ثابت أساس في قيم الشعوب قاطبة، التمترس في بوتقة الوحدة الوطنية زمن الحروب مع الأعداء القوميين، وابتعاد القوى السياسية بمشاربها وتوجهاتها المختلفة عن عوامل الفرقة والانقسام، وتعلو على الجراح والحسابات الصغيرة، وتتخندق في خندق الدفاع عن مصالح الشعب العليا هنا أو هناك، ولكن في ذات الوقت، ومن على أرضية الوحدة الوطنية لا يسمح لأي قوة سياسية، أو أي من ممثليها الخروج عن النواظم الأساس لأهداف هذه الحرب أو تلك، مستغل/ ة مناخ الوحدة للتصريح أو التلميح بمواقف لا تعكس روح الوحدة والشراكة الوطنية. لأن مثل هذه المواقف تربك المشهد الوطني، وتفتح نافذة لرياح غير مقبولة قد تسمم الجو والمناج الوطني. 


في زمن حرب الإبادة الصهيو أميركية الغربية الأوروبية على قطاع غزة تبلورت رؤية مشتركة بين الكل الفلسطيني عناوينها هي: أولاً وقف الحرب فورًا عن أبناء الشعب في محافظات غزة؛ ثانيًا حماية الشعب دوليًا؛ ثالثًا رفع الحصار والعقاب الجماعي عن أبناء الشعب، وإدخال المساعدات الإنسانية من مواد غذائية ودوائية ومستلزمات طبية ووقود وكهرباء وماء للمواطنين؛ ثالثًا رفض التهجير القسري لأبناء الشعب لمصر أو الأردن أو أستراليا أو أوروبا؛ رابعًا التأكيد على وحدة الشعب العربي الفلسطيني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وعدم السماح بإثارة أية نقاط خلافية في زمن الحرب، وتجسير الهوة بين القوى الفلسطينية المختلفة كمقدمة لطي صفحة الانقلاب والانقسام؛ خامسًا تبادل اسرى الحرب الفلسطينيين والإسرائيليين على قاعدة "الكل مقابل الكل"؛ سادسًا رفض أية حلول امنية في قطاع غزة مهما كانت الصيغة المطروحة، لأن محافظات الجنوب جزء لا يتجزأ من الوطن  الفلسطيني، ومن  يقرر  الحل هو  قيادة  منظمة  التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب؛ سادسًا عقد مؤتمر دولي للسلام لتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. 


وأيضًا من المسائل الواجب التركيز عليها مواجهة التحديات المعقدة والدامية التي يواجهها أبناء الشعب في محافظات الوطن عموما والجنوبية خصوصًا، وضرورة تشكيل خلية متخصصة لدراسة واعداد احتياجات المواطنين اليوم وغدًا، منها: مسألة إيواء المواطنين الذين دمرت بيوتهم كليًا أو جزئيًا، وتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والمنشآت الصناعية والمؤسسات الحكومية والبنى التحتية (كهرباء وماء ووقود) وطرق. وإذا كان يفترض الحديث عن الغد والإعداد لليوم التالي للحرب، فيفترض أن يتم الانشداد للتأكيد على: الانسحاب الكامل لجيش الاحتلال الإسرائيلي والمرتزقة من مختلف الجنسيات من قطاع غزة، وحصر المسؤولية على القطاع باليد الفلسطينية دون تدخل أي من الأطراف العربية او الدولية، ترتيب البيت الفلسطيني وتجسيد الوحدة الوطنية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية واشراك حركتي حماس والجهاد الإسلامي فيها على أساس برنامج المنظمة، والشروع بحوار وطني شامل لمناقشة ما جرى ويجري والاتفاق على القواسم المشتركة السياسية والتنظيمية والكفاحية، وتحديد زمن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والوطنية، ورفض أية دعوات لتشكيل أية أطر مؤقتة، لأنها تسيء وتهدد الوحدة الوطنية، الذهاب للمؤتمر الدولي للسلام والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية. 


كما تملي الضرورة تواجد لجنة قيادية على الأرض من الآن في رفح لمتابعة قضايا المواطنين تتشكل من اللجنة التنفيذية وفصائل المنظمة وعلى رأسها حركة "فتح" والوزراء وتكنوقراط متخصص في المسائل اللوجستية وتملك صلاحيات وامكانيات لتنظيم حياتهم بالحد الأدنى وفق شروط الواقع الراهن، بما يعزز ويكرس وجود القيادة الشرعية على الأرض. وعلى صعيد آخر الكف عن أية تصريحات تثير الالتباس والإساءة لوحدة الشعب وأهدافه الأساسية المذكورة أعلاه، وبما لا يسمح للقوى المتربصة بالشرعية الوطنية لنفاذ منها لصب الزيت على نار الخلافات والتعارضات القائمة بين القوى السياسية، ودس السم في العسل بذريعة الحرص على الشعب، والتصدي المشترك لوسائل الاعلام التي تنفث سمومها بشكل مباشر وغير مباشر، وكذا اللجوء للحوار الثنائي والمشترك بين القوى المنضوية في إطار المنظمة بدل اصدار البيانات التوتيرية بينها، وإذا كان لابد من إصدار مواقف لهذا الفصيل او ذاك في لحظة سياسية محددة تجاه أي مسألة خلافية، تفرض الضرورة الانشداد للوحدة والابتعاد عن اللغة التشكيكية أو الانفعالية لحماية الشعب وتماسكه أمام مجمل التحديات الصهيو أميركية ومن لف لفهم. 


إذًا مطلوب الآن رص الصفوف بين القوى الوطنية المختلفة، وترك الخلافات جانبًا لما بعد انقشاع غبار الحرب لمناقشتها بشكل هادئ ومسؤول يؤدي للهدف المنشود، وهو وحدة الشعب تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وعودة اللحمة للنظام السياسي الواحد والتعددي الديمقراطي.