شارك مسؤولون وخبراء في الصحافة والإعلام، اليوم الثلاثاء، في ندوة حول "دور الإعلام في دعم الهُوية الحضارية للقدس" نظمتها وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، بالتعاون مع وكالة بيت مال القدس الشريف، على هامش أعمال الدورة 53 لمجلس وزراء الإعلام العرب في العاصمة المغربية الرباط.

واتفق المشاركون في الندوة، التي توزعت أعمالها على محورين، أولهما قضية القدس في الإعلام العربي والدولي: المضامين والتوجهات، والثاني: نحو معالجة إعلامية ناجعة لقضية القدس في العالم العربي، على أهمية بلورة وثيقة عربية مرجعية للتحكم في الرسائل والمصطلحات العربية الخاصة بالقضية الفلسطينية، يمكن اعتمادها، بالتعاون بين الهيئات ذات الصلة في مجلس الجامعة العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي، وتتبناها الاتحادات المختصة، والمنظمات ووكالات الأنباء ووسائل الإعلام في الدول الأعضاء.

ولفت المشاركون في الندوة إلى الخطورة التي تكتسيها حملات التضليل التي تنهجها الآلة الإعلامية المتمرسة للترويج للرواية الإسرائيلية، ومحاربة الحق الفلسطيني في حماية مقدساته الدينية والحضارية، وصيانتها والحفاظ عليها.

وشددوا على أن دفاع الإعلام العربي عن القدس، باعتبارها إرثا مُشتركا للإنسانية، يتعين أن يقوم على خطاب يفهمه المتتبع الغربي ومؤسساته، ينتقل من مربع الدفاع المجرد، رغم التضحيات الجِسام التي يتكبدها الجسد الفلسطيني، وإلى المبادرة المِقدامة التي تقوم على الترويج لقصص صمود هذا الشعب الأعزل أمام آلة الدعاية الجرارة، التي لم تنل من الوجود العربي والإسلامي على هذه الأرض المباركة.

ورأى المشاركون أنه لا بُدّ من مُراجعة مضامين وتوجهات المعالجة الإعلامية لقضية القدس ضمن القضية الفلسطينية، لأنها تحمل عناصر قوتها في خصوصية المدينة المقدسة وتعدديتها، ومركزها الديني والحضاري، وإقبال أهلها الفلسطينيين على الحياة، من خلال نبوغ أبنائهم، وتفوقهم، وتشبثهم بالأمل في مستقبل أفضل، رغم الصعوبات.

وأكدوا أهمية العناية بمنصات التواصل الاجتماعي لدعم مقومات الترافع الإعلامي عن القدس، باعتبارها مهدا للتعايش الديني والحضاري، وتحصين المُدركات الجماعية الإنسانية، التي تعزّز التفاف المجتمع الدولي حول الحق الفلسطيني، من دون التنازل عما يؤمن به إعلامنا العربي من ثوابت لا تراجع عنها.

وفي هذا الصدد، قدّر المشاركون أنه لا مناص من تدخل حاسم من قِبل السلطات الإعلامية في الوطن العربي لتجويد المحتوى الإعلامي المُوجه للخارج حول القضايا العربية ذات الأولوية، وفي طليعتها القضية الفلسطينية وقضية القدس، وجعله أكثر قابلية للترويج على منصات شركات الإعلام الدولية نظير "غوغل" و"فيسبوك" و"أمازون" و"نتفليكس"، التي يجد فيها الخطاب المُضاد رواجا كبيرا، يجعله أكثر انتشارا من غيره.

وأشار المشاركون إلى أن فكرة إحداث منصة عربية مُوحدة للإعلام تبدو مُناسبة لتُشكل قوة اقتراحية، ومصدرا جادا للمؤشرات والأرقام والدراسات الخاصة بحضور الإعلام العربي ومدى انتشاره وأثره على المتلقي الغربي خصوصا في المعالجات الإعلامية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وبقضية القدس.

