لا يملك أحد، ولا تملك سلطة قانون منع مواطن من التصرف بأمواله وأملاكه كما يشاء، شرط ألا يخالف القانون، كما لا سلطان اجتماعي أو قانوني على مواطن يريد التعبير عن فرحه بمناسبة ما وخاصة إذا كانت (فرحة العمر) الزواج، كما يسميها الناس، أو أي فرح أيا كانت مناسبته، فحق المواطن مضمون ومكفول قانونيا ما دامت مداخيله ومصاريفه قانونية، لكن للحرية الشخصية ضوابط أخلاقية إنسانية، يفرضها ضمير الفرد أولا، وتلتقي على مبادئها ضمائر المجتمع عموما وليس بالضرورة بالإجماع، لأنه لا بد من وجود نسبة لها وجهة نظر أخرى! ولا تهتم بالوقائع والظروف القريبة والبعيدة، ولا تقدر ولا تضع في حسبانها، انعكاسات ممارسة الحق عليها خصوصا، وعلى الكل (المجتمع أو الشعب) فنحن هنا نتحدث عن عالم يراقبنا – نحن الشعب الفلسطيني- بدقة، ويرصد سلوكياتنا، ويقرأ أفراحنا، وأحزاننا، صمودنا وتضحياتنا، وتخاذل بعضنا، إنجازاتنا وخيباتنا، كرمنا، وشح نفوس نسبة تكاد لا ترى بالعين المجردة!. وبات كل ما نفعله، وكل نفس أو صوت أو حركة متاحا أمام أنظار العالم الذي يرى إيجابياتنا الأكثر، وسلبياتنا الأقل، لكن الذين يسلطون عدساتهم المكبرة، وأضواءهم الساطعة المبهرة المثيرة للبصر على ما لا يجب أن يكون بمعيار ما يتناسب مع أحوالنا ووقائعنا اليومية وليس بمعيار الحق كثر، يجب ألا نمنحهم الفرصة للانقضاض علينا، وتكسير عظامنا تحت جملة "انظروا إسراف الفلسطينيين"؟! ويصير شريط فيديو الإسراف مثلا ممهوراً بمئات آلاف التعليقات، السلبية بين ليلة وضحاها!!.. لكن هل ما نخشاه هو اطلاع الأشقاء والأصدقاء على إسراف بعضنا، أم أن القضية أبعد من ذلك بكثير؟! ويدفعنا لطرح أسئلة بعلامات استفهام كبيرة؟!
ماذا لو ضبط ميسورون وأثرياء أفراحهم ومصاريفها -وهي حق- بما لا تتجاوز واقع مجتمعهم اليومي الفائض بالأحزان والأتراح؟! فجيش منظومة الاحتلال يعدم شبابنا على الطرقات بين المدن وفي المخيمات، ويتفنن المستوطنون المجرمون الإرهابيون في إخراج جرائمهم وتنفيذها على الأرض، ويدمرون ويحرقون بيوت آمنين بسكانها؟! فهل من اللائق رؤية مواطن يصرف مئات آلاف على فرح، فيما مواطن فقد كل ما يملك بلحظة، وقد يكون أعز ما يملك، ابنا وحيدا؟!
هل كنا سنحصل من ثري -يصرف بلا حساب فاتورة فرح (عرس) مثلا- على مساندة أو استجابة لمناشدة من طالب فقير أو يتيم، ناجح بامتحانات الثانوية العامة بمعدل 99% ولا يملك أهله القدرة على دفع مصاريف دراسته الجامعية؟! أم أن المفاخرة بالبذخ، وملء بطون المدعويين بدسم لحوم العجول والخراف ضحايا ولائمه تنسيه واجبا إنسانيا لو عمله، لعمت السعادة نفوسا يضيء هذا الخير عتمة حالها وظروفها الإنسانية الصعبة؟! وحتى لا يظل الفقر موروثا وتراثا!.
لماذا لا يفكر الثري باتجاه آخر فيدعم ويساند شبابا يسعون للزواج ويأملون باستقرار عائلي، وقد لا يكلفه الأمر إلا كسورا من رقم مصروفه الخماسي أو السداسي الخانات على عرس أو مناسبة يعلي فيها منصات الإضاءة والغناء وموائد الطعام، فعلى الأقل بإمكانه جبر خاطر شاب فقير، سينكسر ويتحطم ألف مرة عندما يرى مواطنا -قد يكون في حي قريب، يسمع ويرى ويقدر مصاريف الثري على فرح في يوم واحد، ما يعادل أكثر ألف ضعف من دخله الشهري ؟!.
وأخيرا وليس آخرا، فإن المجتمعات ترقى بانصياعها لقوانين الأخلاق والقيم والسلوك وتراثها الموروث والمتجدد، وتعمل صالحا تجسيدا لمبادئ الاخاء والتعاضد والتعاون والتكافل الاجتماعي في السراء والضراء، وهنا في فلسطين ليس أمانا خيار إلا تفضيل الالتزام بهذا القانون الأخلاقي، أو على الأقل خلق التوازن مع قانون الحق والحرية الشخصية، وهذه دعوة لأن نستقوي بالفرح على ترح يريده أعداؤنا أن يكون بصمة حياتنا، ولكن ما الذي يمنعنا من تعميم الفرح بمعناه الحقيقي ليشمل القريب والبعيد، وأهل البيت والغريب، عندما يرى الثري صاحب الفرح أن الثراء متأصل في الكرم والعطاء، وتلبية نفس محرومة بعيش لحظة فرح حقيقية في يوم كان يراه في آفاق المستحيل فأصبح قادرا على المضي بالحياة مفعما بالأمل، والقدرة على إبداع، بفضل ثري كريم عاقل حكيم وصاحب عين ترى المعنى الحقيقي للثراء. فالمال مقياس للثراء المادي، أما تعميم المحبة بالعمل الصالح، وفعل الخير بين شرائح المجتمع والناس فإنه مقياس للثراء الأخلاقي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها