدامة الحرب، فهي طالبت إسرائيل بتقديم تقرير بعد شهر عن مدى التزامها باحكام المحكمة، وهو ما يعني عدم إيقاف حرب الإبادة بعد الشهر. لأنها ستنظر في التقرير ومدى التزام الدولة المرتكبة حرب الإبادة من عدمه، ثم تنظر في الامر قبل التقرير في وقف الحرب، هذا إذا تمكنت من اتخاذ القرار الأكثر الحاحية وضرورة لحماية السكان الفلسطينيين من ويلات حرب الإبادة الوحشية، التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ ومئات آلاف الوحدات السكنية والمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس وأماكن العبادة، فضلاً عن العقاب الجماعي وحرب التجويع، ووضع العراقيل أمام دخول المساعدات الإنسانية، وفي نفس الوقت تعمل على تنفيذ التهجير القسري للسكان، حيث لم تتطرق أحكام المحكمة لإعادة النازحين الفلسطينيين لبيوتهم وإمكان سكناهم ومدنهم وقراهم ومخيماتهم. 


وبالنتيجة الموضوعية لقراءة أحكام محكمة لاهاي الدولية تعتبر خطوة للامام لجهة أولاً وضع إسرائيل في قفص الاتهام بارتكاب حرب إبادة جماعية؛ ثانيًا تحميلها المسؤولية عما أصاب اكثر من مليوني فلسطيني من موت وحصار وقتل سريع من خلال عمليات الإبادة بالقصف الجوي والبري والبحري، وبطيء عبر انتهاج سياسة التجويع والامراض والنزوح وعدم وجود أماكن إيواء، وإخراج المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة في ظل نقص الادوية والمستلزمات الطبية وانتفاء المياه الصالحة للشرب؛ ثالثًا التأكيد على حق الشعب الفلسطيني بالحماية، ورفض تعريض حياتهم لخطر الإبادة؛ رابعًا الدعوة للافراج الفوري عن اسرى الحرب من كلا الطرفين، حيث لم تحدد المحكمة جنسية الرهائن؛ خامسًا يمكن استخدام الأحكام لمنع تزويد الدول المشاركة والمتورطة بحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني (أميركا ودول الغرب الأوروبي) من تزويد إسرائيل بالسلاح، وعلى سبيل المثال أعلنت ألمانيا التزامها باحكام المحكمة الدولية فورًا، ومطلوب ملاحقة الولايات المتحدة الأميركية، التي وافقت على تزويد إسرائيل أول أمس الخميس 25 يناير الحالي بثلاثة أسراب طائرات F35 وF15 وطائرات أباتشي وذخائر.. إلخ للتوقف عن تزويد إسرائيل بالأسلحة أداة حرب الإبادة الجماعية.   


إذا مطلوب المراكمة على أحكام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في العالم، وكون أحكامها ملزمة ونهائية، ولا تقبل الطعن أو إعادة النظر فيها، ومواصلة تقديم القرائن والبراهين على ارتكاب حرب إبادة. لا سيما وأن رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية، أعلن أمس الجمعة مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها، وكذا فعل غالانت، وزير الحرب، وبن غفير، وزير الأمن القومي. كما أن الجيش الإسرائيلي يقوم بعمليات تدمير على حدود قطاع غزة مع دولة إسرائيل لإقامة منطقة عازلة، وكأن قطاع غزة الأعلى كثافة في السكان عالميًا لديه مساحة كافية لاستيعاب سكانه، وتناسى قادة إسرائيل كافة أن ال200 كيلو متر التي اقتطعوها عام 1949 نتاج مفاوضات رودس يجب أن تعود للشعب الفلسطيني بعيدًا عن الحل السياسي، ولملف أحكام المحكمة الدولية بقية.