الكاتبة: عزيزة ظاهر 

وأنت تتجول في شارع الشويترة، أحد أقدم وأعرق الشوارع في مدينة نابلس، ستقودك خطواتك نحو مكان تفوح منه رائحة الزمان الجميل، يروي قصص حقب تاريخية مترامية الأطراف مرتبطة بأجيال كثيرة، في زوايا المكان، وعند وقوفك متأملاً كل ما فيه، ستلمس أصالة الماضي في رائحة التمباك المنبعثة من جدرانه القديمة، ومن النوافير التي تتوسط ساحاته على الطراز العثماني النادر، إنه مقهى الهموز، افتتحته عائلة الهموز إبان الحكم العثماني عام 1894، ويعد من أقدم المقاهي الشعبية في فلسطين، ولا تزال معالمه تشير للعهد التركي مثل البوابات التي تحمل الهلال، إضافة لآلات موسيقية كالفونغراف، وراديو قديم يزين صدر المقهى حتى يومنا هذا، ويتميز المقهى بجمال عمارته ومكوناته العثمانية، مثل حجارة السور وبلاط الأرضية والبوابة الحديدية والنافورة التي تتميز بزخارفها القديمة، التي تتوسط المكان، ويحتوي المكان على صور بالأبيض والأسود معلقة في كل مكان دالة على جزء من تاريخ هذا المقهى العريق.

يقول أيمن الهموز أحد مالكي القهوة في الأربعينيات من القرن الماضي كان يجتمع رواد المقهى من أعيان نابلس، ليستمعوا للقرآن الكريم المذاع من العاصمة المصرية بصوت الشيخ محمد رفعت، وعاصر المقهى حقبًا متعددة بدءًا من العهد التركي، مرورًا بالإنجليزي، ثم العهد الأردني، إلى الاحتلال الإسرائيلي وصولاً لعهد السلطة الوطنية، وقد أغلق المقهى أشهرًا إبان العهد البريطاني، وتحول لثكنة عسكرية للبريطانيين إثر وجود اضطرابات، ثم أصبح المقهى مقرًا للدعاية في إطار الانتخابات البرلمانية الأردنية، وقبيل قدوم السلطة الوطنية كان معقلاً للمقاومة الشعبية، ومقرًا لما يصطلح على تسميته بالتعليم الشعبي، خلال الانتفاضة الأولى بسبب تعطيل المدارس والجامعات أثناء فرض نظام منع التجول، وأصبح مقرًا لبعض الناشطين، الذين كانوا يكتبون المنشورات هنا، وكانوا يناقشون آليات توزيعها ضد الاحتلال وتنظيم التظاهرات.

وشهد مقهى الهموز تاريخًا فنيًا وطربيًا حافلاً لكبار مطربي الوطن العربي في القرن الماضي، أمثال السيدة أم كلثوم التي تغنت هنا لأول مرة بأغنية "يا بدر اختفي" في مسرح المقهى، وفريد الأطرش وأسمهان ومحمد عبد الوهاب، وفيروز هي الوحيدة التي غنت أمام المقهى ولم تدخله، وكان المقهى بجانب حفلات الطرب يجمع أيضًا الأدباء والشعراء والمفكرين، أمثال: إبراهيم طوقان وأكرم زعيتر وغيرهما.

 ويرى الهموز ان ما يميز المقهى عن غيره من المقاهي، موقعه وإطلالته الرائعة التي تجذب الزوار من كافة الفئات العمرية، وانه لا يزال يقدم "التمباك" الأصيل والمشروبات الساخنة والباردة، وأنه يحتفظ بتقديم القهوة بالركوة النحاسية العتيقة، ويقصده الزائرون من جميع أنحاء الضفة الغربية، وأراضي الـ 48، إضافة إلى الوفود السياحية الأجنبية التي بات مقهى الهموز عنوانًا لها.