قرار محكمة العدل الدولية برفض طلب "إسرائيل" رد دعوى دولة جنوب إفريقيا يعني أن القناعة لدى المحكمة من حيث المبدأ راسخة بارتكاب سلطات الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب إبادة بحق الشعب الفلسطيني تستند إلى أساس وواقع عملي وثقته وسائل الإعلام المختلفة من خلال بثها المباشر للقصف الوحشي الممنهج الذي يستهدف المدنيين ويدمر مختلف أشكال الأعيان المدنية من بنى تحتية ومشافي ومراكز صحية وعمارات سكنية ومنازل،  وتهجير قسري لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

* إلزامية قرار المحكمة:

قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة وفقًا للمادة 94/ 1 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص "يتعهد كل عضو من أعضاء" الأمم المتحدة "بأن ينزل لقرار  محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفًا فيها".

أما في حالة رفض أو امتناع أحد الأطراف عن تنفيذ القرار فعندئذ الحق للطرف الآخر باللجوء إلى مجلس الأمن عملاً بالمادة 94 / 2 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على " أنه إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة فالطرف الآخر يحقه له بأن يلجأ إلى مجلس الأمن، ويحق لهذا المجلس تقدم توصياته أو إصدار قرار بالتدابير التي يجب إتخاذها لتنفيذ هذا الحكم، عند إذن".  فهذا يعني إستنادًا إلى واجبات مجلس الأمن بالعمل الحفاظ وترسيخ الأمن والسلم الدوليين وإلى رسالة امين عام الأمم المتحدة لمجلس الأمن عملا بالمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة أن ما ترتكبه "إسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تهدد حفظ السلم والأمن الدولي وعلى ضوء استمرار العدوان الإسرائيلي العسكري بات لزامًا على مجلس الأمن احترام مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها وميثاقها دون إزدواجية باتخاذ الإجراءات اللازمة لإلزام سلطات الاحتلال الإستعماري الإسرائيلي بتنفيذ فوري للتدابير العاجلة التي تضمنها قرار محكمة العدل الدولية.
بناءًا على ما تقدم يقع تنفيذ قرار محكمة لاهاي على مجلس الأمن الذي لا يملك الحق في رفضه أو إعاقة تنفيذه تحت أي ذريعة وإلا فإنه يضع نفسه في موقع الشريك بإرتكاب جرائم حرب الإبادة والتطهير العرقي فحسب بل العامل على تقويض الأمن والسلم الدوليين.

* التدابير العاجلة تعني إيقاف لجريمة الإبادة:

القارئ لقرار محكمة العدل الدولية التي يطالب سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي تنفيذها من:

- منع إرتكاب أعمال تؤدي إلى قتل الفلسطينيين أو إلحاق أذى جسدي او عقلي خطير بهم والأفعال منصوص عليها في المادة الثانية من إتفاقية الإبادة الجماعية

- التأكد من عدم قيام جيشها باي من الافعال المذكورة أعلاه

- منع ومعاقبة أي تحريض مباشر وعلني على إرتكاب الإبادة الجماعية

- تمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل للفلسطينيين في غزة

* هذه الإجراءات لتنفيذها تتطلب:

- وقف العمليات العسكرية بشكل كامل

- رفع الحصار المفروض الذي يحول دون حصول الفلسطينيين في غزة على الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية من سكن ومياه وغذاء والإستشفاء والدواء في المراكز الصحية والمستشفيات والكهرباء والإتصالات وغيرها من أساسيات الحياة الآمنة

- إتخاذ كافة الإجراءات لمنع إرتكاب الجيش العدواني الإسرائيلي أي خرق وإنتهاك لإتفاقية منع الإبادة الجماعية واستمرار التحريض على إرتكاب أي فعل من أعمال الإبادة الجماعية تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة للقيادة السياسية والعسكرية

قرار محكمة العدل الدولية بالتدابير العاجلة يعني بكل تأكيد توافق بل قناعة ان ما ارتكبته سلطات الاحتلال الإسرائيلي الإستعماري الإرهابي على مدار الشهور الأخيرة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ينطبق عليها أعمال الإبادة الجماعية المنصوص عليها بالمادة الثانية من إتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها مما توجب على مجلس الأمن إتخاذ التدابير العاجلة لوقفها ولإتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية الشعب الفلسطيني من كافة اشكال الجرائم المرتكبة حيث أكدت المحكمة بمضمون قرارها على حق الشعب الفلسطيني بالحماية.

بعد قرار محكمة العدل الدولية بات واجبًا على جميع الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة المبادرة وفق الآليات المنصوص عليها بميثاق الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع وإن تعذر ذلك بسبب الانحياز الأميركي البدء باتخاذ كافة الإجراءات العقابية من عزل ومقاطعة ونبذ بحق الكيان الإستعماري الاحلالي الإسرائيلي الذي يتبجح قادته برفض الانصياع لقرار محكمة لاهاي والمضي بحربه العدوانية التدميرية بحق قطاع غزة جغرافيًا وديموغرافيًا مما يستوجب تجميد عضويته بمجلس الأمن ليس لرفضه الإمتثال لقرار محكمة العدل الدولية فحسب بل لوصفه أيضًا المحكمة بأوصاف شائنة بتحد صارخ للعدالة الدولية.

مجلس الأمن باجتماعه يوم الإربعاء أمام تحد تشكل مرحلة فاصلة بين محطتين العدل والظلم بين تجسيد قوة الحق وحق القوة. والعالم الآن أمام مفترق طرق فإما الانتصار للعدالة وتجسيد مبادئ وأهداف الأمم المتحدة بترسيخ الأمن والسلم الدوليين بفرض تنفيذ قرار العدل الدولية وإما إلى الفوضى وتقويض الأمن والسلم الدوليين؟