يحاول رجل عبثًا حبس دموعه وهو يحمل جثمانًا صغيرًا في كفن أبيض، وقربه تبكي نساء أطفالهن بينما يؤدي رجال صلاة الجنازة ... في مستشفى ناصر جنوب قطاع غزة.

غصّت مشرحة المستشفى في مدينة خان يونس مجـددًا بشهداء القصف البري والجوي والبحري، بعد اسـتئناف الاحتلال الإسرائيلي عـدوانه على قطـاع غـزة، بعدما انتهت الهدنة الإنسانية صباح الجمعة.

وقالت جمانة سعد عبد الغني مراد التي نزحت مع عائلتها من مدينة غزة إلى مدرسة خالد الحسن في خان يونس حيث أقاموا بخيم موقتة: "بأن القصف بدأ فجأة، وكان ابنها محمد يحاول إخراج النساء والأطفال من خيمتنا".

وأضافت جمانة التي ارتدت ملابس سوداء اللون وغطت رأسها بغطاء مزين بألوان زاهية: "بأن ابنها ذهب لينقذ الناس، وتجدد القصف، وأصيب بشظية قاتلة في رأسه".

وتابعت: "نحن نازحين من الشمال إلى الجنوب الذي قال عنه الاحتلال أنه آمن، وكان يلقي علينا المناشير يوميًا يطالبنا بمغادرة بيوتنا، الآن قتلوا ابني محمد الذي كان حنونًا، هو ابني وأخي وحبيبي، كنت أشكي له همومي".

إلى جانبها، صرخت ابنتها جوان بأعلى صوتها مستنجدة بالله "يا رب، ارمِ الصبر على قلبي يا الله"، قبل أن تضيف "أخي لم يفعل شيئًا، ذهب لينقذ الناس".

وتابعت بلهجة متوسلة مكسورة "أمانة عليكم... أمانة عليكم أن توقفوا الحرب"، لتسأل من دون أن توقف النحيب "أي صواريخ هذه وأي سلاح هذا الذي يستخدمونه؟... حرام...".

وشنت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا شاملاً على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أسفر عن استشهاد أكثر من 15 ألف مواطن، بينهم 6150 طفلاً، وأكثر من 4 آلاف امرأة، إضافة إلى أكثر من 37 ألف جريح، في حصيلة غير نهائية.

وبعد أكثر من سبعة أسابيع من قصف إسرائيلي مدمّر، سرت هدنة إنسانية حيز التنفيذ لسبعة أيام، لكنها انتهت صباح الجمعة الماضي من دون اتفاق على تمديدها.

وغير بعيد من العائلات الثكلى، كان أفراد طاقم المستشفى يخرجون الجثامين واحدًا تلو الآخر وقد لفّت بأكفان أو أكياس بيضاء اللون، لدفنهم بسرعة بسبب اكتظاظ الجثث وانقطاع الكهرباء التي تؤثر على ثلاجات المشرحة.

أمام المستشفى، تجمّع رجال لإقامة مراسم تشييع لأحبائهم، وقد نمت لحاهم وبدا عليهم الحزن والوجوم.

رصفت ثلاثة جثامين جنبًا إلى جنب، وجاء الرجال بعربة صغيرة عليها جثامين رضّع، وحمل أحدها أب يغالب دموعه ووضع بهدوء الجثمان الذي لفّ بالقماش بجانب جثمان رجل لفّ أيضًا بدوره بالأبيض.

واصطف قرب الجثمانَين عدد من الأشخاص الذين بدا عليهم الأعياء والتعب، وأدوا صلاة الجناة على الرضيع والرجل.

وعند درج المستشفى حيث وضعت ثلاثة جثامين، انحنى رجل وكشف وجهه والده المغطى بالدم وقبّله قائلا "الله يرحمك يابا"، فيما جلس شقيقه القرفصاء بجانبه يبكي بصمت وهو يمسد رأسه.

وبجانب جثمان آخر انحنت امرأة ارتدت الأسود لتكشف وجه ميت يخصّها وتبكي، من دون أن تقوى على الوقوف بمفردها عندما حمل رجال الجثمان لتشييعه، فقامت نسوة ورجال آخرون بمساعدتها.

وكتبت أسماء القتلى على الأكفان البيضاء، بينما قام رجال بوضعهم على حمالات طبية ووضعهم في مركبات مدنية لنقلهم إلى المقبرة، في حين كان آخرون يتجهزون لوداع قتلى آخرين.