ودعا المشاركون في الندوة إلى استثمار البُعد الروحي والحضاري لمدينة القدس كموضوع للمرافعة الإعلامية الموُجهة للأوساط المتدينة في العالم الغربي، والعمل على توفير الإمكانيات المالية لإنتاج قصص إعلامية، مكتوبة ومرئية ومسموعة، موجهة للكبار ولليافعين، عن إقبال الفلسطينيين على الحياة في القدس، والانفتاح على شركات الإعلام الدولية للترويج لهذه القصص.

 

وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للندوة، أكد المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف، محمد سالم الشرقاوي، اليوم الثلاثاء، إن الوكالة مستمرة على عهدها في دعم القدس ومقدساتها، تنفيذا لتعليمات العاهل المغربي، الملك محمد السادس، مستفيدة مما راكمته المؤسسة من تجارب مهمة خلال 25 عامًا.

وقال الشرقاوي: "إن وكالة بيت مال القدس الشريف، أثبتت بالملموس أن إيصال الدعم إلى مستحقيه ممكن، وفي ظروف آمنة، وأن العمل في المدينة ومع مؤسساتها الشرعية يترك نتائج معتبرة، يصلنا صداها مما نسمعه من أشقائنا في القدس، كما يصلنا من خلال ما تنشره وسائل الإعلام من أخبار الوكالة ومن تغطياتها".

وأوضح أن "مصالح الوكالة رصدت، منذ بداية العام الجاري، أزيد من 8 آلاف قصة وتقريرا خبريا تهم أنشطة المؤسسة في القدس، اهتمت بها 12 وكالة أنباء لبلدان عربية وإسلامية، وتم نشرها بخمس لغات عالمية".

ولفت إلى أن لقاء اليوم يناقش دور الإعلام في دعم الهوية الحضارية للقدس، "لأننا في وكالة بيت مال القدس الشريف، التابعة للجنة القدس، نعتقد أن تحرير عقل المتابع الغربي من الارتهان إلى الرواية الإعلامية الأحادية، التي تأسست لعقود على الأساطير، لا بد أن تشكّل أولوية العمل العربي المشترك في هذا المجال".

وشدد على أن وكالة بيت مال القدس الشريف، تجتهد في إطار إمكانياتها واختصاصاتها، لدعم صمود المقدسيين، مشيرا إلى أن الوكالة تتيح الفرصة للعديد من المقدسيين لزيارة المملكة المغربية للتعرف على البلد، والاستزادة من خبرات أبنائه في كل المجالات، حيث تم منذ بداية هذا العام استقبال ما يزيد على 80 شخصية، تتوزع على مسؤولين في الحكومة الفلسطينية، ودبلوماسيين، ومهندسين معماريين، وأطباء، ومثقفين وفنانين، وطلاب مدارس، وممثلي مؤسسات اجتماعية، وجمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة.

وافتتح في فضاء انعقاد الندوة، رواق يعرض مختلف مشاريع وكالة بيت مال القدس الشريف بأحياء القدس، والتي تتوزع بين تنفيذ مشاريع اجتماعية، ودعم مستشفيات، وترميم بنايات، وتجهيز نواد رياضية، وبناء مدارس، فضلا عن مشاريع صحية وتعليمية أخرى متنوعة.

وشارك في الندوة، وزراء ومسؤولون في وزارات الإعلام في البلدان العربية، وممثلو البعثات الدبلوماسية العربية المعتمدة لدى المملكة المغربيةـ، وإعلاميون، وأكاديميون، وصحافيون، وصُناع محتوى فلسطينيون من القدس.

وجاءت الندوة، كتجسيد عملي لالتزام المملكة المغربية، بتنفيذ القرارات والتوصيات الصادرة عن الدورات السابقة لمجلس وزراء الإعلام العرب ذات الصلة بالأدوار التي يتعين أن تُسند للإعلام العربي لنصرة القدس والمقدسات، وتجاوبا مع الرغبة الفلسطينية، المُعبر عنها، على أعلى مستوى، لتعزيز العمل العربي في المجال الإعلامي.