بقلم: خلدون البرغوثي

شكل انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة عام 2008 وإعادة بنيامين نتنياهو للحكم عام 2009 بداية لعلاقة متوترة بين الإدارات الديمقراطية والحكومات الإسرائيلية الليكودية، وبات الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن والنائب السابق للرئيس أوباما 2008 – 2016 محور هذا التوتر بسبب عدة مواقف تعمدت فيها الحكومات الإسرائيلية برئاسة نتنياهو توجيه إهانات لسيد البيت الأبيض.

وتجلى التوتر بين بايدن ونتنياهو في أول لقاء لهما أمس الأربعاء منذ تشكيل نتنياهو حكومته الحالية، عبر جعل اللقاء عابرًا على هامش التئام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي فندق في نيويورك، وليس في البيت الأبيض كما كان يرغب نتنياهو.

وهو لقاء متأخر جدًا، تمامًا كالمكالمة الهاتفية التي انتظرها نتنياهو شهورًا من بايدن، ولم تأت إلا بعد وساطة الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتسوغ في تموز الماضي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن. هذه المكالمة وبدلاً من أن تكسر الجليد بين بايدن ونتنياهو عززت الأزمة بينما أيضًا.

كما وجهت الإدارة الأميركية صفعة لنتنياهو عبر استقبال مسؤوليها زعم المعارضة يائير لبيد في واشنطن قبل نتنياهو الذي لم تفتح أبوابها له بعد.

 

2010 إهانة بايدن بالاستيطان

خلال أول زيارة لبايدن بصفته نائبًا للرئيس أوباما إلى إسرائيل في 2010، تعمدت وزارة الداخلية الإسرائيلية الإعلان عن إقرار بناء 1600 وحدة السكنية في مستوطنة "رامات شلومو" شمال القدس المحتلة.

وشكل هذا الإعلان إهانة لبايدن الذي أكد قبله على الدعم الأميركي لإسرائيل ودفع واشنطن باتجاه استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وفورًا أصدر بايدن بيانًا هاجم فيه القرار الإسرائيلي واعتبر انه القرار "ينسف الثقة الضرورية التي نحتاجها الآن"، كما قال: "إنني أدين قرار الحكومة الإسرائيلية بالمضي قدما في خططها لبناء مساكن جديدة في القدس الشرقية".

وأضاف: "إن هذا الإعلان بمضمونه وتوقيته، وخصوصًا مع إطلاق المحادثات [غير المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين] هو بالتحديد نوع من الإجراءات التي تنسف الثقة الضرورية في الوقت الراهن ويذهب في الاتجاه المعاكس للمحادثات البناءة التي أجريتها في إسرائيل".

 

اوباما يصفع نتنياهو في مجلس الأمن

وتعزز تحالف نتنياهو مع الحزب الجمهوري لعرقلة إقرار الاتفاق النووي مع إيران، ما دفع أوباما وعلى غير عادة الولايات المتحدة إلى الامتناع عن التصويت على مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334، بتاريخ 23 كانون الأول 2016، أي قبل شهر من تسليم الحكم في البيت الأبيض إلى الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب. وحث مجلس الأمن في القرار على وضع نهاية للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية، ومطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967.

وهو أول قرار يُمرر في مجلس الأمن متعلق بإسرائيل وفلسطين منذ عام 2008.

واتهم نتنياهو إدارة أوباما "بالمشاركة في صياغة قرار مجلس الأمن 2334 المعادي لإسرائيل في مجلس الأمن ومارست الضغوط كي يتم تبنيه".

 

التحالف مع ترامب

شكل تحالف نتنياهو مع الحزب الجمهوري ومع إدارة دونالد ترامب، تصعيدًا في العلاقة مع الحزب الجمهوري، وجاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، كبداية، ثم الاعتراف بالقدس "عاصمة لإسرائيل" ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب، والاعتراف بـ "سيادة" إسرائيل في الجولان السوري المحتل، خروجًا عن السياسة الخارجية الأميركية التقليدية من جهة، وكسرًا للسياسة الإسرائيلية التي كانت تراعي التوازن في العلاقة مع الحزبين الديمقراطي والجمهوري والإبقاء على مسافة واحدة منهما.

الكاتب الأميركي في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان وصف في مقابلة مع قناة 11 الإسرائيلية الأزمة الحالية بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو بأنها نتيجة لجعل إسرائيل نفسها قضية تخص الحزب الجمهوري على حساب العلاقة مع الحزب الديمقراطي الذي يتآكل الدعم فيه لإسرائيل بشكل سريع وغير مسبوق.

وزادت التعديلات القضائية التي يسعى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي لإقرارها من مستوى التوتر مع البيت الأبيض. تاريخيًا كانت الولايات المتحدة تصف علاقة التحالف المميزة مع إسرائيل بأنها نتيجة لقيم الديمقراطية المشتركة بينهما.

وفي نظر الإدارة الأميركية فإن التعديلات القضائية الحالية تشكل مسا بجوهر الديمقراطية الإسرائيلية "الخاصة باليهود"، أي بالقيم المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وبالتالي بجوهر العلاقة بينهما، لهذا وجه بايدن أيضًا رسالة مبطنة عبر إعلان البيت الأبيض بشكل مسبق أن محور لقائه بنتنياهو في نيويورك سيكون القيم الديمقراطية المشتركة.

ويأتي هذا الموقف بعد ادعاء مكتب نتنياهو ورئيس مجلس الأمن القومي في إسرائيل تساحي هنغبي أن اتصال بايدن بنتنياهو قبل نحو شهر لم يتطرق بشكل مطول إلى التعديلات القضائية والجدل حولها. وكذّب مكتب نتنياهو ما نشره فريدمان في "نيويورك تايمز" بعد مقابلة اجراها مع الرئيس الأميركي حول طلب بايدن من نتنياهو وقف التعديلات القضائية.

لكن الناطقين باسم الإدارة الأميركية سارعوا إلى تأكيد أن ما قاله فريدمان هو اقتباس حرفي لما قاله بايدن، في صفعة جديدة لنتنياهو.

 

الخلاف مع نتنياهو ليس خلافا مع إسرائيل

رغم كل هذه التوترات يؤكد المسؤولون الأميركيون بشكل دائم على استمرار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وحرصها على ضمان أمنها ويؤكد ذلك تصويت الديمقراطيين إلى جانب الجمهوريين على قرار في الكونغرس لا يعتبر إسرائيل دولة عنصرية.

وهو دليل على أن الخلاف مع حكومة نتنياهو هو مرحلة مؤقتة، لن تؤثر على الاستراتيجية الثابتة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.